هكذا أطاحَ قرار مجلس الأمن رقم 2624 بالمرجعيات الثلاث

> صلاح السقلدي

> أثاَرَ القرارُ الدولي الصادر عن مجلس الأمن يوم الاثنين الماضي تحت رقم 2624 بشأن اليمن حالة من الجدل السياسي والإعلامي واسع النطاق، ليس فقط باليمن ولكن على المستوى الإقليمي والدولي. فعلى المستوى الدولي اعتبر دبلوماسي في مجلس الأمن أن الإمارات قد عقدت صفقة مع ما أسماه بالشيطان. وقال آخر بلغة حادة: القرار أتى كنتيجة مقايضة (.....) بين الإمارات وروسيا، فالإمارات - بحسب الدبلوماسي الدولي- قد اتبعت نهجًا تجاريًا للغاية فثمة قدر كبير من خيبة الأمل، آمل أن يعودوا الآن إلى نهج يستند إلى المبادئ على نحو أكبر). وردًا على هذا الاتهام، قال متحدث باسم بعثة الإمارات لدى الأمم المتحدة إن بلاده لا تشارك في تجارة الأصوات أبدًا. من جانبه سَخِرَ سفيرُ روسيا لدى الأمم المتحدة من مزاعم دعم بلاده لقرار إدراج الحوثيين على القائمة السوداء التي تبنته الإمارات مقابل امتناع هذه الأخيرة عن التصويت لإدانة روسيا بحربها في أوكرانيا، قائلا: (نحن لا نفعل شيئًا بالمقايضة مثل بعض زملائنا في مجلس الأمن، الذين يعمدون إلى جانب المقايضة - دون أي خجل).

وعلى المستوى المحلي تباينت الآراء حول القرار، بين مادح وقادح، ومؤيد ومتوجس. فالحوثيون الذين فاجأهم القرار- ليس بسبب مضمونه الذي وسّعَ من دائرة حظر السلاح عليهم واعتبرهم في بعض فقراته حركة إرهابية - بل بسبب الموقف الروسي الصادم لهم، والذي أيّدَ القرار، ولم يعترض عليه أو حتى يتحفّظ كما كان يتوقع الحوثيون، وكما درجَتْ العادة من الموقف الروسي حيال الأزمة اليمنية، فقد قلّل الحوثيون كعادتهم من أهمية هذا القرار الذي صاغَ مسودته الإمارات بمشاركة بريطانية، معتبرين إياه غير ذي جدوى، طالما وهو لم يشر إلى السلاح الذي يتلقاه التحالف من الغرب ويستخدمه بالعدوان على اليمن - بحسب الحوثيين- وأن مجلس الأمن قد صار أداة طيعة بيد القوى المستكبرة على حساب الشعوب المستضعفة.

السُلطة اليمنية المعترف بها والمسماة بالشرعية سارعت بالترحيب بالقرار من الوهلة الأولى باعتباره يلبي طلبها الذي طالما طالبت به المجتمع الدولي بتصنيف الحوثيين بالحركة الإرهابية، فهذه الخطوة وفقًا للشرعية تترجم موقف مجلس الأمن من الحوثيين وستقوض من قدرات الحوثيين عسكريًا ومن النفوذ الإيراني باليمن، ويحد من عملية تهريب السلاح عبر الحدود. ولكنها أي الشرعية وعبر تغريدات وتصريحات لعدد من أنصارها ما لبثت أن خفّفّتْ من ابتهاجها به، بعد أن أدركت أن ثمة نقاط قد وضعت في ثنايا القرار بخُبث سياسي إماراتي- كما وصفها أحدهم مُلمّحًا لما يسمى بالأطماع الإماراتية باليمن - نقاط تستهدف رمزية شرعيتها وحجمها السياسي وتنال من وحدة اليمن ومن نظامه الجمهوري لحساب قوى أخرى تناصبها العداء، مثل المجلس الانتقالي الجنوبي والحوثيين.

المجلس الانتقالي الجنوبي هو الآخر وعلى عجلِ وقبل أن يتفحص بنود القرار وديباجته سارَعَ بالترحيب به، وبالذات بجزئية إدراج الحوثيين بقائمة الإرهاب، مطالبًا أعضاء مجلس الأمن الاضطلاع بتنفيذه، فمن من شأن القرار أن يُسهّل المهمة قانونيًا أمام المجتمع الدولي بتتبع القيادات الحوثية التي تتنقل بحُرية بالخارج تحت غطاء حقوقي، والقبض عليها وتسليمها للعدالة الدولية إنفاذا لهذا القرار الدولي المُلزم للجميع.

وبين هذا وذاك، وعلى الرغم من أن القرار وبشكل مثير للاستغراب لم يتطرق لموضوع القيادات الجنوبية المُعتقلة في صنعاء وبضرورة إطلاق سراحها ولم يشر إلى الهجمات الجوية وأضرارها الجسيمة على المدنيين بالشمال، فقد حمَلَ بالإضافة إلى تصنيف الحوثيين كحركة إرهابية (سنتعرض لها في مقالة قادمة إن شاء الله وكيف أن ثمة تناقضات صارخة قد وقع بها القرار بشأن تصنيف الحوثيين) حمَل عدة نقاط أخرى نزعم أنها غاية بالأهمية لجميع القوى- شمالية وجنوبية- على السواء، سنتوقف هنا عند نقطة تصور القرار للحل السياسي القادم للازمة اليمنية، وهي النقطة التي نرى أنها تمثل تحولًا جوهريًا للأمم المتحدة بشأن المستقبل السياسي لليمن، والانتقال السياسي للوضع النهائي للحل بعيدًا عن تصورات الحلول السياسية الجاهزة، وبعيدًا عن الشروط المسبقة، أو ما ظل يُعرف بالثوابت الوطنية ومرجعيات الحلول الثلاث التي تضعها عادة الشرعية أو بالأحرى حزب الإصلاح والفئة الجنوبية النفعية المحيطة بالرئيس هادي، وتُفِشلُ باسمها كل الجهود المحلية والدولية الرامية لوقف الحرب والشروع بتسوية سياسية مُرّضية وعادلة لكل الأزمات والقضايا دون وصاية وشروط أحد على أحد.

فقد أورد القرار بهذا الشأن هذه العبارة التي نرى أنها بيت القصيد بهذا القرار، خصوصًا بما يتعلق بطبيعة الحل السياسي للأزمة اليمنية والقضية الجنوبية: (.. ضرورة التنفيذ الكامل وفي الوقت المناسب لعملية الانتقال السياسي عقب مؤتمر الحوار الوطني الشامل، بما يتماشى مع مبادرة مجلس التعاون الخليجي وآلية التنفيذ، ووفقًا لقراراته السابقة ذات الصلة، وفيما يتعلق بتوقعات الشعب اليمني، والذي سيتطلب من جميع الأطراف إنهاء الصراع واختيار مستقبل اليمن عبر عملية سياسية تشمل وتلبي التطلعات المشروعة لجميع الأطراف اليمنية المتعددة والمتنوعة.. ويؤكد القرار أنه لا يوجد حل عسكري للصراع الحالي، وأن السبيل الوحيد القابل للتطبيق هو الحوار والمصالحة بين الأطراف المتعددة والمتنوعة بما في ذلك على سبيل المثال لا الحصر الحكومة اليمنية والحوثيين، الأطراف السياسية والإقليمية الرئيسة في اليمن، والمرأة والشباب والمجتمع المدني.) انتهى الاقتباس.

فهذه العبارة تتحدث بوضوح لا لبس فيه أن القوى المناط بها الحل في قادم الأيام لن يكون مقتصرًا على طرفي الحرب الرئيسين: الشرعية والحوثيين فحسب، بل بقوى أخرى لها حضورها الشعبي والسياسي والاجتماعي والأمني بالساحة في الشمال والجنوب، كما يشير القرار بهذه الفقرة صراحة بأن الحل السياسي وشكل الدولة القادمة أكانت دولة يمن واحدة أم دولتين أم فيدرالية أو كونفدرالية أو ما أشبه ذلك لم يُحدد بعد كما يعتقد البعض، لا في جوهره ولا حتى في ملامحه، ويظل متروكًا لمشاورات ومفاوضات قوى فاعلة متعددة بالساحة، منها بالإضافة إلى الشرعية والحوثيين، المجلس الانتقالي الجنوبي وباقي القوى الجنوبية المناصرة حقًا للقضية الجنوبية وكل القوى الحراكية غير المستنسخة، والمرأة والشباب شمالًا وجنوبًا والمجتمع المدني، بل وبشراكة فاعلة لدول إقليمية - كما ورد في نص هذا القرار - وهي إشارة للدور الإماراتي والسعودي.

بمعنى أوضح فالدولة المقترحة بحوار صنعاء عام 2014م (دولة اتحادية من ستة أقاليم التي يرفضها الجنوبيون وجزء من الشماليين) والتي يصر البعض على فرضها عنوة على بقية القوى لم تعد مطروحة بشكلها السابق، وأن ما تبقى منها يجب أن يكون متماشًيا مع المبادرة الخليجية بحسب هذا القرار. وهذه المرة يأتي نسف هذه المسماة بالمرجعية أعني (حوار صنعاء 2014م) بقرار دولي مُلزِم وليس فقط عبر إحاطة لمبعوث أممي أو بتصريح لسفير أوربي يتحدث عن ضرورة استصدار قرارات أممية جديدة تتسق مع متغيرات اليوم، أو عبر بيان رفض من المجلس الانتقالي وقوى الحراك الجنوبي. فلطالما استقوت أحزاب السلطة المسماة بالشرعية ومعها بعض القوى النفعية بقرارات دولية، واستمدت منها شرعية ما تُزعِم من حلول ومن مرجعيات مثل القرار 2216، فها هي اليوم مرغمة ومن نفس منطقها أن تنصاع لقرار أممي جديد يجُبُّ ما قبله من قرارات ويلغي ما سبقه من تصورات، يتحدث صراحة أن مستقبل اليمن شمالًا وجنوبًا لا يزال حتى اللحظة مرهونًا بحوار مستقبلي قادم تضطلع به القوى الفاعلة محليًا وإقليميًا بعيدًا عن حلول جاهزة مفروضة من طرف بعينه، ومرجعيات منقرضة عفا عليها الزمن وتجاوزها واقع اليوم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى