​ختائم حضرموت.. روحانية رمضان وبركة المكان

> سيئون «الأيام» خالد الكثيري:

> تنافس ولهفة لفعاليات الختم المبهجة للصغار التراثية الدينية للكبار

في سيئون حاضرة وادي حضرموت، بدأت فعاليات الختومات لشهر رمضان هذا العام، في أجواء فرائحية ونفحات التواشيح الروحانية وعبق الدخون والبخور العطرة، حيث تفترش بسطات الباعة المتجولين ساحة المسجد وتنصب المراجيح والألعاب التي يجتمع حولها الأطفال والصبية من جيران المسجد وضيوفهم من أطفال الأحياء الأخرى يتجولون وسط أجواء الفرح والابتهاجات الرمضانية.


وتقام الختائم ابتداء من الليلة السابعة لشهر رمضان، إلا أنه اعتمد بدأها في العقدين الأخيرين من خامس ليلة من ليالي الشهر الفضيل. وتنطلق من مسجد المهاجر، ومسجد الرضوان، حيث تكون قد وزعت أجزاء القرآن الكريم على القراء والقائمين على المسجد لتتم قراءتها في الأجل المناسب لليلة ختم المسجد، وهي فعاليات مكافأة الصبيان على اجتهادهم في ختم قراءة القرآن الكريم.

الحبيب محمد علي الحبشي
الحبيب محمد علي الحبشي
فضيلة الحبيب محمد بن علي الحبشي، نائب المشيخة الكبرى برباط العلم الشريف، وفي حديث لـ "الأيام"، استعرض مراسم الختم في حضرموت، وقال ان الختم هو :"مجلس يعقد عند ختم ختمة من كتاب الله سبحانه وتعالى ، بعد ان يرتب من عهد السلف الصالح ان يختموا ختمة للقرآن ، كما هو عمل النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين رضوان الله عليهم أنهم يعظمون ختمة القرآن ويشرفونها ويولونها اهتماما عظيما، عملا بقول النبي صلى الله عليه وسلم "مع كل ختمة دعوة مستجابة" وكذا عن ثابت قال: كان أنس إذا ختم القرآن جمع ولده وأهل بيته، فدعا لهم".

الروحة

وقال الحبشي، إن الختومات وهي جمع ختم، قديمة قدم المدرسة الحضرمية الشافعية، موضحا ان عصرية الختم تسمى "الروحة" ، ويجتمع خلالها جيران المسجد وعماره وشيخ المسجد وأمامه وطلاب العلم يحتفلون بختمة القرآن بدءا بقراءة كتب السلوك والتزكية والحديث والفقه ، وأبيات من قصيدة البردة للإمام البوصيري، ثم أناشيد للإمام الحداد والإمام الحبشي ويختمونها بالأدعية المأثورة عن الرسول صلى الله عليه وسلم.


وفي المساء يواصل الختم بصلاة العشاء والنوافل القبلية والبعدية وصلاة التراويح والوتر وينعقد بعدها، حيث تقرأ خلاله أواخر جزء عم من القرآن الكريم من سورة الضحى حتى سورة الناس، كما ترفع خلاله الأدعية المأثورة عن الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة وعن علماء وأئمة حضرموت ونشائد الزمزام، وهي في مديح النبي صلى الله عليه وسلم و القوافي، وهي تذكير بالموت والآخرة والتوبة والاستعداد للرحيل وهي من التراث الحضرمي هذا في سيئون، وأما في تريم يضاف إلى ما ذكر الوترية.

وأشار الحبشي، إلى أن مجلس الختم ينتقل إلى خارج المسجد وترفع خلاله اناشيد الترحيب بشهر رمضان في الختومات بأول شهر رمضان وأناشيد توديع رمضان في آخر الشهر.


فضائل

وتعد أولى مقاصد الختومات، الذكر والاقتداء بهدي النبي صلى الله عليه وسلم في تعظيم ختم  كتاب الله سبحانه وتعالى، إضافة إلى أنها مناسبة تحث على صلة الأرحام والتزاور وإدخال السرور إلى نفوس الصبيان والتوسيع عليهم وتفطير الصائم في البيوت المجاورة لمسجد الختم.

وأورد الحبشي أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم  منها  "مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ له فِي رِزْقِهِ، وأَنْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ, فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ." وكذا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من فطَّر صائماً، كان له مثلُ أجره، غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئاً"، وأشار إلى مقاصد إسعاد الأطفال وإدخال السرور والبهجة إليهم في هذه المناسبة، مستندا إلى الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم "أَفْضَلُ دِينَارٍ يُنْفِقُهُ الرَّجُلُ دِينَارٌ يُنْفِقُهُ عَلَى عِيالِهِ"، "والحديث له بقية والشاهد هنا أنه قد بدأ بالدينار الذي ينفق على الولد.


وأضاف الحبشي: "إن هذه الختومات مناسبة تحث وتجمع الناس على الدعاء وتجتمع فيها أربعة وسائل للدعاء بحسب ما ذكرها الأمام السيوطي في كتابه، سهام الإصابة في الدعوات المستجابة، وهي الوصف في الداعي وهو الصائم القائم المتهجد، وفضل الوقت وهو شهر رمضان، وشرف المكان وهو المسجد والرابع سر الدعاء وفي هذه الختومات ترفع الأدعية النبوية، والتوجه الى الله بختمة القرآن وكلها تجتمع في رمضان".
 
روحانيات

رئيس مؤسسة العطاء التنموية الاجتماعية الخيرية، الشيخ أحمد عبدالقادر علي حسان، أكد أن الروحة يحضرها جيران المسجد وطلاب العلم المتواجدين في المدينة سواء كانوا من سيئون أو من خارج سيئون وكثيرا منهم من إندونيسيا وماليزيا وسنغافورة وأفريقيا وأوروبا وغيرها من بلدان الأرض التي تبعث بأبنائها لتلقي العلم في جامعات سيئون وأربطتها ومدارسها العلمية.
الشيخ أحمد عبدالقادر حسان
الشيخ أحمد عبدالقادر حسان

واستعرض حسان، نماذج من الموشحات والابتهالات الدينية مثل نشيد "ألا يا الله بنظرة من العين الرحيمة" للإمام الحداد وقصيدة "رب اني يا ذا الصفات العلية.. قايم بالفنا أريد عطية.. تحت باب الرجا وقفت بذلي.. فاغثني بالقصد قبل المنية" للأمام علي بن محمد بن حسين الحبشي، وتهليلة الاستغفار أشهد أن لا إله إلا الله.. استغفر الله.. نسألك الجنة ونعوذ بك من النار، ثم تهليلة "اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا"  حتى يرفع آذان المغرب ويجتمع الحضور على مائدة الإفطار.


 وأضاف: "مجلس الختم  في المساء يقرأ خلاله أواخر جزء عم وفي نهاية كل سورة يرفع الحاضرين بالتكبير يتخلل ذلك تقديم القهوة ومرور مقطرة الدخون، أي "الطيب والبخور"  وفي بعض المساجد تقدم الحلوى وينشد الجمع الموشحات والابتهالات الدينية الشجية، ثم يختتم المجلس بدعاء ختم القرآن من الأدعية المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم جمع الامام علي زين العابدين"، موضحا أنه عند خروج الختم ساحة المسجد ترفع الأدعية بالفرج ورفع الغلاء والبلاء عن البلاد وعن سائر بلاد المسلمين في جميع جهات الأرض وان يرفع عن الأمة الإسلامية كل مصيبة معلومة وغير معلومة.


واستطرد، "بعض المساجد ينتقل فيها مجلس الختم إلى أمام بوابة المقبرة رافعين بالدعاء للأموات والأحياء، لاسيما المساجد التي تكون قريبة من المقابر مثل مسجد جامع سيئون ومسجد جبران ومسجد علي بن عبدالله السقاف ومسجد عبدالملك ومسجد الرياض".

فرحة

يسلم عوض حبيش
يسلم عوض حبيش
من جانبه، يسلم عوض حبيش، الشخصية الاجتماعية البارزة في سيئون، تحدث عن فرحة الأطفال المصاحبة لمراسم ختم المسجد موضحا بانها تسبقها تحضيرات تبدأ بإعداد كل طفل ما يسمى "المسقطة" أو الحصالة التي يحرص خلالها على توفير شيء من مصروفه اليومي وما يجمعه من مبالغ خلال نقله للبشارات بالمواليد الجدد أو عودة مسافر من الاغتراب وغيرها من العطايا التي يحصل عليها الطفل خلال المناسبات الاجتماعية في أشهر السنة. وتكون "المسقطة" علبة مدفونة في حوش أو على سطح منزل أسرته ، أو علبة مغلقة بحيث يتجنب فتحها حتى حلول شهر رمضان.


وقال حبيش: "المبلغ المحصل لدى الطفل في مسقطته يصرف بعضها في الختم المجاور لبيته ويصرف حصص يسيرة منها في الختومات التي يكون مدعوا رفقة أسرته للإفطار لدى الأقارب والأرحام من جيران ختومات المساجد الأخرى، ومعظم المبالغ المحصلة لدى الطفل يصرفها خلال ختم ،مسجد طه بن عمر السقاف، في ليلة سبعة وعشرين وهو أكبر ختائم سيئون وبالطبع كون المسلمين يتحرون فيها ليلة القدر".

وتابع: "كما أن الطفل يحرص في ختومات شهر رمضان التي يحضرها على جمع كل ما يشتريه من حلويات وسكاكر ومكسرات في صرة أو شنطة تسمى "المصر" ولا يأكل منها إلا الشيء اليسير، حتى ليلة سبعة وعشرين بختم ،مسجد طه بن عمر السقاف، حيث يجتمع كل الصبية والأطفال للاحتفال في هذا الختم ويعد أكبر ختومات سيئون إلى جانب ختم، مسجد جامع سيئون، وكل يفتح ما في مصره أو صرته من حلويات وسكاكر ومكسرات ويتقاسمها مع أخوته الصغار ويأكل ما يحلو له من حصيلة ختومات الشهر الكريم.


ويشير يسلم حبيش، في ختام حديثه إلى ما تسمى الترازيح، وهي فعالية خاصة بالنساء تكون مصاحبة لبعض الختومات وخاصة ختم مسجد الحبيب علي السقاف، في الليلة السابعة عشرة من شهر رمضان، تقام في المساء وتجتمع خلالها النسوة في حلقات متراصة بشكل دائري تتوسط مركزها امرأة أو بنت ترفع بالأدعية التي تبارك المواليد الجدد وزيجات الحارة في الأشهر التي سبقت حلول شهر رمضان، وهذه، الترازيح تنقلها الفتيات الصغيرات إلى جوار بيوت الزيجات والمواليد الجدد.

كمال السقاف
كمال السقاف
وقال كمال السقاف، وهو أحد رواد الختائم، إن فرحة الأطفال في هذه الختائم لا توصف وتبدو جلية على محياهم وهم يتجولون بين البسطات ويتداولون الألعاب والمراجيح البسيطة التي تنتشر في ساحة الختم، وأن هذه الأوقات التي يقضونها في الختائم تضاف إلى حصيلة أيامهم السعيدة التي يذكرونها مع ذكر أسعد أيام حياتهم.

وأضاف :"مثلنا تماما تجدنا اليوم نتذكر تلك الأيام الجميلة التي كنا نقضيها بالختائم في مرحلة طفولتنا، أود أن أشكر القائمين على هذه الختائم على مساعيهم لتوفير سبل البهجة والسرور للأطفال ومكافأة الصبية وحثهم على قراءة القرآن الكريم".



> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى