​الرائد الطوسلي المناضل الخالد

>
​يرحل المناضلون قبل الأوان وفي اللحظات التي تتشكل بها معالم الطريق إلى الوطن القادم الذي حملوه في أصعب الظروف ومضوا في دربه الوعر نضالًا وكفاحًا، دفاعًا عنه وعن حياضه وحريته الغالية، يرحلون بصمت النجوم التي تمارس إشعاعها حتى المطاف الأخير وهي تنير في مسارها الطريق قبل أن تتوارى عن الأعين، لكنها ترسم لنفسها مجدًا وذكرى في القلوب والضمائر لتظل خالدة مخلدة لا يطالها النسيان، وفي أشد اللحظات التي يمثل رحيلها خسارة لا تقاس بالأيام ولا تعوضها السنين.

رحل الفقيد رائد الطوسلي وهو في قمة عطائه الثوري والوطني، وأن رحيله مصاب جلل، وخسارة فادحة ليس على أهله فقط ولكنها خسارة وطنية مُنِيَ بها الجنوب لواحد من أبنائه الذين خرجوا منذ وقت مبكر ضد الطغيان والاستبداد والاحتلال، وكان من القيادات الثورية التي قادت الجماهير في محافظة شبوة إبان ثورة الحراك السلمي الجنوبي، ولعب أدوارًا مشهودة في تنظيم وتفعيل الفعل الثوري في ساحات وميادين شبوة في وجه وغطرسة الأجهزة الأمنية والعسكرية لسلطة يوليو الأسود، وتعرض بسبب مواقفه للاعتقالات والمطاردة والإقصاء مثله مثل الغالبية من أبناء الجنوب الذين رمت بهم السلطة في قارعة الطريق، وسلبت حقوقهم ومارست ضدهم شتى صنوف القهر والظلم.

كان الفقيد الطوسلي أحد الرموز التي عبرت بكل قناعة عن خيارها الرافض لكل سياسات وأساليب وفساد السلطة الحاكمة، وهي القناعات القائمة على مبدئية الرفض الكلي لتلك السلطة الحاكمة ولكل ممارساتها في الجنوب، ولكل العنجهية التي أدارت بها البلاد، الرفض للنهب والسطو والفيد ونسف معالم دولة الجنوب الذي طال تغيير أسماء الشوارع والمدارس والمنشئات والملاعب، وهدم أواصر الدولة وعراها وتزوير الوعي القيمي والأخلاقي والتنكر للشراكة القائمة على الندية بهدف الضم والإلحاق والطمس، في أكبر مغالطة للتاريخ والحقيقة.

كان الفقيد رائد الطوسلي شجاعًا في مواقفه وتجلى ذلك في انخراطه بصفوف المقاومة للدفاع عن شبوة في حرب الغزو الثانية التي خيضت ضد الجنوب في العام 2015 من قبل مليشيات الحوثي صالح، وقاد مع بقية رفاقه عمليات المواجهة والتصدي في متارس الشرف والبطولة حتى تحرير شبوة، ثم عهد إليه قيادة الإدارة المحلية للمجلس الانتقالي في محافظة شبوة نظير أدواره البطولية وقناعاته الراسخة بحق الجنوب بتقرير مصيره واستعادة دولته، كما واكبت الفقيد قدرته ليس على خوض غمار العمل الثوري والسياسي فحسب ولكنه أيضًا إداريًا ناجحًا حقق الكثير من الإنجازات الوطنية كمدير عام لمديرية دار سعد في العاصمة عدن، وعلى الرغم من قصر الفترة التي قضاها في تحمل المسؤولية إلا أنه كان مثالًا للنزاهة ونظافة اليد، مسكونًا بهموم الناس وقضاياهم.

إن الخسارة لفادحة برحيل المناضل رائد الضباب الطوسلي.. لكنها أقدار الله، وأن الوفاء يكمن بالسير على ما سار عليه وتمثل مبادئه وصفاته وأخلاقياته في مسارات الكفاح الوطني حتى الانتصار.
المجد والخلود لروحه الطاهرة إنا لله وإنا إليه راجعون

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى