أزمة الكهرباء ليست معضلة

> في بلاد منّ الله عليها بدوام الشمس عليها طوال العام، وفي الوقت الذي تتسارع بلدان العالم الغنية والفقيرة نحو الطاقة الخضراء، كبديلة متعاظمة الفوائد تتمثل في دوام الخدمة للمواطن وخلق بيئة نظيفة في المجتمع، خالية من مصادر التلوث وما تسببه من أمراض وتلوث عام في البيئة المحيطة، وتقليص نفقات الطاقة الكهربائية وصرف مواردها في بنود أخرى للبلاد، وضمان مستقبلي يحقق ديمومة الطاقة المتجددة التي لا تتأثر بالأزمات والحروب وما يتصل بها. وقد نهجت دول كثيرة إلى جذب القطاع الخاص للاستثمار فيها، في الوقت الذي ما زالت سلطاتنا اليمنية بشكل عام تدور في دوامة انعدام الوقود وكيفية توريده، ومن أي المصادر وبأي آلية، وكأن مهام هذه السلطات تنحصر حدود تفكيرها في الإسراع بطلب الدعم الخارجي، دون السعي للتفكير بالبدائل الممكنة، بل والاتجاه للتفكير البعيد المدى الذي يحقق الاستدامة لخدمة المواطن، ويتيح للجهات الرسمية التفكير بقضايا ومهام أخرى في أجندتها.

وستتفقون معي أننا أمام سلطات رسمية، في كل مستوياتها، تجسد في سلوكها أبعادا متعددة على النحو التالي: الركون للحلول الآنية وانعدام التفكير الاستراتيجي لوضع الحلول الإدارية لأزمة الطاقة وأزمات أخرى تعاني منها البلاد، والعجز عن تأسيس هيئة استشارية من المتخصصين في إدارة هذه الأزمة، بل كل الأزمات التي تطحن البلاد، وكأن الجهات الرسمية قد عشقت سلوكيات الشحذ لسد الحاجة، وما يأتي من خلفها من فرص السرقة وبناء قطاع طفيلي يمارس الفساد في كل مستوياته، وإذلال المواطن الساعي لتوفير احتياجاته. لقد نهجت هذه السلطات مبدأ العمل بسياسة "الفعل ورد الفعل" الهادف إلى التدخل لحل الأزمة بصورة آنية متقطعة. وهذا النوع من المعالجات لا يحمل نهجا مستديما للخدمات العامة بشكل عام، ويجعل المواطن في دوامة المعالجات الرسمية القاصرة، بل يشغل السلطات عن مهام أخرى إن كانت في أجندتها.

وعلى الجانب الآخر، تذهب أموال المستثمرين اليمنيين العائدين من المهجر باتجاه بناء المجمعات التجارية والمطاعم، التي تتكرر فيها السلعة والخدمات ذاتها، دون توجيه رسمي للاستجابة الواعية لتلبية حاجات المجتمع الأساسية، وهو دليل على غياب النهج الرسمي الناتج عن انعدام الرؤية الرسمية في إدارة البلاد والتخطيط الموجه المدروس لأموال القطاع الخاص، بل والأموال العائدة من المهجر.

ولن أخوض في المشاريع الدولية والإقليمية التي تدور في دوامة متطلبات قاصرة، لا ترتقي إلى مستوى الاحتياجات لبلاد تأثرت من ويلات الحرب، وما زالت تعاني من عبث عام يؤثر سلبا في نوعية الخدمات المقدمة للمواطن، ناهيك عن آليات الرقابة على تنفيذ هذه المشاريع، وتقويم الأثر، ومراقبة عدم تكرار المشروع من جهات متعددة.

وغاية هذا المقال هو التذكير بحق المواطن في الحصول على الخدمة الكهربائية المستدامة باعتبار انتظام الخدمات للمواطن حق من حقوق الإنسان. وفي الوقت الذي يجتهد بعض المواطنين بتوفير حاجتهم من هذه الخدمة ببدائل متعددة (الطاقة المتجددة، المولدات، والبطاريات) تأتي الطاقة المتجددة كمصدر مستديم، أكثر أمانا، حضاري، يحترم البيئة، ولا يحمل الجهات الرسمية أعباء مالية وجهودا في توفير الطاقة من البترول ومشتقاته، ولا يورث للمجتمع أجيالا من الفاسدين للمتاجرة به، بل يحتاج لعقول مدبرة منظمة ترسم مع القطاع الخاص مجال استثمار جديد بتسهيلات مشجعة في الاستيراد وتأسيس المصانع لاحقا، وهذا القطاع، في كل الأحوال، قطاع وطني سيحقق خدمة مجتمعية، وسيحفظ مستحقاته الربحية، وسيضمن تشجيع الجهات الرسمية له وتسهيلاتها. وستترافق مع هذا التوجه تسهيلات مالية مماثلة للمواطن لاقتنائها. وستوفر الدولة أموالا كان يستنزفها توفير الوقود. وستتخلص البلاد من مصادر التلوث والتلوث السمعي الناتج عن المولدات، وكل ما يتصل بهذه العملية. وهذا مشروع لن يصعب تنفيذه، إذ إن دولا قريبة مناّ قد انتهجته، لكن الصعوبة تكمن في توفير الجهات الرسمية المستوعبة لذلك.

ليس صعبا تحقيق ذلك... لكن الصعب أن تحقق الدولة للمواطن فرصة التمتع البسيطة بحقوقه.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى