الزبيدي شوكة الميزان .. المجلس الانتقالي ما له وما عليه

> مثل تشكيل المجلس الانتقالي تطورا نوعيا لحراك كمي، وكان تشكيله نتاجا طبيعيا لإرهاصات سبقته، وكلنا يدرك أن تشكيل المجلس جاء في ظروف غاية في الصعوبة والتعقيد، إلا أنه كان من وجهة نظري الابن الشرعي للمقاومة الجنوبية التي خاضت حرب التحرير من مليشيات الحوثي، وحرب التطهير من داعش والقاعدة، وخرجت منتصرة وأكثر قوة، ولكي تحافظ على انتصارها وقوتها كان لا بد من وجود جناح سياسي لها، فجاء الانتقالي كضرورة لهذه الحاجة.

قد يقول قائل إن الانتقالي تم سلقه على عجل، وهذا صحيح، ومن خلال التجارب السابقة للحوارات والتكتلات التي رافقت مسيرة مكونات الحراك، ما كان له أن يرى النور لو كان تأخر أكثر، وهو ما أمكن التوصل إليه وسط أجواء مشحونة بالتوترات، تصاحبها حالة من الاحتقان، وتخيم عليها أجواء الحرب من ناحية، ومن ناحية أخرى تسودها الاستقطابات والصراع بين مشروع الحياة الذي تمثله المقاومة الجنوبية كامتداد لخيارات وتوجهات الحراك الجنوبي، وتلبية لأعمال وتطلعات شعب الجنوب، وبين مشروع القتل الذي تمثله قوى التطرف والإرهاب وسعيها إلى تحويل محافظات ومناطق الجنوب إلى ولايات إسلامية.

ولهذا أمر طبيعي أن يكون المجلس الانتقالي كيانا غير متجانس، أو نقدر أن نقول عنه تحالف الضرورة، عكس الحد الأدنى للحمة الجنوبية التي تجسدت في جبهات ومتارس القتال.
وخلال أربع سنوات ونيف من عمر الانتقالي، وهي فترة قصيرة إلا أنه حقق ما لم يحققه غيره من الكيانات الجنوبية، وأصبح قوة سياسية وعسكرية، لا يستطيع أحد تجاوزها.

الانتقالي مثله مثل أي كيان سياسي هو نتاج لفعل سياسي اقتضته الضرورة له ماله وعليه ما عليه، وحتى لا نتشعب في الحديث أود أن أتحدث عن تموضع وتوجهات التيارات والقوى في الساحة الجنوبية داخل الانتقالي وخارجه.
ونبدأ في المجلس الانتقالي ككيان غير متجانس، فإذا ما نظرنا إليه كإطار ضم كثيرا من القوى الجنوبية من مختلف التوجهات فسنجد أن بداخله أربعة تيارات.

التيار الأول:
وهم انتقاليون ذوو جذور حراكية، وهو تيار غير منظم يعمل أصحابه بنفس أسلوب إدارتهم لمكونات الحراك، ويغلب على أدائهم التخبط والعشوائية، أوفياء ومخلصون للقضية الجنوبية، وبسبب عدم تنظيم أنفسهم تجدهم يعملون بشكل فردي داخل الانتقالي، ناهيك عن أنهم يفكرون بعقلية المناضل، وليس بعقلية السياسي، فأصحاب هذا التيار يرون أن نضالهم قد أثمر، وأن الوقت مناسب لأن يجنوا ثمرة نضالهم، ولذا يعتبرون أن لهم استحقاقا يجب أن يأخذوه، وهؤلاء نسوا رفاقهم وقدموا أنفسهم كممثلين للمناضلين، ويكفي وجودهم ولا داعي للآخرين، لأنهم يعتبرون أن الأفضلية في النضال تؤهلهم للاستحواذ على كل المواقع القيادية.

التيار الثاني:
عقلاني منفتح على جميع الكفاءات: سياسية وإدارية يقدر خطورة المرحلة غير راض عن بعض التوجهات داخل المجلس.
رمي الماضي خلف ظهره وأخذ منه الدروس والعبر، ينظر إلى الأمور بشكل مختلف عن مزاج الشارع بعيدا عن الشعارات والشطط، مستفيدا من تجربته الطويلة في العمل السياسي.

يرى أصحاب هذا التيار أن الجنوب يتسع للجميع، من منطلق أن الجنوب لكل أبناءه وأن التصالح والتسامح الذي مثل ركيزة أساسية لانطلاق الحراك السلمي الجنوبي قد أصيب بمقتل في أحداث يناير 2018 وأغسطس 2019، وتحول إلى شعار يستخدمه البعض عند الحاجة.
ترسخت لديهم قناعة أن الجنوب بحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى تصالح وتسامح حقيقي، ينتصر الجنوبيون لقيمه ونهجه ويجسدونه في سلوكهم اليومي لإيجاد جبهة داخلية موحدة ومشروع وطني جامع وخطاب سياسي يجمع ولا يفرق.
يعاني هذا التيار الذي يمثل الأقلية داخل المجلس من التهميش، وفشلت محاولاته في إرساء قواعد العمل المؤسسي في المجلس.

التيار الثالث
مترزقون، والانتقالي لهم بقرة حلوب، ويهمهم مصلحتهم فقط، ويتعاملون مع الانتقالي كجهاز وظيفي وإداري يعود عليهم بالمنفعة، لا كمكون نضالي عليه أن يواجه المصاعب والتحديات وينجز الاستحقاقات ويقوم بالمهام العاجلة والملحة لما من شأنه خدمة شعب الجنوب وقضيته.
ناهيك عن أن أدائهم داخل الانتقالي وسلوكهم في المجتمع لا يرتقيان إلى حجم تضحيات شعب الجنوب ولا إلى تطلعاته، لأن القضية الجنوبية لا تهمهم، سواء تقدمت أم تأخرت فهو سيان عندهم.
يعمل أصحاب هذا التيار على استغلال وجودهم داخل الانتقالي للتكسب وخدمة الأهل والأقارب، وترتيب أوضاع الأقرب فالأقرب بغض النظر عن الموقف من القضية الجنوبية، وساعدهم في ذلك غياب المعايير.

التيار الرابع
هم جسم غريب داخل المجلس أو نقدر أن نقول إنه اختراق، وهؤلاء يعملون كتلة واحدة وتجد أصواتهم مرتفعة ويعيقون أي تقارب جنوبي جنوبي، يستخدمون الانتقالي كغطاء وهم في الأساس ينخرون الانتقالي من داخله، وتمكنوا من استغلال وجودهم في الانتقالي لتأسيس شبكة من المصالح، ولذا تجدهم حريصون على بقاء الحال على ما هو عليه لكي يحافظوا على مصالحهم.

ووسط هذه التيارات يظل عيدروس الزبيدي رئيس المجلس الانتقالي شخصية محورية ويمثل شوكة الميزان داخل المجلس، لما يتمتع به من مواصفات قيادية ورزانة عقل وسمعة طيبة وتاريخ نضالي مشرف، ولكن السؤال الذي يجيب علينا أن نطرحه هو:
إلى متى ستستمر معالجاته التوفيقية التي لا تؤدي إلى حل الأزمات بل ترحلها، وتظل قابلة للانفجار في أي لحظة؟
إن الحدث عن الانتقالي كلاعب وحيد في الملعب السياسي الجنوبي يبدو أمرا غير منطقي، ونحن هنا لسنا بصدد الحديث في هذا الأمر، وما نحن بصدد الحديث عنه هو القيادات الجنوبية خارج الانتقالي.

تنقسم القيادات الجنوبية غير المنضوية في المجلس الانتقالي إلى ثلاثة أقسام هي:

القسم الأول
قيادات صنعها الحراك ولم تكن من صناع الحراك وبقدرة قادر وصلت إلى مواقع قيادية في بعض المكونات الحراكية، هذا النوع من القيادات كانت تدعو إلى وحدة الصف كشعار فقط، وتعمل في الكواليس عكس ذلك، وكانت سبب في فشل أي تقارب جنوبي جنوبي وأثبتت التجربة عدم جدية الحوار معهم.

تعاملت هذه القيادات مع الحوارات والترتيبات والتفاهمات التي سبقت تشكيل المجلس الانتقالي -التي جرت تحت ضغط الوقت- بسلبية ظنا منها أن أي جهود لتوحيد الصف الجنوبي لا يمكن أن يكتب لها النجاح دونهم، إلا أنهم تفاجأوا أن الحوارات والمشاورات التي تم استثناؤهم منها جرت بهدوء دون أي منغصات، وأثمرت تشكيل المجلس الانتقالي الجنوبي.

وجدت هذه القيادات أن مكوناتها صارت رأسا بلا جسد، إذ انخرطت قواعدها في هيئات المجلس الانتقالي في كافة المستويات .
ظلت هذه القيادات النرجسية تترقب من سيطرق بابها ويزورها إلى منازلها ليعرض عليها تحمل مواقع قيادية، وحينها ستطرح شروطها إلا أن هذا الأمر لم يحدث.

ولكونها لم تجد موطئ قدم في الانتقالي فإنها تستغل أي هفوة للانتقالي لمهاجمته، وتحاول تفسير مواقفه المرنة من بعض القضايا بالارتهان، وخطواته وتحركاته بالتفريط بالقضية الجنوبية، وتظهر نفسها أنها أكثر وطنية وإخلاصا من قيادة الانتقالي متناسية أن الحرب أفرزت واقعا جديدا، مع أن غضبها هذا كله لعدم حصولها على موقع قيادي داخل المجلس.

القسم الثاني
هم بعض القيادات التي صنعت الحراك وتولدت لديهم قناعة بإتاحة الفرصة لوجوه جديدة لتصدر المشهد، وهي قيادات عقلانية وتمتلك خبرة وتجربة طويلة في العمل السياسي وهي مخلصة مع القضية الجنوبية وتخدمها بصمت ولا يستهويها الظهور الإعلامي وتقدم القضية الجنوبية للآخرين بطريقة راقية وتدافع عنها، وترى أن التنوع في إطار وحدة الهدف هو مصدر قوة للقضية الجنوبية وليس مصدر ضعف.

تتعامل مع الواقع كما هو وليس كما يريده البعض أن يكون مستوعبة المتغيرات التي أفرزتها الحرب وموازين القوى التي أنتجتها وتموضع كل طرف، وتدرك أهمية البعد الدولي والإقليمي وصراع الإرادات القائم على المصالح.
هذه القيادات ترى أن عمل الانتقالي يشوبه بعض الاختلال والقصور وعلقت بجسده بعض الشوائب وأصابته بعض التشوهات، وأن هناك بعض الأمور بحاجة إلى مراجعة وتصويب لأنها ترى أن الانتقالي قوة سياسية وعسكرية موجودة على الأرض وليس من مصلحة الجنوب إضعافه كونه لا بديل.
وهذه القيادات ناصحة وحريصة على الانتقالي وترى أن أدائه يمكن أن يكون أفضل مما هو عليه وأن عوامل النجاح التي توفرت له لم تتوفر لأي مكون آخر.

القسم الثالث
هم جنوبيو الشرعية فهذه القيادات ترى أنها الوريث الشرعي لعفاش في حكم الجنوب، ولذا فهم من يحق لهم تمثيل الجنوب بالطريقة التي يريدونها، وكان لديهم اعتقاد أنهم بما يمتلكونه من سلطة ونفوذ ومال وسلاح يجعلهم يفرضون أنفسهم كقيادة ويقدمون أنفسهم ممثلين للجنوب، ولا يوجد من يزاحمهم على السلطة وعلى تمثيل الجنوب، فقيادة الانتقالي عندهم مجموعة لفظها هادي، ولم يكن يدر بخلدهم أن الانتقالي سيحظى بدعم الإمارات وأن هذا الدعم سيمكنه من امتلاك عناصر القوة.

شعرت قيادات هذا الاتجاه أن الانتقالي تفوق عليها لأنه امتلك ما لم يمتلكوه، وهي الحاضنة الشعبية، فسعت إلى إعادة الروح لبعض المكونات ودعمتها ماليا وإعلاميا بهدف إضعاف الانتقالي غير مدركة أن هذه المكونات أصبحت اسما بلا جسم وأنها لم تعد تمتلك قاعدة جماهيرية، فلجأت إلى دعم تشكيل مكونات جديدة وهذه الخطوة هي الأخرى لم تنجح.

كل هذه المعيقات أمام هذه القيادات فرضت عليها التحالف مع أعداء القضية الجنوبية وعملت على إعادة تحالف حرب 1994م.
تعامل الانتقالي مع الأقسام الثلاثة بمعيار واحد، ووضعهم في خانة الخصوم ولم يفرق بين صديق غاضب يبحث عن موقع في الانتقالي ولا بين صديق ناصح وحريص ولا بين خصم يسعى إلى إزاحته من المشهد.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى