مع تصاعد حرب اليمن.. سقطرى وميون في قلب الصراع الإقليمي والدولي

> "الأيام" الخليج الجديد:

>
  • السيطرة على الجزيرتين ستكون نقطة اشتعال جيوسياسية مهمة في الشرق الأوسط
بعد أكثر من 7 أعوام من الحرب، لا يزال اليمن يشهد تصاعدًا مستمرًا لمشاهد العنف. وفي الأسبوع الماضي، استولت القوات الموالية للحكومة والمدعومة من السعودية والإمارات على محافظة شبوة الغنية بالطاقة، فيما يواصل التحالف الذي تقوده المملكة حملته في محافظة مأرب المجاورة.
وطغت هذه التطورات السريعة إلى حد كبير على تقارير عن استيلاء الحوثيين على سفينة إماراتية في البحر الأحمر. وقال التحالف إن السفينة كانت تحمل إمدادات طبية من جزيرة سقطرى اليمنية إلى مدينة جازان السعودية، فيما زعم الحوثيون أن السفينة كانت سفينة شحن عسكرية تنقل أسلحة ومركبات ومعدات أخرى.

وبغض النظر عن الحمولة التي كانت تحملها هذه السفينة بالتحديد، يؤكد الحادث على الأهمية الاستراتيجية للممرات المائية قبالة شواطئ اليمن والجزر الواقعة فيها، بريم (ميون) وسقطرى. فبالإضافة إلى كونها تقع في واحدة من أكثر الطرق البحرية أهمية في العالم، تقع هذه الجزر أيضًا على مفترق طرق للعديد من التنافسات السياسية والاقتصادية والأمنية داخل المنطقة وعلى مستوى العالم.

وستكون السيطرة على تلك الجزر نقطة اشتعال جيوسياسية مهمة في الشرق الأوسط في عام 2022 وما بعده، مع تداعيات إقليمية ودولية.
وتعد "ميون" جزيرة بركانية صغيرة تقسم مضيق باب المندب بين خليج عدن والبحر الأحمر إلى قناتين. ويجعلها ذلك موقعًا استراتيجيا هامًّا على الطريق البحري الذي يربط البحر الأبيض المتوسط والمحيط الهندي عبر قناة السويس والبحر الأحمر وخليج عدن وبحر العرب.

وتسيطر على "ميون" حاليًا قوات مدعومة من أبوظبي وتستضيف قاعدة جوية تم تشييدها مؤخرًا لصالح الإمارات.

ويتكون أرخبيل سقطرى، وهو أحد مواقع التراث العالمي التي تعترف بها اليونسكو، من 4 جزر قبالة ساحل اليمن والقرن الأفريقي عند التقاء بحر العرب بخليج عدن. وأكبر هذه الجزر هي سقطرى التي تبلغ مساحتها نحو 1500 ميل مربع، وتستضيف نحو 60 ألف نسمة. ويخضع الأرخبيل حاليًا لسيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات، بعد اشتباكات بين المجلس الانتقالي والقوات الموالية للرئيس "عبد ربه منصور هادي".

وعلى الرغم من ادعاءات الإمارات بسحب قواتها من اليمن في عام 2019، تواصل أبوظبي ممارسة نفوذها من خلال المجلس الانتقالي الجنوبي، ومن خلال تعزيز قبضتها على هذه الجزر. وردًّا على ذلك، احتجت البعثة اليمنية الدائمة لدى الأمم المتحدة على ما أسمته "الانتشار العسكري غير القانوني للإمارات" في سقطرى.
وبالإضافة إلى موقعها عند تقاطع العديد من الطرق البحرية الاستراتيجية، فإن ميون وأرخبيل سقطرى يوفران نقطة انطلاق مهمة تجاه العديد من المسارح الاستراتيجية، بما في ذلك القرن الذي تقف فيه السعودية والإمارات ضد قطر وتركيا، فضلًا عن الدور الإيراني هناك.

وخلال السنوات الماضية، وسّعت هذه الدول مشاركتها الاقتصادية والدبلوماسية والأمنية في المنطقة، حيث ألقت الرياض وأبوظبي بثقلهما وراء إريتريا وإثيوبيا وأرض الصومال والسودان ما بعد الإطاحة بـ"عمر البشير"، بينما تدعم تركيا وقطر بشكل أساسي الحكومة المركزية في الصومال.

وبالنظر إلى موقع هذه الجزر عند مدخل البحر الأحمر، فإن السيطرة عليها يمنح نفوذًا غير مباشر على شرق البحر المتوسط عبر قناة السويس. وخلال السنوات الماضية، زادت الإمارات وإسرائيل واليونان تعاونها بشكل كبير في شرق المتوسط في محاولة لمواجهة الطموح التركي. وشمل ذلك العديد من التدريبات العسكرية المشتركة، ما أثار التوترات بين عضوي "الناتو"، تركيا واليونان.

ولا تُعرِّض المنافسة بين هذه الجهات الفاعلة في شرق المتوسط التجارة العالمية للخطر فحسب، بل تهدد أيضًا بجرِّ الولايات المتحدة إلى صراع بين حلفائها.
وتبرز قيمة ميون وسقطرى كذلك في مسرح آخر سريع التطور وهو المنافسة بين السعودية والإمارات. وعلى الرغم من عمل الرياض وأبوظبي معًا على عدة جبهات مختلفة، إلا أن علاقتهما تعثرت مؤخرًا بسبب عدد من الخلافات في السياسة الخارجية والمنافسة الاقتصادية المتزايدة، لا سيما فيما يتعلق بالموانئ والخدمات اللوجستية والنقل.

وانتقد السعوديون بشكل متزايد تصرفات الإمارات في اليمن. ومؤخرًا، اشتبك البلدان داخل "أوبك" علنًا حول زيادة مستويات إنتاج النفط. وبينما تضغط الإمارات لتعزيز نفوذها على جزر اليمن الاستراتيجية والممرات المائية الواقعة في الفناء الخلفي للسعودية، يمكن أن تصبح ميون وسقطرى مصدرًا آخر للتوتر.
وعلى المستوى الدولي، سيكون لوضع هذه الجزر تداعيات كبيرة على التنافس بين الولايات المتحدة والصين، وبدرجة أقل روسيا.

ومع سعي الولايات المتحدة لتقليص وجودها العسكري في الشرق الأوسط من أجل التركيز على التنافس مع الصين، سعت بشكل متزايد إلى الاعتماد على شركائها الإقليميين. لذلك برزت رغبة واشنطن في تدشين تحالف رسمي بين إسرائيل والدول العربية الرئيسة فيما عرف بـ"اتفاقات إبراهيم".
وقالت "ياسمين فاروق"، المتخصصة في شؤون الشرق الأوسط في مؤسسة "كارنيجي": "من خلال تشجيع الشركاء الإقليميين على تطبيع العلاقات، تأمل واشنطن في إعادة توزيع عبء الدفاع على شبكة أكثر تكاملًا من الحلفاء الإقليميين".

وكان لكل اتفاق من اتفاقيات التطبيع منطق متعدد الأوجه، لكن العلاقة بين إسرائيل والإمارات على وجه الخصوص، تسهل سيطرة الولايات المتحدة على الطرق البحرية ذات الأهمية الحاسمة التي تشكل الأضلاع الثلاثة لما يشير إليه الصحفي والمحلل الباكستاني "توم حسين" بـ"المثلث الاستراتيجي" في الشرق الأوسط، وهو (الخليج العربي ومضيق هرمز)، و(بحر العرب وخليج عدن)، و(البحر الأحمر وقناة السويس).

وبالإضافة إلى كونه طريقًا بحريًا حيويًا للتجارة العالمية، تقع إحدى أضلاع هذا المثلث على ممرات الشحن التي تتلقى الصين معظم نفطها عبرها. ويرتبط ضلع آخر بالطريق البحري المقترح في مبادرة "الحزام والطريق" الصينية، بينما يعتبر الضلع الثالث حيويًا للمنشأة العسكرية الإقليمية الوحيدة للصين في جيبوتي والقاعدة البحرية الروسية المقترحة في السودان.

وإذا استمرت التوترات في التصاعد بين الولايات المتحدة والصين أو روسيا، فسوف تكون قدرة واشنطن على السيطرة على هذه الممرات المائية عبر شركائها الإقليميين ميزة استراتيجية. ومع ذلك، يعتمد هذا على افتراض أن هؤلاء الشركاء ملتزمون بتعزيز المصالح الأمريكية في المنطقة.
لكن هذا الافتراض يتعرض للتشكيك بشكل متزايد مؤخرًا، لا سيما فيما يتعلق بالإمارات التي اتبعت سياسات تتعارض مع المصالح والتفضيلات الأمريكية في كل شيء، بدءًا من دعم الثورات المضادة في الشرق الأوسط واللعب على عودة منافسة القوى العظمى إلى المنطقة، إلى التدخل في السياسة الداخلية للولايات المتحدة.

وسيكون لمستقبل جزر اليمن تداعيات كبيرة على المنافسات الاستراتيجية داخل منطقة الشرق الأوسط وخارجها. وسيؤدي استمرار السيطرة الأجنبية عليها إلى تواصل تفتيت اليمن وإطالة أمد الحرب، ما يعني المزيد من محنة الشعب اليمني.
وإذا فشلت الجولة الحالية من الحوار الدبلوماسي في تخفيف الخصومات الإقليمية واندلعت الصراعات "المجمدة" حاليًا في الشرق الأوسط مرة أخرى، فإن السيطرة على هذه الجزر ربما يكون عاملًا حاسمًا.
وبالمثل، مع تصاعد التنافس بين الولايات المتحدة والصين، قد تجد الجزر اليمنية نفسها في خضم صراع أوسع على النفوذ العالمي. والواضح الآن هو أن ميون وأرخبيل سقطرى سيظلان في مرمى المتنافسين الإقليميين والدوليين في المستقبل المنظور.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى