آباء زرعوا القسوة فحصدوا جفاء الأبناء

> القاهرة "الأيام" العرب

>
​يجمع خبراء علم النفس على أن علاقة الآباء بالأبناء عند الكبر هي حصاد تربيتهم لهم في الصغر، وأن من يزرع القسوة يحصد الجفاء، مشيرين إلى أن كثرة الأذى تنقلب إلى كراهية وتحرم الآباء من البرّ بهم في أرذل العمر.

يعمد بعض الآباء إلى استعمال القسوة في تربية أبنائهم بغاية إصلاحهم أو تقويمهم، دون أن يدركوا أن ذلك قد يسبب فجوة بينهم عند الكبر.

ويظن الأبناء أنهم يربون أبناءهم على الخشونة من خلال هذه الأفعال، لكنهم لا يدركون أن ذلك قد ينقلب عليهم بالسوء.

وغالبا ما تهمش الأم تأثير سلوكياتها على بناء الطفل النفسي، فينشأ غير واثق في نفسه، أو ناقما في وقت ما من عمره على ما تلقاه من سلوكيات تربوية تركت أثرها النفسي مدفونا في أعماقه.

وقال أحمد فرينة، الباحث الفلسطيني في علم التربية والنفس، “تبدأ سلوكيات الأم السّامة عند عدم قبولها الدائم لما يقدمه الأبناء من مجهودات وطاقات لقاء رضاها، ثم تتطور الأمور بشعور أبنائها بعقدة الذنب لعدم قدرتهم على استجلاب رضاها”.

وهذا التصرف يجعل من الابن أسيرا لمعايير مثالية لا يمكن تحصيلها، طبعا هذا فضلا عن ممارستها أسلوب السيطرة بالاعتداء على حريتهم في اتخاذ القرار الملائم.

ويرى خبراء علم النفس أن القسوة والضرب أكثر إيلاما للأطفال من التمييز، فكثرة الضرب والأذى تنقلب إلى كراهية وبغض في قلوب الأبناء، خصوصا أن الأولاد لم تتولد لديهم بعد مفاهيم حكمة الأشياء والأفعال. فهم يقيمونها من جهتهم فحسب، فيكرهون آباءهم بسبب الضرب، وربما يتسبب الضرب القاسي في الأذى الذي لا ينسى رغم مرور الزمن.

وقالت الدكتورة سوسن فايد، أستاذة علم النفس الاجتماعي، إن القضية قائمة ولكنها ليست منتشرة، مشيرة إلى أن الجفاء والعداء بين الأبناء إنما هما نتيجة للتنشئة التى يصل فيها الأمر إلى حد التفضيل، وبالتالي تظهر الغيرة نتيجة عدم العدل في المعاملة.

وأضافت أن الآباء والأمهات لا ينتبهون إلى تفضيلهم لبعض أبنائهم على حساب الآخر، وهو أمر خطير، فهذه بداية المشكلة، وفي حالة وفاة الأب وغياب القيم والمبادئ الإنسانية يبدأ التصارع على المادة، فهي المسيطر وليس مشاعر الأخوة والأسرة.

وأكدت فايد أن بداية الصراع بين الأبناء يجلب الأنانية في التعامل، وقد يخسر بعضهم البعض لأن نقاط التلاقي لم تتواجد، ولم تهدأ النفوس حتى ولو بتدخل الأقارب أو ذوي العقل والحكمة حتى لا تتشتت الأسرة.

ويرى الدكتور عادل رضوان، أستاذ مساعد بكلية التربية بجامعة الأزهر، أن هناك عوامل تؤثر على العلاقات الأسرية وتصيبها بالجفاء، منها السلطة الأبوية وهي اتباع الأسلوب التسلطي في التربية وعدم إتاحة الفرصة للأبناء للمشاركة في اتخاذ القرارت الخاصة بحياتهم، وكذلك انتشار القيم المادية نتيجة تبني بعض المجتمعات العربية للفكر الغربي، باعتباره هو النموذج الأمثل للحياة بكل ما فيه من سلبيات وطبيعة حياة لا تتناسب والفكر الشرقي وثقافته.

وقال رضوان “هناك عنصر ثالث وهو الخلل والتفكك الأسري الذي يظهر جليا في الخلافات الزوجية التي تصل إلى المحاكم والنزاعات الزوجية، وتؤثر نفسيا واجتماعيا على نفوس الأبناء”.

وأضاف “كما أن الأمر الأكثر خطورة والذي يزيد من التوترات ويؤثر على علاقة الأبناء ببعضهم وبآبائهم وأمهاتهم، أن هناك من الأزواج والزوجات من يقوم بتشويه صورة الشريك أمام الأبناء لنيل عاطفتهم وكسب مشاعرهم، وهو ما يؤدي إلى تمركز الأبناء حول الذات وعدم الثقة في الآخرين، حيث تبدأ مشاعر العنف والغضب في التعامل من وقت إلى آخر.

ويرجع خبراء علم الاجتماع جفاء الأبناء تجاه آبائهم إلى الآباء أنفسهم، نتيجة القسوة.

ويرى بعضهم أن القسوة ليست قسوة التربية ولا قسوة النصيحة، لكنها قسوة قلوب الآباء تجاه أبنائهم، وأن الآباء لم يعلموا أبناءهم معنى الحب، ولا كيف يترجمون مشاعرهم إلى حب وعاطفة.

وأكد الخبراء أن الآباء يمكن أن يكونوا محبين لأبنائهم فعلا، ولكن أحاسيسهم ليست مترجمة وغير مفهومة للأبناء. وأن الانشغال عن الأبناء وعدم مشاركتهم تفاهاتهم ولعبهم وضحكهم وحزنهم سبب في الجفاء.

وتتملك الكثير من الآباء والأمهات الحيرة بسبب التطورات السلبية لعلاقتهم مع أبنائهم، وتتكرر شكواهم من عدم طاعة أبنائهم لهم أو عنادهم، وتصرفاتهم العدائية تجاههم وسلوكياتهم الغريبة وتصرفاتهم الحادة.

وفي الغالب توجد عدة مراحل لحدوث النفور بين الأبناء وآبائهم، ولكن لا يشترط أن يبدأ كل الآباء من نفس المرحلة، وكذلك لا يشترط أن يتفقوا على مرحلة معينة للانتهاء عندها، فالأمر يختلف من شخص إلى آخر، وبحسب طبيعة العلاقة والثقافة السائدة داخل الأسرة أو المجتمع بشكل عام.

وبعد تكرار الصدمات والمواقف التي تؤكد للأب نفور الابن منه ، يبدأ الأب في الخروج من دائرة الإنكار والصدمة، ويظهر غضبه تجاه تصرفات ابنه، وتبدأ حدة العلاقة بينهما تزداد تدريجيا، وغالبا ما تنتهي هذه المرحلة باليأس من الابن وفقدان الأمل في إصلاح ما فسد في العلاقة.

ويبدأ الأب بعدما وضحت ملامح العلاقة بينه وبين ابنه بمساومة الابن على تلبية طلباته واحتياجاته مقابل تقديم الطاعة والانصياع للأوامر وتنفيذها، وربما يحدث أن الابن هو الذي يساوم والده على الطاعة، وأيا كان الطرف الذي يقدم المساومة ففي النهاية غالبا ما تنتهي تلك المرحلة أيضا بالفشل وزيادة الخلافات بين الطرفين، ويعود الأب إلى الشعور باليأس من جديد.

وبعدما بات الوضع بين الأب وابنه أمرا واقعا لا بد منه ولا مفر، يلجأ الأب إلى الاعتراف وقبول ما وصلت إليه الأمور، ولكن يلجأ الكثير من الآباء إلى محاولة تغيير هذا الوضع، فغالبا ما تنتهي تلك المرحلة بالرغبة في البحث عن مخرج آمن من تلك الأزمة، ورغبة حقيقية في الإصلاح والتغيير.

وهنا يبحث الأب ويبذل ما في وسعه لمعرفة الأسباب وكيف يمكن أن يتعامل مع تلك الأزمة حتى لا تتفاقم ويستحيل حلها، بعدما أتعبه طول الشقاق والخلاف بينه وبين ابنه، ويسعى جديا لاحتضانه من جديد وتقليص المسافات بينهما.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى