سبع سنوات حرب والحسابات الخاطئة

> مدينة صنعاء محصنة بعدد من الأحزمة الأمنية تحرسها العديد من الألوية التي تم بناؤها منذ زمن، إضافة إلى الطوق القبلي المحيط بها، ومن غير المنطقي أن تأتي جماعة من كهوف مران وتستولي على السلطة في صنعاء من دون مساعدة أصحاب الدار، وهذه حقيقة لا غبار عليها.

انقلاب صنعاء تم الإعداد له بعناية ورسم تحالفاته بدقة متناهية دخلت فيه أطراف محلية وإقليمية ودولية والهدف إعادة إنتاج تحالف جديد لحكم اليمن بحلة جديدة تم تفصيلها بدقة وتوزعت الأدوار بين الأطراف المشاركة، وهناك من دخل في هذه التحالفات (المؤتمر الشعبي العام)، وهناك من ترك الساحة وولى هاربًا على موعد بتحالف آخر (حزب الإصلاح اليمني)، وكانت أولى ملامح التدخل الإقليمي الجسر الجوي غير المسبوق بين طهران وصنعاء، لكن الشيء الملفت أن أول عمل قام به تحالف صنعاء الجديد أن وجه جيوشه نحو عدن.

السؤال: لماذا التوجه إلى عدن ولم يكن باتجاه آخر كالحديدة أو مأرب؟ ولماذا اختاروا عنوانا لهذا التحرك مطاردة الدواعش وكان الرد من البيت الأبيض أن ما يهمهم باليمن هو محاربة الاٍرهاب وكأن ذلك ضوء أخضر فتح لهذا لتحالف لكي يواصلوا المسير نحو عدن لاحتلالها من جديد، والمفارقة العجيبة أن تم ذلك مع إعلان الاتفاق النووي الإيراني مع إيران و5 +1.

لعبة تبادل الأدوار والهدف واحد
امتطى حزب الإصلاح صهوة الشرعية وأصبح المتحكم بمفاصلها الرئيسيّة، والسؤال لماذا أضاعت الشرعية سبع سنوات حرب دون أن تحقق أي شيء من هدف عودتها إلى صنعاء رغم الدعم الدولي الكبير وغير المسبوق في تاريخ العلاقات الدولية وكذا الدعم الهائل التي تلقته من التحالف العربي، هل لعدم قدرتها على تحقيق أي نصر أم، أنها تعمدت أن لا تنتصر وما هي الأسباب؟

من أهم أسباب فشل الشرعية أنها تحولت إلى منصة حزبية لصالح حزب الإصلاح اليمني فرع الإخوان المسلمين باليمن تدير كل العملية السياسية والعسكرية دون أن تضع بالاعتبار مصالح القوى الجديدة التي تقاتل الحوثي على الأرض أو مصالح دول التحالف التي ساندتها وكانت أولوياتها هو السيطرة على الجنوب وليس العودة إلى صنعاء.

السبب الآخر أنها لم تستطع أن تستوعب أن الجنوب قد تحرر بواسطة مقاومته الباسلة بدعم من التحالف ودون أن يكون لها دور يذكر، وأكثر إغاظة بالنسبة لها أن الجنوب وضع يده مع التحالف لتحرير أراضي شمالية شاسعة، وخوفا من أن يذهب الجنوب بعيدا عن سيطرتها عمدت إلى اتخاذ خطوات عملية متعددة، ومن أهمها وقف انتصارات القوات الجنوبية على مشارف الحديدة، حيث انتهزت فرصة التدخل الدولي لوقف القوات الجنوبية من تحقيق نصر عسكري لاستعادة المدينة ومينائها، سارعت لإبرام اتفاق ستوكهولم وأدى إلى تمكين الحوثيين من تسلم المدينة وإعادة تموضعهم فيها دون عناء، وبهذا أسقطت من يدها نصرا استراتيجيا كاد يحقق حتى لا يكون للقوات الجنوبية ومن يدعمها شرف التحرير.

الشرعية من موقعها عرقلت كل المجهود الحربي وعطلت أي انتصار في الجبهات التي تسيطر عليها بهدف ممارسة ابتزاز للتحالف العربي لكي يسلمها الجنوب أولاً وبعدها ستفكر فيما إذا ستخوض معارك لاستعادة عاصمتها أم لا على الرغم من أن الشرعية قد صرحت عبر وزير إعلامها بأنها لم تتخذ قرارا بتحرير صنعاء لكنها سارعت إلى ممارسة العقاب الجماعي لعدن والمحافظات المحررة بتوقيف أي تنمية أو تقديم خدمات في حدها الأدنى للمواطنين مع حجب رواتب الموظفين لأشهر عديدة، وهذا ما صرح به أحد وزرائها من على شاشات التلفزة بأنهم يتعمدون عدم توفير أي دعم للمحافظات الجنوبية المحررة حتى لا يشجعها على الانفصال حسب زعمه.

وفي سياق آخر قررت الشرعية في 2018م تسليم أحد ألويتها في محافظة الضالع مع كامل تسليحه الحديث للحوثي لتمكينه من اقتحام عدن من اتجاه الضالع، حيث صرح بأنه سيصل عدن في غضون أيّام وساعدته في تجميد الجبهات حتى ينهي مهمته التي لن تنتهي بعد، بل تلقى درسا لن ينساه وبعدها توالت الانسحابات من جبهات نهم والجوف ووجهت قواتها صوب عدن لاحتلالها من جديد في عام 2019 كمًا حشدت لهذا الغرض قوات من المنطقة العسكرية الأولى التي ظلت تحرس آبار وحقول النفط الخاصة لمتنفذي صنعاء حسب تصريح وزير الدفاع وظلت طوال الحرب بعيدة ولم تشرك تلك القوات لتحرير صنعاء، لكن عندما تعلق الأمر باحتلال عدن تم تحريكها مع مشاركة طلائع القاعدة والدواعش وكل تلك القوات تتوجه صوب عدن لغزوها من جديد وترك الانقلابيين يتقدمون لاكتساح الجبهات دون أن تعترضهم قوات الشرعية، بل قدمت لهم خدمةً كبيرة في تمكينهم من الأسلحة والمعدات الحديثة التي تركتها قبل الانسحابات المتتالية من المعسكرات والجبهات.

وأخيراً ماذا يعني تسليم مديريات بيحان الثلاث للحوثي دون مقاومة تذكر؟ بينما كانت آخر معاقل الشرعية مأرب محاصرة من قبله، هل كانت هناك صفقة من نوع ما؟ ما هي تبعات إسقاط مأرب بالنسبة للشرعية وانعكاسها على التحالف؟ ولو لم يتدخل التحالف بضربات جوية مكثفة لسقطت مأرب في وقت مبكّر وإن تم ذلك سيتغير مجرى الحرب لصالح الحوثي وقد كان تسليم تلك المديريات رسالة قوية موجهة ضد التحالف بأن الشرعية جادة فيما يخططون له وكان ذلك أحد وسائل الابتزاز للتحالف لكي يرضخ لشروطهم ولو لم يلحق التحالف تحرير هذه المديريات عبر قوة العمالقة الجنوبية لكانت الشرعية قد سلمت كامل شبوة للحوثي ويكون الحوثي قد حقق انتصارا غير مسبوق بإطلاله على بحر العرب ليكون على موعد لملاقاة حليفه الإيراني على شواطئ بحر العرب، وهذا تأكيد لما عرفت بصفقة حوثنة الشمال وأخونة الجنوب والتي ملامحها بدأت تظهر مبكرا من خلال تمكين الحوثي على الأرض بالانسحابات المتتالية من الجبهات على أن يتخلى عن التبعية لإيران وفي المقابل هناك من كان يريد أخونة الجنوب تحت غطاء الشرعية وفي نهاية المطاف سيتم إنتاج توليفة حلول وسط لتقاسم السلطة وثروات الجنوب فيما بينهما وسيتم تسويق ذلك إقليميا ودوليا وتنتهي حاجة اسمها قضية جنوبية عبر مشاركة عناصر جنوبية ترتبط مصالحهم الشخصية مع مصالح الطرفين الحوثي والإخوان المسلمين وقد بدت هذه الصفقة مغرية ظاهريا لكنها تعطلت لسبب بسيط بأن شهية الحوثي مفتوحة على الآخر ويريد أن يكتسح الأرض طالما لم يجد مقاومة تذكر وتسلم له الجبهات واحدة تلو الأخرى والشيء الآخر لا يستطيع أن يفك ارتباطه بإيران كون العلاقة متجذرة منذ عقود فيما بينهما، ومع كل ما يدور من تحت الطاولة كانت للجنوب كلمته التي أصبحت مسموعة على الأرض سواء في الجنوب أو في مساحة الجمهورية العربية اليمنية من خلال الانتصارات التي تحققها القوات الجنوبية في كل الجبهات التي تحت إدارته وآخر الانتصارات التي حققتها قوات العمالقة الجنوبية في تحرير شبوة ومديرية حريب، كل ذلك قد أفسد تلك المخططات وأفشلتها وأصبحت الأمور واضحة، مما أدى إلى ردة فعل جنونية من قبل انقلابي صنعاء ومن يدعمهم من الإقليم، حيث وجهوا صواريخهم وطائراتهم المسيرة نحو دولة الإمارات العربية المتحدة، والذي أظهر الإخوان المسلمين فرحهم علناً بهذه العمليات الارهابية والتي كشفت هوية هذه الحركة بإرهابيها ودمويتها في قصف المنشآت المدنية الذي استنكره العالم وطالب بوضعها على قائمة الإرهاب الدولي.

ماذا نستنتج من كل ما حصل؟
هناك إصرار على غزو الجنوب واحتلاله من جديد سواء كان من قبل تحالف صنعاء 2015 أو من قبل الشرعية 2019، مما يعني أن الهدف واحد.

يتضح من خلال الانسحابات أو تسليم بعض الوحدات والجبهات والمعسكرات دون قتال يذكر بأن هناك تفاهمات وتنسيقات بين الشرعية والانقلابيين في صنعاء بشكل غير معلن.

اتضح جليًا من خلال نتائج مفاوضات ستوكهولم أن هناك تفاهمًا بينهما أدى إلى تمكين الحوثي في ميناء ومدينة الحديدة بسهولة.

لا يوجد من يقاوم الحوثي غير القوات الجنوبية وطيران التحالف، أما الجيش الوطني كأن المعركة لا تعنيه ويتحين الفرصة للانضمام للحوثي كما يحدث بين وقت وآخر.

ما يجري في حضرموت اليوم تأكيد على أن القوات التي تتمركز في الوادي ليس فقط تحمي آبار النفط التابعة لمتنفذي صنعاء ولكن تعتبر وادي حضرموت والمهرة منطقة نفوذ تابعة لحزب الإصلاح تقوم بمنع أصحاب الأرض من التعبير عن موقفهم تجاه تواجد هذه القوات، وهنا سارع الحوثي وقرر قطع الاتصالات على الوادي والصحراء مسانداً لتلك القوات والتعتيم على ما يجري هناك من بطش وعنف ضد مطالبة أصحاب الأرض برحيل تلك القوات التي تعيث بالأرض فساداً، وهذا تأكيد على أن هناك تفاهماً بينهما.

السؤال: إلى متى ستظل الحسابات خاطئة بعد كل الذي حدث؟ وإلى متى سيظل الجنوب عالقًا بين شرعية وانقلابيين بعد أن تكشفت الحقائق بأن هناك تفاهمات تجري بينهما؟ وأخيراً إلى متى سيظل الجنوب يدفع ثمن ابتزاز لهذه القوى اليمنية المتحاربة شكلًاً والمتآلفة بالأهداف مضمونا على أرض الواقع؟ فهل من مخرج؟

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى