السعودية وإيران: تفاهمات "توم وجيري"

> ​من أجل إجلاء شخص واحد حصلت تفاهمت إيران مع السعودية في صفقة غامضة، ربما شملت الإفراج عن أسرى سعوديين في صنعاء، لكن عندما يتعلق الأمر بإنقاذ ملايين اليمنيين من جحيم حرب مدمرة ونيران صواريخ متطورة، يتحول قطبا الحرب الرئيسيان في النزاع اليمني إلى خصمين لدودين، ونسخة واقعية من صراع "توم وجيري".

ولولا أن عملية إجلاء الدبلوماسي الإيراني المثير للجدل، حسن إيرلو، من صنعاء، قد سُرّبت إلى وسائل الإعلام تحت مزاعم وجود خلاف كامن بين طهران وأدواتها في اليمن، لكانت عملية خروجه مشابهة لعملية دخوله الغامضة قبل أكثر من عام.
التفاهم السعودي الإيراني أمر متوقع، خصوصاً بعد موجة المصالحات الأخيرة التي شهدتها المنطقة أخيراً، لكن لماذا لا تحضر النفحات الإنسانية سوى عندما يتعلق الأمر برعاياكم فقط، وعندما يطلق الشعب اليمني والوسطاء الدوليون نداءات استغاثة لوقف الحرب، لا نشاهد سوى مغامرات "توم وجيري"؟

عندما ترتفع الأصوات المطالبة بإنهاء الأزمة اليمنية، تتذكر الرياض أن المد الإيراني لا يزال يهدد اليمن، وتتذكر طهران في المقابل، أن هناك احتلالاً سعودياً يرزح على الأراضي اليمنية ولا بد من دحره، وأن اليمن مهدد بالانسلاخ من عروبته.
في المسلسل الكرتوني، لا يكترث "توم وجيري"، لمسألة تحطيم كافة محتويات المنزل وإقلاق سكينة السيدة التي لا يُعرف وجهها ثم يأتي وقت ويتصافحان.

بشكل مفاجئ وفي المسلسل اليمني، لا مانع لدى السعودية وإيران من المضي في الصراع الثنائي إلى ما لا نهاية ما دام أن الدمار لن يحل سوى في اليمن والدماء التي تسيل يمنية فقط.
تفاهمت الرياض مع إيران فجأة، وسمحت لطائرة عراقية بإجلاء الدبلوماسي الذي وصف المبادرة السعودية لإنهاء الأزمة اليمنية بأنها "مشروع حرب".

أُنقذت حياة الرجل الذي كان يُتهم بأنه العقل المدبر للهجمات العابرة للحدود في العمق السعودي، ولم تسمح بإعادة تشغيل مطار صنعاء أمام ملايين المرضى والمسافرين منذ سنوات.
وبعيداً عن خفايا التفاهمات الغامضة، وما إذا كانت مرتبطة بمشاورات فيينا، لم تكن عملية الإجلاء سوى صفعة مزدوجة للأطراف اليمنية التي تثبت أنها مجرد أدوات ويقتصر دورها على هزّ الرأس لقول نعم.

وبالنسبة للحكومة اليمنية، فإن لديها مناعة من صفعات كهذه، ولن يتم إخطارها بالأمر حتى وإن كانت العملية تخص شخصاً حكمت عليه بالإعدام في محكمة عسكرية بمأرب، بتهمة الاشتراك بدعم عصابة مسلحة وتهديد كيان الدولة.
الحوثيون، أصحاب مقولة "لن نقبل بصفقات يبقى فيها الحصار الخانق ويبقى فيها بلدنا مستباحاً"، رضخوا مجبرين لتفاهمات لا علم لهم بها.

وما الاعتراض الذي أبداه القيادي محمد علي الحوثي، إلا دليلاً على أنهم كانوا مثل الأطرش في الزفة، وفوق ذلك، لجأوا لتبرير عملية الخروج على أنها حالة إنسانية لمصاب بفيروس كورونا.

وعلى افتراض أن صنعاء قد تحولت إلى بؤرة المتحور "أوميكرون"، فهل يُنقل المصابون بفيروس كورونا إلى دولة أخرى للحصول على جهاز تنفس صناعي؟ ثم إن إيران عجزت عن حماية مسؤولين من الدائرة المقرّبة للمرشد الإيراني علي خامنئي في الموجات الأولى للجائحة، فكيف تحولت حياة إيرلو إلى مسألة أمن قومي هذه المرة، وتتدخل فيها دول؟

لدى جماعة الحوثيين قيادات ميدانية تستدعي تدخلات جراحية بالفعل خارج اليمن، وكان بمقدورها الاشتراط بنقلهم لتلقي العلاج في العراق أو إيران بذات الطائرة التي أقلت إيرلو، أو المطالبة برفع الحصار عن الجميع أو استمراره على كل من يقيم في صنعاء بما فيهم البعثة الإيرانية، لكن هكذا تكون مآلات التبعية.
لم يكن إيرلو مجرد دبلوماسي كما هو متعارف بين الدول حتى يمكن الحديث عن معاهدات دولية تُلزم الدول باحترام حريته، بل ممثل لدولة لدى حكومة غير معترف بها دولياً، وجزء من المعركة الحوثية ضد اليمنيين، بدليل أنه منذ تسلله إلى اليمن، تغيرت المجريات العسكرية بشكل جذري، سواء لجهة الهجمات في العمق السعودي أو العدوان الحوثي على مأرب، ولذلك فإن الصفقة أكبر من كل التكهنات المطروحة هنا وهناك.

العربي الجديد

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى