فتح عمورية ومعركة الحدث

>
فتح عمورية

خرج ملك الروم توفيل بن ميخائيل بمائة ألف جندي إلى ثغور المسلمين، فأوقع فيها خسائر فادحة، وتوجَّه إلى مدينة (زبطرة) فقتَل الرجال وسبى النساء والأطفال، ثم أغار على (ملطية)، وفعل بها ما فعله بزبطرة، وزاد في غيِّه ففقأ أعين الرجال، وقطع آذانهم، وجدع أنوفهم، وعاد ظافرًا قبل أن تَصِل نجدات المسلمين، وكانت من بين السَّبْي امرأة هاشمية، فصاحت: (وامعتصماه)، فبلغ حالها المعتصمَ، فقال: لبيكِ لبيكِ، ونهض من ساعته وأعلن النفير العامَّ، وجهَّز جيشًا كأحسن ما يكون عدة وسلاحًا، واصطحب معه خيرة قادته، مثل: الأفشين واسمه (حيدر بن كاوس)، وأشناس، وإيتاخ، وجعفر بن دينار، وعجيف بن عنبسة، ولما وصل المعتصم إلى أرض الروم وزَّع جيشه إلى ثلاثة اتجاهات، وقاموا بعمليات هجومية ضد المواقع والقلاع الرومية في رمضان 223هـ، وتوغَّل الأفشين قريبًا من أنقرة، وهناك اصطدم بجيش توفيل، وصمد المسلمون، وكانت الدائرة آخر النهار على الروم، فقُتل منهم خَلْق عظيم، وتَفرَّق جند مَلِك الروم، ونجا هو بعد أن أصيب بجراح، وأرسل في البلاد يَطلُب المزيد من المدد، كما أن المعتصم علِم بمواقعة الأفشين لملك الروم من بعض الأسرى فسارع لنجدته، ثم اجتمعت الجيوش الثلاثة بعد ذلك، وقرَّروا مهاجمة

عمورية، لأهميتها عند الروم، وأطبقت عليها جيوش المعتصم في 6 رمضان، وبدأ الحصار والهجمات الليلة على المسلمين من أهل عمورية، وكان فيها من القادة (ناطس) و(وندو)، وصعب الأمر على المسلمين لحصانتها وشدة المقاومة فيها، ثم إن رجلًا من المسلمين كان قد أسره الروم بعمورية وتنصَّر، أتى المعتصم سرًّا، وأطلعه على مكانٍ في السور ضعيفٍ كان السيل قد هدمه، فأعاده الروم على وجه السرعة، وجعلوا معظمه من الخشب القوي الغليظ، فنقل المعتصم أعماله الحربية مواجهًا لهذا الموقع من السور، وأمر الحدادين ورماة السهام بأن يرموها بسهام محماة ملتهبة، فاحترقت الشرفات وسقط السور، واندفع المسلمون يقاتلون على هذا الموضع بلا هوادة ليلًا ونهارًا، وقد تقسموا على فرق حتى لا يتوقف الهجوم، والروم يحاولون سد موقع الضعف في السور فلا يستطيعون، واستمر الحال ثلاثة أيام، وفي هذا اليوم كان الدور على جيش المعتصم بقيادة إيتاخ، فَجَدَّ في دخول المدينة، واستطاع المسلمون دخول المدينة والاشتباك مع العدو داخل الأسوار، وانتقم المعتصم للمسلمين وفتحوا عمورية، وأخذ المسلمون من عمورية أموالا لا تحد وسبيا كثيرا، وأمر المعتصم بإحراق ما بقي من ذلك، وبإحراق ما هنالك من المجانيق وآلات الحرب لكي لا يتقوى بها البيزنطيون مرة أخرى، ثم انصرف المعتصم راجعا إلى ناحية طرسوس وكان مكث في عمورية بعد سقوطها 25 يومًا، وكان بين تلك الغنائم أبواب حديدية ضخمة للمدينة، نقلها المعتصم في البداية إلى سامراء، حيث تم تثبيتها على مدخل قصره. و من هناك نقلت، إلى الرقة حتى أمر سيف الدولة الحمداني بنقلها إلى باب قنسرين أحد أبواب عاصمته حلب عام 353 هـ الموافق 964 م ، وخلَّد الشاعر أبو تمام فتح عمورية في أبياته المشهورة:

السَّيفُ أَصْدقُ إنباءً مِن الكُتُبِ *** في حدِّهِ الحدُّ بينَ الجدِّ واللَّعِبِ
وفيها:

فبَيْنَ أيَّامِكَ اللَّاتِي نُصِرْتَ بَهَا *** وبينَ أيامِ بدرٍ أقربُ النَّسَبِ

معركة الحدث

تُعَد هذه المعركة من أشهر وقائع سيف الدولة الحمداني مع الروم في سنة 343هـ، فقد كانت له خلال مدة ولايته على حلب وما حولها أربعون موقعةً كبيرة، وقد سدَّ سيف الدولة هذا الثغرَ العظيم أمام قوة الروم المتزايدة ضد المسلمين، في وقت شُغل فيه بقية العالم الإسلامي من شرقه إلى غربه بفتن داخلية، وظهور دعوات باطنية كثيرة، وانحراف كبير عن منهج الإسلام، وكان مَلِك الروم الذي يسمى الدُّمُسْتُق، وهو - كما يروي ابن الأثير - لقبٌ لكل مَن حكم الولايات الروميَّة الواقعة شرق القسطنطينية.

 وكان سبب هذه المعركة أن سيف الدولة أغار على "زبطرة" و"ملطية" فقتل وسبى، ثم رجع إلى درب "موزار"، فوجد عليه قسطنطين بن الدمستق، فأوقع به وقتل صناديد رجاله، ثم عبر الفرات الأعلى، وأوغل في بلاد الروم، والتقى بجيش الدمستق، فهزَمه وقتَل رؤوس قادته، وأسر قسطنطين بن الدمستق بعد أن أصيب بجراح في وجهه.

 وهنا قوي سيف الدولة وأراد بناء قلعة عظيمة في موقع مُتقدِّم في الثغور، فاشتدَّ ذلك على مَلِك الروم، فجمع جيشًا كبيرًا من عظماء مملكته ومن البلغار والروس، وقصد الثغور بهذا الجيش الجرار، ولم يكن مع سيف الدولة سوى جيش صغير، فهاب اللقاء أولًا ثم عزم مع جنده وقادته على لقاء العدو، وصبروا في القتال وأنزل الله نصره على المسلمين، وطلب سيف الدولة الدمستق فولَّى هاربًا منكسرًا، وقُتل من الروم خلق كثير، ووقع منهم في الأسر مثلهم، وكان من جملة الأسرى صهر الدمستق وابن بنته وكثير من القادة، وبُنيت قلعة الحدث في الشمال الشرقي من حلب، وأصبحت شوكة في حلوق الروم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى