​قصص من التاريخ

> قضية سمرقند

الحلقة الرابعة

صلى؟! وكيف يصلي وهو على دين سمرقند، ذلك الدّين الذي لا يعرف منه إلا هذا المعبد المملوء بالأسرار، وتلك «الآلهة ...» المخيفة ذات الوجه البشع المرعب. وجعل يفكر: "أين هذا المعبد من معبده المختبئ في بطن الصخر، وأين هذا النور وهذا الجمال من تلك الظلمة وذلك القبح؟ ". وشك - لأول مرة في عمره - في دينه الذي نشأ عليه!

وأعاد الرجل سؤاله، فقال: لا؛ لم أصلِّ، ولا أعرف ما الصلاة.

قال: وما دينك؟، قال: أنا على دين كهنة سمرقند. قال: وما دينهم؟ قال: لا أدري؟ قال: مَن ربك؟ قال: آلهة المعبد المرعبة. قال الرجل: وهل تعطيك إن سألتها؟ وهل تشفيك إن مرضت؟ قال: لا أدري ...

ورآه الرجل ضالاً جاهلاً، فألقى في هذا القلب الخالي أصول الدين الحق بوضوحها واختصارها وجمالها؛ فلم تكن إلا ساعة حتى صار رسول كهنة سمرقند مؤمناً بالله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم، الذي جعل الله به العرب سادة الدنيا وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين.

ثم قال الرجل: قم الآن أدلّك على دار الخليفة، وإن كانت هذه هي الساعة التي يعالج شأنه فيها وشأن عياله وينفرد بنفسه.

وتبعه وهو يفكر في جمال هذا الدين وسموّه، وقد زالت الغشاوة عن عينيه فأدرك الآن سر هذه الفتوح وهذه القوة التي لم يقم لها شيء. أين هذه الديانة السافرة الواضحة التي تجعل كل واحد من أتباعها كاهناً لها ورجل دين ... من تلك الديانة المجهولة الخفية؟ أين؟!

وخرج من المسجد من باب غير الذي دخل منه، فما راعه إلا الرجل يقول له (مشيراً إلى باب من ألواح الخشب، غير مصبوغة ولا منقوشة): هذه داره.

هذه؟! أيمكن أن تكون دار الخليفة دون دور السوقة من رعيته، وقد مرَّ عليها فرأى فيها بهاءً وجلالاً؟

ونظر إلى الرجل يحسبه يسخر منه فرآه جاداً، فتركه وتقدم من الباب وهو شاك فيما قال الرجل، ونظر فرأى كهلاً قائماً يصلح بالطين جدار المنزل وامرأة تعجن ... فترك الباب ولحق بالرجل مغيظاً محنقاً فقال له: ما كان لك أن تكذب عليّ وتسخر مني، أسألك عن دار الخليفة فترشدني إلى
دار طيان؟

قال: ومن الطيّان؟ قال: صاحب الدار (ووصف له ما رأى).

قال الرجل: ويحك! هذا - والله - أمير المؤمنين الذي ليس فوقه إلا الله. وهذه المرأة ... ألا تدري من هذه المرأة؟ هذه زوجة الخليفة عمر وبنت الخليفة عبد الملك وأخت الخليفتين وليد وسليمان وأخت هشام ويزيد وسيكونان خليفتين؛ هذه أمجد امرأة في العرب. ولقد كان أمير المؤمنين أرفه الناس عيشاً وأكثرهم طيباً، ولكنه كان فيه عرق من عمر بن الخطاب فنزع به عرقه من عمر إلى ما ترى، فعُدْ إليه فاقرع بابه وانفض إليه شَكاتك ولا تخف؛ فوالله ما هو الملك المتكبر ولا الحاكم الجبار، ولكنه عبد لله متواضع هين لين، فإذا رأى الحق أمضاه فلم يقف دونه شيء، وإذا غضب لله كانت العواصف والصواعق دون غضبه قوة ونفاذاً ... فاذهب موفقاً....تتمة القصة غدا...ز

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى