تعز.. انعدام الماء والغاز ينقل معاناة نساء الريف إلى المدينة

> تقرير/ دعاء الزمر:

> بعد أن كان الريف اليمني يسير بخطى بطيئة للحصول على امتيازات المدينة واستجلاب وسائلها الحديثة، جاء الانقلاب الحوثي في 2014 ليقلب الواقع رأسا على عقب، فصارت المدن اليمنية فارغة من التمدّن ومستنسخة أبشع صور الريف ومعاناته.
تبدأ النسوة يومهنّ في مدينة تعز المحاصرة لعامها السابع من قبل جماعة الحوثي، متجمعات في طوابير طويلة أمام خزانات المياه الخيرية "السبيل"، التي استحدثت في كل الحواري إما عن طريق أحد المحسنين أو عبر المنظمات.

تنتظر النساء أدوارهن ليعبئن القوارير البلاستيكية بأحجامها المختلفة، ثم ينقلن المياه على رؤوسهن أو أكتافهن بعجالة حتى يعدن مرة أخرى لنقل باقي حصتهن من المياه غير مكترثات للوزن الثقيل وتأثيره على صحتهن.
هذا المشهد يذكرنا كثيرا بنساء الريف اللواتي كنا نراهنّ في أثناء زياراتنا للقرى متجمعات أمام الآبار الجوفية، ينقلن المياه على الحمير إلى بيوتهنّ، وامتلاكهنّ للحمير بالمناسبة، تعدّ ميزة إذا ما قارنا وضعهنّ مع نسوة المدينة اللواتي يحملنّ المياه بأنفسهنّ.

أزمة المياه التي تبدو مؤرقة وخانقة لهذه المدينة ليست بالأمر الجديد، فما كانت تحصل عليه تعز من مواردها المائية (16 ألف متر مكعب)، بينما الاحتياج الفعلي (34 ألف متر مكعب)، كما أفاد المهندس "بدري الإبي" مدير مؤسسة المياه سابقا.
هذه الفجوة بين كمية الاحتياج الفعلي للمياه وبين ما كانت تجده تعز، ضاعفت منه الحرب الحالية وحصار الحوثيين للمدينة.

يضيف المهندس "الإبي" للمصدر أونلاين القول إن " مشكلة تعز للأسف أن مصادرها المائية خارج المدينة، هذا يعني أن 53 بئرا لا يزال تحت سيطرة الحوثيين".

ويتابع "الإبي" حديثه "حين كنت مدير مؤسسة المياه كنت أضغط على المنظمات الدولية لتحييد قضية المياه من النزاع القائم، حيث لم يكتفِ الحوثيون بحرمان تعز من مصادرها المائية وإنما يصل لأيديهم في منطقة الحوبان التي تقبع تحت سيطرتهم كافة الدعم المخصص للحد من الأزمة مثل قيمة مادة الديزل، كما أنهم استلموا مخصصات إعادة صيانة كل الآبار ولم يقدموا للمدينة شيئا".

هذا الحصار المطبق والمتاجرة بمعاناة سكان مدينة كاملة يضعنا أمام تساؤل: إلى متى ستظل هذه المشكلة قائمة بكل تبعاتها؟! وما الحلول أو الإجراءات التي ستحدّ من هذه الأزمة؟
يقول المهندس الإبي إن " شبكة استجابة التابعة لدولة الكويت تبنت مشروع إيجاد مصادر آمنة للمياه، وقد استكملت افتتاح ست آبار داخل مدينة تعز، وهم في صدد حفر آبار جديدة ستتوسع خدماتها لتصل لأكبر عدد ممكن من المناطق".

ليست المياه هي المشكلة الوحيدة التي تواجه النساء وتؤرق الجميع وتكسو المدنية بمظهر معاناة الريف، فأزمة الغاز هي الأخرى، جعلت النساء يتجهنّ للاحتطاب واستخدام الفحم وحلول تقليدية أخرى تتطلب جهودا مضاعفة.
الكراتين جزء من حل الأزمات المتكررة للغاز المنزلي وأسعارها ترتفع باطرد، فقد وصل سعر أسطوانة الغاز مؤخرا لأكثر من 20 ألف ريال، فاضطر النساء للبحث عن حلول بديلة وابتكار وسائل أخرى لإعداد الوجبات والاستغناء عن الغاز، فكانت الكراتين هي الحل البديل لإشعال النار.

في السابق، كان الحطب هو الحل الأمثل غير أن ثمنه هو الآخر صار باهظا لكثرة الإقبال عليه من الأسر التي لم تعد تتمكن من توفير الغاز المنزلي.
مسك (25عاما) تصف للمصدر أونلاين معاناتها جراء انعدام الغاز المنزلي، وتقول "يخرج أخوتي الصغار للبحث عن الكراتين، وفي كل مرة يخرجون فيها للعب أو المدرسة ويجدون في طريقهم كراتين يخبؤونها في مكان ما ويحضرونها عند عودتهم، لأنهم يعلمون مدى احتياجنا لها.
وتضيف مسك: "حتى الكراتين لم يعد من السهل الحصول عليها في الشارع، وأصبحت تشترى بالمال بعدما كثر الذين يستخدمونها مع هذه الأزمة الخانقة في الغاز".

ثمن الوجبة باهظ جدا
يشكل توفير المياه ونار الطبخ التحديان الأصعب بشكل يوميّ أمام النساء المسؤولات بدرجة أساسية عن إعداد وجبات الطعام، مع تجاوز كل المعيقات والبحث عن حلول بديلة، إذ تفرض البيئة والمجتمع على المرأة أنها لا بد أن تجد حلا من العدم لكل المشكلات التي تواجهها لتكون جديرة بلقب سيدة بيت محنكة.
في أثناء إعداد مسك لوجبة العشاء، كان الدخان المتصاعد جرّاء احتراق الكراتين كثيف وخانق، وعند سؤالها "عن مدى قدرتها على تحمل ذلك؟"، قالت: " يخيل لي أنني تعودت عليه ثم أجد نفسي قبل النوم أعاني من نوبات سعال شديدة وعيوني دائما تدّمع".

وغالبا ما تتم الطباخة باستخدام الكراتين والحطب بمكان مفتوح، ليساعد الهواء على عملية الاشتعال، وللحصول على تهوية مناسبة للدخان المتصاعد، غير أن الرياح قد تشتد وتتسبب في انطفاء النار، وتضطر مسك لإشعالها مرة أخرى، ولا تقدر على التحكم بمستوى اللهب، إضافة للوقت المضاعف الذي يستغرقه إنضاج الوجبة والإعداد المسبق لها باستخدام الكراتين المحترقة.

مسك التي لم تتمكن من الالتحاق بالجامعة والتي تعمل حديثا سكرتيرة بمبلغ ضئيل في إحدى المؤسسات الخاصة تقول "عشرة أيام لم نتمكن من الحصول على دبة غاز، وأنا على هذه الحالة أعدّ ثلاث وجبات في اليوم كأنها ست وجبات"، وقت طويل وجهد مضنٍ وثمن باهظ جدا يدفع من الصحة البدنية والنفسية".
هذا ما يتطلبه إعداد وجبة واحدة جعلتها الأزمات المختلفة تصنع بشق الأنفس، كما وحدت الحرب ظروف كثير من النساء في المدينة بمختلف مستوياتهن العمرية والتعليمية والاجتماعية، وأجبرتهنّ على ممارسة أعمال شاقة بجهود مضاعفة وبعيدة عما تعودن عليه.

"المصدر أونلاين"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى