في اليمن.. المرأة تقف في الجبهة الأمامية للاستجابة الإنسانية

> «الأيام» الأمم المتحدة:

>
المرأة اليمنية هي الجندي المجهول في ظل أوضاع كانت سيئة قبل الحرب وازدادت سوءًا بعدها، هي التي ترفع مخلفات الحرب، وتوزع الغذاء على الجوعى، وتساهم في إطلاق سراح المعتقلين وإعادة المختطفين إلى أحضان أمهاتهن، هي التي تشارك في جهود إحلال السلام ومنع الحرب، وهي التي تعاني من تداعيات تغيّر المناخ أكثر من غيرها، وعلاوة على التحديات الخارجة عن نطاق السيطرة، تواجه في كثير من الأحيان رفضًا من المجتمع وإقصاء وتهميشًا.

كثيرة هي قصص النساء اللاتي يعملن من أجل إنقاذ مجتمعاتهن الغارقة في مآسي الحرب والجوع والمرض والاقتصاد المتعثر، من بينهنّ سيّدتان يمنيّتان لمع نجمهما خاصة في السنوات الأولى من الحرب. وهما ارتفاع القُباطي ومنى لقمان.

منى لقمان تقدم إحاطة أمام مجلس الأمن في عام 2019
منى لقمان تقدم إحاطة أمام مجلس الأمن في عام 2019

"عملاقة تعز"

المهندسة ارتفاع القُباطي – أو كما يسمّيها البعض "عملاقة تعزّ" - هي أول امرأة ترفع مخلفات الحرب في اليمن ومديرة مركز التوعية البيئية حاليًا، وهي سفيرة النوايا الحسنة من قبل المنظمة النرويجية للعدالة والسلام.

ارتفاع القباطي تعمل في تعز، اليمن، وتنادي بالمساواة في الحقوق مع الرجال
ارتفاع القباطي تعمل في تعز، اليمن، وتنادي بالمساواة في الحقوق مع الرجال

عندما أغلقت المؤسسات الحكومية خدماتها أمام المواطنين في بداية الحرب، كانت ارتفاع في الشارع مع عمّال النظافة الذين جمعتهم وانتقلت من حارة إلى أخرى، لتزيل القمامة ومخلفات الحرب.

تقول ارتفاع إنها توجهت إلى العمل الميداني بسبب الحرب وتدهور المجال البيئي ومن أجل إنقاذ السكان من انتشار الأمراض الناتجة عن تكدّس النفايات وغياب دور المؤسسات الحكومية:"كان البلد يعيش وضعًا توقفت فيه ميزانية الدولة لصندوق النظافة، وعمّت الحرب وعدم الاستقرار".

أسست ارتفاع منظمة "الارتفاع للبيئة والتنمية الإنسانية" ليتوسع العمل بوجود شركاء يعملون على توفير الإمكانيات اللازمة من أجل حماية البيئة".

تقول السيّدة اليمنية وهي أمّ لخمسة أطفال:"أنا أميل للعمل في مجال حماية البيئة، وأطمح إلى إيجاد توازن بيئي يجنّب اليمن كوارث تغيّر المناخ، كذلك قمت بإنشاء مراكز تدريب وتأهيل المرأة في عدة مجالات من أجل الاكتفاء الذاتي والتمكين".

إزالة مخلفات الحرب

بعد نزوح أغلب العاملين في صندوق النظافة، قامت ارتفاع بجمع معدات النظافة شبه التالفة بسبب القذائف وتشكيل فريق مصغر من عمّال النظافة.

وقالت:"جعلتُ الإدارة لتوزيع الفريق الميداني منزلي، الذي حينها ضُرب بقذائف وصاروخ ولم أنزح حتى لا أترك أبناء المدينة، فواصلت عملي في المجال البيئي رغم كل التحديات".

لكنّ رفع مخلفات الحرب عمل خطر جدًا، فهل خضعت ارتفاع وأعضاء فريقها لأي تدريب أو توفرت لهم معدّات خاصة لذلك؟، تجيب قائلة:"مخلفات الحرب هي عبارة عن الأنقاض وعبارة عن ألغام كانت كذلك مزروعة لا نعلم بها، عندما كنا نقوم برفع بعض المخلفات تفجّرت بأحد السائقين معنا، كذلك كانت هناك ألغام مزروعة في جامعة تعز، وعند عملية المسح لهذه الألغام تمت إزالتها من قبل فريق لمسح الألغام ومن ثم قمنا بعملية الرفع لهذه المخلفات وتهيئة الكلية حتى نزرع الطمأنينة في قلوب الطلاب ليعودوا لمواصلة تعليمهم".

حوربت ارتفاع من قبل بعض الذكور، وأطلِق النار على مركبتها وكانت ابنتها معها. "لم أستسلم، رغم تدهور حالتي النفسية لمدة أسبوع، لكنني عدت إلى الميدان عندما رأيت أن الكثير ينتظرني".

حاليًا الكثيرات من النساء يتخوفن من النزول إلى العمل الميداني، بحسب ما قالته لنا ارتفاع، وذلك بسبب المعارضات من المجتمع الذكوري ممن يعارضون نزول المرأة وإشرافها على فريق ذكوري وعلى معدات وسائقين، مشيرة إلى من هم متشددون دينيا ممن يمانعون نزول المرأة، "ولهذا نحن نطالب بالمساواة بين الجنسين".

مآسي في اليمن حتى قبل الحرب

ارتفاع القُباطي شاركت في فعالية أقامتها لجنة وضع المرأة في الأمم المتحدة حول المساواة بين الجنسين وتغيّر المناخ. وهي نفس الفعالية التي شاركت فيها أيضًا الناشطة منى لقمان.

والناشطة منى لقمان هي مؤسِسة ورئيسة مؤسسة الغذاء من أجل الإنسانية، وشاركت في تأسيس شبكة التضامن النسوية الأكبر في اليمن، وحاليًا هي مستشارة الجندر والشمولية في مركز جنيف لحوكمة وإصلاح قطاع الأمن (ديكاف).

أثناء الحرب في 2015، وحتى قبل ذلك في 2014، وجدت منى أن هناك الكثير من المآسي التي تحدث في اليمن، وبدأ الناس يتجهون نحو المجاعة منذ وقت مبكر على حد قولها.

"في ذلك الوقت، كنت مستشارة لمحافظ تعز، السيد شوقي أحمد هايل، وكنت أعمل في المجال المجتمعي كثيرًا، وعندما اندلعت الحرب، غادر أغلب المسؤولين والسلطة المحلية المنطقة، ولم يتبق غير النساء والشباب الذين كانوا يواجهون أزيز الرصاص والقصف والانفجارات بشجاعة لإنقاذ الأشخاص العالقين بين خطوط النار".

من هنا بدأ العمل.. وأصبحت منى ومن معها يركزون على جمع بعض التبرعات من أجل توفير المياه والمأمن، خاصة أن الكثير من الناس اضطروا للنزوح إلى العراء في مناطق خاوية وخالية من أي شيء، وحصلت على شهادة من جامعة تعز شكرًا على عملها الدؤوب.

"هكذا بدأت المبادرة، كنا نحاول جمع الشباب وحمايتهم من الدخول في المعارك، حيث كثير من الشباب أخذوا سلاحهم ولجأوا للاقتتال، نحن النساء كنا نحاول حقن الدماء وضمّهم إلى الأعمال التطوعية".

الأوجه القبيحة للحرب

تعيش منى لقمان حاليًا في القاهرة "بلدها الثاني" لكنها قبل ذلك عاشت في زمن الحرب بكل أوجهها، القبيحة والمخيفة وتهديداتها ومخاطرها.

تقول:"عشت في حصار تعز وصنعاء والجبال ونزحت في أماكن كثيرة لعدة سنوات، وبعدها وجدت أنا وأسرتي أن الأفضل أن أخرج من اليمن حتى أتمكن من مساعدة الناس بشكل أكبر، طبعًا كان هذا القرار صعبًا للغاية وخاصة أنني من الأشخاص المنخرطين في المجتمع، ولكن اضطررت لاتخاذ هذا القرار".

تمكنت منى من مساعدة آلاف الناس ووصلت حتى الآن إلى عشرات الآلاف من الأسر بالمساعدات.

 تقول منى:"في الحقيقة المرأة كانت في الجبهات الأمامية للاستجابة الإنسانية للتوعية ورأب الصدع بين المتحاربين، في اليمن لدينا الكثير من المظالم والكثير من النزاعات داخل النزاع الواحد، فهناك أيضًا نزاعات محلية حول الموارد المائية والأراضي، والنساء كان لهنّ دور في هذا الجانب في حل الكثير من القضايا وكذلك كنت واحدة من النساء اللاتي استطعن حل الكثير من القضايا المحلية".

كما ساهمت النساء في إطلاق سراح المعتقلين وإعادة المختطفين، وفي الضغط على الأمم المتحدة والجهات الدولية ومجلس الأمن من خلال الإحاطات الدورية وإطلاع المجتمع الدولي على حقيقة ما يجري على الأرض في اليمن.

دور المرأة في السلام

إضافة إلى ذلك، شاركت منى لقمان في مشاورات عمان مع المبعوث الأممي في المسار الأمني، وشاركت في المشاورات اليمنية - اليمنية في الرياض وهي عضوة لجنة الإغاثة والإنسانية في المشاورات.

لكنها تابعت تقول:"للأسف، نجد أن الحكومة لا تشرك النساء وجولات المفاوضات التابعة للأمم المتحدة لا تشرك النساء بشكل كبير، سوى بالمشاركات العادية لكن ليس على طاولة المفاوضات" .

النساء يتأثرن بتغيّر المناخ أكثر من غيرهن

ترى ارتفاع أنه بسبب تغيّر المناخ تتحمّل المرأة العبء الأكبر، فهي التي تذهب لجلب المياه من أماكن بعيدة وخطرة، والمرأة هي الأكثر التزامًا في منزلها وتعاني من تداعيات تغيّر المناخ وتلوّث الهواء بسبب المخلفات الطبية وقرب المنازل من مكبات النفايات كون المدينة محاصرة، فكثير من الأمراض انتشرت بين النساء والأطفال.

وقالت:"حاليًا، توقفت فتيات كثيرة عن التعليم بسبب تغير المناخ والجفاف وشح المياه وتلوث المياه في تعز".

وحذرت من كارثة بيئية تصيب الكثير من السكان، فالمصدر الوحيد للمياه التي تأتي من منطقة الضباب تلوث بسبب المخلفات الطبية والمخلفات العامة القريبة من هذه المياه وتسرب التلوث إلى المياه الجوفية.

وقالت:"نحن الآن لا نطمح للكماليات، نريد الأساسيات، نريد أن نعيش بأمان بيئي، بنسبة ولو حتى 30 في المائة. حاليًا لا يصلح العيش بمدينة محاصرة بالتلوث البيئي لا تستطيع جلب المياه أو شرب مياه نقية صافية، أو استنشاق هواء صافٍ، بل هو ملوث بالجراثيم والميكروبات الناتجة عن إحراق وتفاعل هذه المخلفات بين السكان".

الكثير من السكان نزحوا وتركوا منازلهم بسبب الكوارث البيئية، ولذلك شددت على أن الأمن البيئي ودعم المرأة وتحسين وضعها هو ما سيقود إلى سلام مستدام.

من جانبها، حثت منى لقمان على دعم الجهود وتمويلها وأخذها إلى أعلى مستويات القرارات الأممية، وخاصة المجتمع الدولي المهتم بالشأن اليمني.

وقالت:"لا بد من إشراك ليس فقط النساء، ولكن أيضًا إشراك الشباب في عمليات الاستجابة للكوارث الطبيعية والاستعداد والتكيّف مع التغيرات المناخية. هذا الأمر كارثي بكل ما تحمله الكلمة من معنى".

أكثر من أربعة ملايين أسرة نازحة

بحسب الناشطة منى لقمان، ثمّة أكثر من أربعة ملايين أسرة نازحة في اليمن، وقد تكون الأرقام الأعلى.
وقالت:"هؤلاء الأشخاص يعيشون في العراء وليس لديهم أي إمكانيات للحماية، ما لم نجد دعمًا كبيرًا وعاجلًا، فستتحقق الكثير من توقعات الأمم المتحدة التي تشي بالمجاعة".

ودعت إلى دعم المؤسسات المحلية والحكومية للقيام بدورها الرئيس في الاستجابة الإنسانية والاستعداد للكوارث وإشراك النساء في هذه القرارات باعتبارهن من الأكثر تضررًا من هذه الأمور، سواء في شح المياه وجلب المياه.

وقالت:"إن الأضرار التي تصيب النساء خصوصًا كبيرة جدًا، وكذلك أيضًا الرجال، لكنها دعت إلى تنفيذ تحليل جندري متخصص لتكون الاستجابة نفسها بحسب الاحتياجات وليست عشوائية."لا بد من دعم السياسات ووضع سياسات محلية تشرك الجهات الفاعلة ومنها المرأة في هذه العملية".

جهود متضافرة

عملت الناشطة منى والمهندسة ارتفاع مع بعضهما البعض من قبل، وبفعل الحرب وجهود الإغاثة، يتقاطع مشوارهما دائما.

وفي حين تشيد منى لقمان بعمل زميلتها، تؤكد المهندسة ارتفاع أنها تعلمت من الناشطة منى القوة والشجاعة والأخلاق "التي لا بد أن تتميز بها المرأة القيادية."

تقول ارتفاع:"ما نطمح إليه هو توقف الحرب وأن يعم السلام وأن تتحقق المساواة بين الجنسين وأن تكون المرأة صاحبة قرار وصانعة قرار، أن نعيش باستقرار".

أما منى، فتشير إلى أن المرأة اليمنية معززة مكرمة،"ويؤسفنا الآن أن نتجاوز كل الخطوط الحمراء، فالمرأة اليمنية اليوم تُعتقل وتُقصف وتُشرّد وتموت في العراء".

المعاناة في اليمن تطال الجميع، لكنّ المعاناة التي تجدها الفتيات والنساء كبيرة، وتأمل السيّدتان أن تخفف الهدنة التي تم التوصل إليها قليلًا من معاناة اليمنيين واليمنيات.

وجاء عمل السيّدتين في فترة عصيبة، ورغم التحديات وضعف التمويل للجهود النسائية، فإنهن بلا شك حققتا الكثير من النجاحات على الأرض والإنجازات.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى