من معارك المسلمين.. معركة الرحيبة

>
ظلَّ الجبل الأخضر في ليبيا معقلًا للمجاهدين، حيث توفَّرت فيه شروط مناسبةٌ لإيواء المجاهدين وتخفيهم عن جنود الاحتلال، فكانوا يشنُّون الغارات ثم يعودون إلى الاختفاء في الجبل الأخضر، وهذا الجبل مرتفع كبير ممتد ما بين برقة وبنغازي بسفوحه الشمالية، وكان دخول هذا المعقل بالنسبة للإيطاليين حلمًا يتمنَّون تحقيقه مهما بذلوا من ضحايا، لأن سقوطَه يعني استسلام المجاهدين والقضاء على كل عمل حربي ضد الطليان، وبالتالي سيَنعم المحتلُّون بالهدوء والاستقرار، ورسم الجنرال غرازياني خطة لمفاجأة المجاهدين في عقر دارهم والقضاء عليهم، فحشد تحت قيادة المجير (باسي) أكثر من ثمانمائة جندي واثني عشر ضابطًا، وتسلَّل هؤلاء ليلًا لمباغتة المجاهدين، لكن عمر المختار ومَن كانوا معه من الفرسان الأشداء تصدوا لهذه الحملة وباغتوها قبل أن تُباغتهم، وقاموا بحركة التفات ذكية حول هذه القوة المدعَّمة بالآليات والمدافع الرشاشة، ودارت رحى معركة حامية، فما أغنى عنهم تفوقُهم العددي وكثرة أسلحتهم وذخائرهم، فاختلت صفوفُهم، ودبَّ اليأس في قلوبهم بعد أن كثرت الخسائر في صفوفهم، ثم حدث التحام بالسلاح الأبيض، فقُتل من الإيطاليين عددٌ كبير، وحاول آخرون الفرار والنجاة بأرواحهم، فلم يُفلِحوا لعدم معرفتِهم بمسالك الجبل الأخضر، فسرعان ما كانوا يقعون في كمائن المجاهدين، وهكذا زادت الخسائر، ففرّ (باسي) مع مَن تبقى مِن جنوده تاركين قتلاهم وأسلحتهم وذخائرهم في أرض المعركة، فكان عدد القتلى 350 قتيلًا، منهم ستة ضباط. وقد قامت هذه المعركة في 29 مارس 1927م.


 وتُعَد معركة الرحيبة واحدةً من أشهر معارك عمر المختار ضد الإيطاليين، وقامت على إثرها معركة أم الشافتير.

معركة أم الشافتير
كانت القوَّات الإيطاليَّة عظيمة العدد والعِتاد، فضمَّت فرق نظاميَّة إيطاليَّة وإريتريَّة وليبيَّة محليَّة، بالإضافة لبضعة فرق غير نظاميَّة من مرتزقة ليبيّون وأفارقة، وعدَّة دبَّابات وسيَّارات مصفحة وفرق هجَّانة وبطاريَّات مدفعيَّة، ويُضاف إلى تلك الاستعدادت سلاح الطيران الذي انطلق من قواعده بالمرج ومراوه وسلنطة، بالمُقابل، تراوح عدد المجاهدين ما بين 1500 إلى 2000 مجاهد، 25% منهم تقريبًا من سلاح الفرسان، ويرافقهم حوالي 12 ألف جمل. علمت إيطاليا بواسطة جواسيسها بموقع المجاهدين في عقيرة أم الشفاتير فأرادت أن تحكم الطوق عليهم، فزحفت القوّات الإيطالية نحو العقيرة بعد مسيرة دامت يومين كاملين واستطاعت أن تضرب حصارًا حول المختار ورجاله من ثلاث جهات، وبقوّات جرّارة تكوّنت من حوالي 2000 بغل و5000 جندي، و1000 جمل بالإضافة إلى السيّارات المُصفّحة والناقلة. ولمَّا علم المختار بما يخططه الطليان، شرع يعد العدّة مع باقي قادة الجهاد لمُلاقاة العدو، فأعدوا خطة حربيَّة وقاموا بحفر خنادق ليستتر بها المجاهدون وخنادق أخرى لتحتمي بها الأسر من نساء وأطفال وشيوخ، وتمَّ ترتيب المجاهدين على شكل مجموعات حسب انتمائهم القبلي ووضعت أسر كل قبيلة خلف رجالها المقاتلين، وكان قائد تلك المعركة الشيخ حسين الجويفي البرعصي، أمَّا عمر المختار فقاتل إلى جانب المقاتلين الآخرين من غير أصحاب الرتب، ولم يطل الأمر حتى اشتبك المجاهدون مع الطليان في معركة حامية الوطيس، وسقط من الليبيّون الكثير من الرجال، وحتى النساء والأطفال، بعد أن قصفت الطائرات الفاشيَّة أماكن تمركزهم، لكنَّ المختار والباقون تمكنوا من دحر الإيطاليين وأجبروهم على التقهقر والانسحاب مرة أخرى. بلغ عدد القتلى الليبيين 200 شخص، كان من بينهم والد زوجة عمر المختار الذي بكاءه بكاءً حارًا، .بعد انتهاء المعركة، أصبحت القوَّات الإيطاليَّة منهوكة القوى مُصابة بالإعياء من شدة المعارك المستمرة منذ فترة طويلة دون توقف، وكشفت المعركة لعمر المختار عن ملامح السياسة الفاشسيَّة الجديدة وهي الإبادة والتدمير للمصالح والرجال على حدٍ سواء، فاتخذ إجراءات ترحيل النساء والأطفال والشيوخ إلى السلّوم لحمايتهم من الغارات الجويَّة الإيطاليَّة، وتيسيرًا لسهولة تحرّك المجاهدين وفق ما يتطلبه الموقف الجديد. كما أعاد تنظيم المجاهدين على هيئة فرق صغيرة تلتحم مع العدو عند الضرورة، وتشغله في أغلب الأوقات مما يُقلل من نسبة الخسائر المحليَّة أثناء المعارك ويُلحق الخسائر الفادحة بالأعداء وفق التكتيك الجديد لحرب العصابات، ألا وهو الهجوم في الوقت المناسب والانسحاب عند الضرروة.

وأصبح عمر المختار أيقونة لكفاح الشعب الليبي ضد الاستعمار الإيطالي، وتم تصوير فلم سينمائي يحمل اسمه أخرجه المخرج العربي العالمي مصطفى العقاد، وجسد شخصية عمر المختار الممثل العالمي انتوني كوين، وفي الفلم شخصيات أخرى حقيقية مثل شخصية المرأة الليبية التي زغردت عندما شنق عمر المختار، وهي الليبية فاطمة صالح لبعج الثقيفي والتي جسدت دورها في الفلم الممثلة اليونانية (ايرين باباس).

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى