تدخل السفارات بشؤون السودان يمنح البرهان فرصة للتشكيك في حيادها

> الخرطوم "الأيام" العرب

> ​وجد مجلس السيادة السوداني في تدخل بعض السفارات الأجنبية بالخرطوم في الأزمة السياسية المحتدمة في بلاده فرصة لمزيد من الضغط على أطراف غربية توجه انتقادات مستمرة إلى الإجراءات التي تتخذها أجهزة الأمن بحق المتظاهرين والقوى المدنية، الأمر الذي أدى إلى تسليط الضوء على نوعية التدخلات وأبعادها.

وكشفت وسائل إعلام محلية أخيرا عن استدعاء وزارة الخارجية لثلاثة سفراء من دول غربية، وسفير إحدى الدول العربية، من دون أن توضح جنسياتهم، احتجاجا على ما وصف بمشاركة سيارات تتبع سفاراتهم في نقل مواطنين إلى أماكن المظاهرات وتقديم وسائل دعم متباينة لهم في الأماكن التي يتظاهرون فيها.

ولم يصدر تعليق من الخارجية السودانية حول ما ذكرته هذه التقارير، غير أن ما تضمنته من إشارات يتماشى مع تصريحات أثارها سابقا رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول عبدالفتاح البرهان ووجه فيها انتقادات مباشرة لسفارات أجنبية (لم يحددها) لمخالفتها “للأعراف الدبلوماسية وانتهاك سيادة البلاد”.

واستمع مجلس السيادة إلى إفادة من وزير الخارجية المكلف علي الصادق حول أنشطة بعض البعثات في الخرطوم ويصل عددها إلى 57 بعثة أجنبية وعربية ومدى مخالفتها للأعراف الدبلوماسية وانتهاك سيادة البلاد.

ويرى مراقبون أن العلاقة المتوترة بين مجلس السيادة وعدد من السفراء الأجانب وليد مواقف قوى غربية فاعلة منذ الانقلاب العسكري في أكتوبر الماضي والتعامل معها باعتبار أنها تريد تقويض السلطة المدنية، وما يترتب على ذلك من وقف الدعم الخارجي الذي حظي به السودان منذ الإطاحة بنظام عمر البشير، وهو ما خلق توترات تصاعدت مع إطالة أمد الأزمة بين قادة الجيش والعديد من البعثات الأجنبية.

وعبرت بعض البعثات الدبلوماسية عن مواقف دولها الرافضة للانقلاب وإجراءات مجلس السيادة، وانخرطت في عقد لقاءات عديدة مع قوى مدنية أثارت حفيظة المكون العسكري الذي تعامل معها على أنها رسائل دعم لما يحدث من مظاهرات في الشارع.

ولا تنفصل رؤى المكون العسكري السلبية لتحركات بعض السفارات الأجنبية عن الإطار العام الذي يرفض تدخلات البعثة الأممية ووساطتها في الأزمة السياسية وتأكيده على ضرورة أن تبقى في دور الناقل لوجهات النظر بين الأطراف المختلفة.

ويتعامل مجلس السيادة مع تحركات بعض القوى الخارجية على أنها تحمل أهدافا خفية وبغرض تطويق دور الجيش ووضع حبال سياسية حول رقبته تجعله في موقف ضعيف لصالح القوى المدنية والتنسيقيات الناشطة في الشارع السوداني.

وحذّر البرهان من اتخاذ إجراءات في مواجهة بعثات دبلوماسية اتهمها بإثارة “الفتنة والتحريض” ضد الجيش، قائلاً “نرى البعثات الدبلوماسية تتجول بكل حرية في الخرطوم، بعض البعثات الدبلوماسية تعمل على بثّ الفتن ضد الجيش ونحن لا نتركهم، ونحذرهم وسنتخذ إجراءات (لم يوضحها)”.

وقال المحلل السياسي محمد تورشين إن توتر العلاقة بين مجلس السيادة والبعثات الدبلوماسية يرجع إلى أبعاد مرتبطة برفض العديد من الدول الغربية لطلبات تقدم بها المجلس بعدم الاعتراف بالسفراء السودانيين الذين رفضوا الانقلاب على السلطة، وأن عدم الاستجابة لتلك المطالب منح فرصة للبرهان للضغط على جهات معينة تورطت بالفعل في دعم طرف على حساب آخر وأضحت مخالفة للأعراف الدبلوماسية.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن ما ذهبت إليه الخرطوم يأتي في إطار المساعي للحفاظ على سيادة السودان وأمنه القومي وفقًا لما تنص عليه مواثيق عمل السفارات والمنظمات الأجنبية ومبادئ الميثاق العالمي للأمم المتحدة التي تمنع أي دولة أو بعثة دبلوماسية من التدخل في شؤون الدول الأخرى.

وتجاوزت بعض البعثات مهامها بوجود عدد من السفراء في المظاهرات والاعتصامات التي تم تنظيمها، وأضحت تقدم أنواعا من الدعم لأحد الأطراف في الصراع ودخلت في عداء ظاهر مع المكون العسكري، ومن ثم يصعب الوثوق فيها كجهة محايدة، خاصة أن الجيش تمكن من إحكام قبضته على الأوضاع.

وتحظى تحركات مجلس السيادة برضاء شريحة كبيرة من مؤيديه ترفض التدخلات الأجنبية بوجه عام بعد أن ظلت المبادئ الأممية تُنتهك من قبل بعض القوى الكبرى في السودان، تحديدا على مستوى الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في خضم مساعي تلك الأطراف لهندسة المشهد السياسي بما يتلاءم مع مصالحها.

وأشار تورشين إلى أن تهديدات مجلس السيادة بطرد السفراء المتجاوزين لها علاقة بمساعيه لإعادة التأثير وفرض واقع جديد بالعزف على أوتار السيادة الوطنية، وهي نزعة متنامية بشكل كبير في السودان وغيره من الدول العربية والأفريقية.

ولفت إلى وجود إدراك بأن تلك التدخلات تحقق أهداف أصحابها في الحفاظ على مصالحهم، ولن تتحقق في ظل وجود سلطة عسكرية وتحاول دفع القوى المدنية التي تؤمن بشعارات الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان التي تنادي بها نحو المقدمة.

وتهيمن الصراعات الإقليمية بين الدول الأوروبية والولايات المتحدة من جانب وروسيا على الجانب الآخر على تصاعد الخلافات بين مجلس السيادة ومبعوثي بعض السفارات، حيث تسعى بعض الدول الغربية لممارسة كافة أشكال الضغط على المكون العسكري لتقديم تنازلات من شأنها عدم تمكين موسكو من تعزيز حضورها في السودان، وفي المقابل فإن قادة الجيش يمسكون بهذه الورقة لتهديد القوى الغربية.

وأكد الباحث السوداني بمركز الدراسات الدبلوماسية والاستراتيجية في باريس مدي الفاتح أن الكثير من الدبلوماسيين استغلوا حالة الهشاشة السياسية واندلاع الاحتجاجات ضد نظام البشير للتدخل بشكل فج في شؤون السودان، ومنذ ذلك الحين شوهد بعض الدبلوماسيين الأجانب وهم يقدمون الدعم ويقفون في خانة الدعوة إلى إسقاط البشير، وهو أمر غريب ومتجاوز لجميع أطر اللياقة الدبلوماسية.

وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن تدخل السفارات في شؤون السودان الداخلية أكد أن وجود تحالف قوى الحرية والتغيير في السلطة كان يستمد قوته بشكل معلن من علاقته ببعض الدبلوماسيين الأجانب، حتى قال أحدهم ذات يوم “سأخبر جميع السفارات بذلك”.

وأشار إلى أن المواطنين يدركون أن ما يجري من تدخلات لا علاقة له بدعم الديمقراطية، خاصة أنها تأتي من سفارات تابعة لدول لها تاريخ معروف في مساندة أنظمة استبدادية وبعضها أسهم في وأد تجارب ديمقراطية داخل المنطقة وخارجها.

وما يجعل هذه السفارات تمعن في تدخلها أنها تتشدق بذريعة دعم التحول الديمقراطي تحت غطاء الأمم المتحدة وتدخل بعض الدول الغربية في أدق الخصوصيات السودانية مثل قضية الدستور والقوانين المنظمة والإعداد للانتخابات.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى