خلال أيام قليلة مقبلة، سيكون المبعوث الأممي إلى اليمن، هانس جروندبرج، قد أنهى 3 أشهر من مهمته كوسيط دولي في الأزمة اليمنية المعقّدة، وهي فترة لم تحمل معها أي مؤشرات لإحلال السلام كما كان متوقعًا، بل اتسعت دائرة العنف، وشهد القتال ذروة غير مسبوقة. كان البعض يعتقد أن وصول المبعوث الرابع سينزع فتيل الحرب بين ليلة وضحاها، وسيجعل السلام يبلسم ندوب اليمن المثخن، لكن رياح المتحاربين تأتي بما لا يشتهيه الوسطاء.
لذلك، هل يمكن القول إن جروندبرج قد تاه في الملف اليمني؟ أم أن 3 أشهر، أو حتى 100 يوم، ليست كافية للحكم على طريقة إدارة الأزمة، خصوصًا إذا ما قيست بالثلاث سنوات التي قضاها سلفه مارتن غريفيثس؟
ومن خلال إلقاء نظرة على تحركات جروندبرج خلال شهر نوفمبر الحالي فقط، نجد أنها كانت حافلة باللقاءات الهامة. دشن حراكه من طهران وختمه بموسكو، فضلًا عن زيارات إلى تعز والكويت والقاهرة للقاء أطراف يمنية فاعلين من مختلف الانتماءات والمكونات.
يحاول جروندبرج الوصول إلى مقاربات جديدة للحل تختلف عن مبادرات أسلافه، وفي لقاء مغلق جمعه مع عدد من صحافيي تعز في مدينة التربة، في الأسبوعين الماضيين، كان واضحًا أن المبعوث السويدي لا يبحث عن اختراقات جزئية في جدار الأزمة سواءً بالنسبة لحصار تعز أو وقف الهجوم على مأرب، كما حصل في الحديدة واتفاق استوكهولم الفاشل.
ويبدو أنّ لجوء المبعوث إلى حلفاء المليشيا إقليميًا ودوليًا في طهران وموسكو، يهدف إلى تشكيل حلف ضاغط على الحوثيين للقبول بالجلوس إلى طاولة المفاوضات من دون شروط مسبقة.
وبما أنّ المليشيات الحوثية ما زالت تعيش في أوهام الحسم العسكري، ورقعة التصعيد تتسع من الساحل الغربي إلى أطراف تعز وربما نحو إب، يتوجب على الأمم المتحدة ومبعوثها التخلي عن خططهم التي تتطلب وقتًا أطول للحل، والالتفات إلى أولويات عاجلة.
بالنسبة لغالبية اليمنيين، لم تعد الحرب العسكرية أمرًا يثير الفزع كما هو الحال في الحرب الاقتصادية التي قصمت ظهورهم. الانهيار الاقتصادي هو الحرب الحقيقية التي ستلتهم الجميع، ومع اقتراب الريال من حاجز 1600 أمام الدولار الواحد في مناطق جنوب اليمن، حان الوقت للتحرك من أجل إبرام هدنة اقتصادية عاجلة، تنهي الانقسام الحاصل في العملة النقدية بين الشمال والجنوب.
لا تكترث أطراف الصراع وداعموها الإقليميون للمعاناة الحاصلة، بل تحاول استثمار المجاعة لتحقيق مكاسب سياسية، ولذلك على الأمم المتحدة أن تتصدى لهذه المخططات بالضغط بكل الوسائل نحو هدنة اقتصادية، وإذا ما أصبح رغيف الخبز في متناول الجميع فلا يهم إن توقفت الحرب أو استمرت لعشر سنين مقبلة.
العربي الجديد