إلى أين يا مدينة البحار والسحر؟

> اكتسحوا حياتنا وأحلامنا البسيطة التي عشناها ورسمناها في الأيام الخوالي..

اعتقلوا الإنسان والمدينة وهوائها وأرستقراطيتها وثوبها الوردي الأنيق..

اعتقلوا عقلها وخصوصيتها وجردوها من كل شيء..

غيروا كل شيء..

خطوط السير.. وإلقاء السلام..

ومواعيد العشق والشغف.. وحتى نومنا ونهوضنا حينما كنا ننهض في صباح منعش نظيف تسطع بين جناحيه همم وعزم وإصرار والانطلاق إلى أعمالنا ومصانعنا ومدارسنا كحمامات بيضاء للسلام ومدينة منضبطة ونظام وسكينة...

غيروا فينا أهازيج الأعراس ولقاءات المحبة حين نقشناها في عاداتنا وصحبة وضيوف وطبل وأغاني وزفة ونسوة تسترق النظر من أعلى رفوف الحارة..

أضافوا إلى أعراس مدينتنا رصاصات وبنادق وجماعات تسرح وتمرح ليلًا كوحوش ضالة، وضجيج وهوس وسيارات وأطقم وخاتمتها ألم وبكاء ودموع ونعوش بسبب رصاص أصاب الحاضرين والمارين..

غيروا كل شيء.. مواقيتنا

ووجباتنا اليومية حيث كنا نجتمع في مساء قمري يسامرنا وحبات الضوء تتسع وتصافح كل أرجاء منازلنا، ومياه خليج الفيل تحكي حكاية مدينة متفردة في كل شيء.

من أعلى بلكونات منازلنا كنا نطل على حارتنا ونشاهد أهلنا ورائحة عطورنا..

وفتية عابرون يضحكون ويستأنسون..

ونسوة يدخلن باب الجيران

ومجتمع ملائكي يحوي شوارع مدينتنا ومقاهيها وزواياها وأركانها وسواحلها وساحات مساجدها كفروض يومية تزاورنا ونزورها..

من أعلى النافذة المطلة على مساجدنا نشاهد رجلًا مسنًا صالحًا معتكفًا يقرأ القرآن ويديه إلى السماء يبتهل إلى الرحمن أن يحفظ هذه الأرض وأهلها ويبارك لها بالصحة والستر والسلام..

وحفيدته الجميلة تحتضنه ويديها فوق رقبته تقبله تارة وتارة تطل بوجهها الملائكي من على جانبيه تضحك وتقول له هااااي جدو أني هنا ثم تركض للجانب الآخر من المسجد..

غيروا حياتنا في كل شيء..

في تلك الجولة تنتظر طالبات جامعيات يردن الذهاب لكلياتهن..

وبسرعة يلتف حولهنّ شباب وباصات ومهرجون يدعوهن إلى حافلتهم.. معلا.. تواهي.. كريتر.. خور وكأن الناس لا يعرفون كيف يذهبون إلى أعمالهم ومؤسساتهم وغاياتهم..

تشعر الفتيات بالضيق والحرج والخوف وكأنهنّ عرضة للاختطاف، خاصة وقد التفت الباصات والسائقون والمروجون وشكلوا حلقة دائرية حول الفتيات..

مدينة منهكة جدًا تتأرجح.. أناس هنا وهناك وضجيج ونقاط تفتيش بالعشرات وقيادات عسكرية ومواكب وتفحيط ومدافع موجهة نحو كل العابرين..

وطوابير للوقود والغاز وطرقات يتوسطها أطفال وطفلات وعائلات ونازحون وفقراء يستجدون للحصول على المال..

في كل مكان وجوه متعبة وقلوب منكسرة تهيم بعيدًا تفكر في توفير وجبة غذائية أو أجرة باص أو دبة غاز وعيون حمراء من شدة الإعياء والسهر ونظرات حائرة وشاردة ترقب هذا النمط الجديد من الحياة ومدينة جريحة تم كسر عنقها تترنح لا تعرف إلى أين تتجه..

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى