المجلس الرئاسي اليمني.. الأبعاد والدلالات والمآلات

>
د. حمود اليهري
د. حمود اليهري
لقد مثل قرار تشكيل مجلس القيادة الرئاسي المنبثق عن مشاورات الرياض الأخيرة، تطورا مهما في مسار الأزمة اليمنية بما يحمله من أبعاد ودلالات، معرفتها وفهمها يتطلبان معرفة وفهم الظروف والمعطيات المحيطة والمؤثرة بالأزمة اليمنية، وفهم التطورات الجيوسياسية الدولية والإقليمية الحالية وتداعياتها على الصراع في اليمن والمنطقة، كعوامل ضاغطة دفعت باتجاه بلورة توجها سعوديا وربما أمريكيا يجوز أن نصفه بالجاد لحل الأزمة اليمنية، يمكننا إيجاز أهم تلك العوامل في ثلاث نقاط هي:

- تزايد الرغبة السعودية لإنهاء الصراع في اليمن والوصول إلى حلول مع أنصار الله تمكنها من إيقاف الخطر الذي بات يهددها من قبلهم، وتخفيض التوتر مع إيران، وإيجاد حل شامل للقضية اليمنية يعيد الهدوء والاستقرار إلى اليمن والمنطقة، لاقتناعها بأن الحرب في اليمن باتت مكلفة عليها من جميع الجوانب، وخاصة أن هناك جهات داخلية وخارجية أرادت للحرب أن تكون حرب استنزاف للسعودية، مستغلةً الأخطاء والإخفاقات التي وقعت بها القيادة السعودية في إدارتها للمعركة باليمن.

- التوجه الأمريكي لحل الأزمة اليمنية الذي ظهر أكثر جدية من أي مرحلة سابقة رغبة منه لخفض التوتر في منطقة تعد أكبر وأهم منتج للطاقة في للعالم، وللحفاظ على المستوى الجيد للعلاقة مع بلدان الخليج العربي وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، وتحسبًا لأي تغيير قد يمس النظام الدولي والعلاقات الدولية جراء الحرب في أوكرانيا يعيد صياغة وترتيب خريطة العلاقات والتحالفات بين الدول، ويعيد توزيع وتموضع القوى الجيوسياسية الدولية وفقا لتلك الخريطة، فيذهب نفوذها في المنطقة العربية لصالح قوى دولية أخرى مثل روسيا والصين، وخاصة أن العلاقات السعودية الأمريكية شابها بعض التوتر في المرحلة الأخيرة بسبب قضايا خلافية تهم المملكة وأمنها.

- ضغوطات الداخل اليمني المعيشية والخدمية والأمنية والصحية وعلى كل المستويات، وحالة الغضب والسخط الشعبي تجاه التحالف بقيادة السعودية، وتجاه أطراف الصراع في الداخل، جميعها شكلت عوامل ضغط على أطراف الازمة اليمنية المحلية منها والإقليمية والدولية.

لقد مثل انعقاد مشاورات الرياض رغبة سعودية بدرجة أساسية، وبالتالي فهي لا تعكس حقيقة المواقف التي تمثلها الأطراف اليمنية المشاركة فيها، لأن الإرادة السعودية كانت هي الفاعل الرئيس في حصولها والضاغط لتحقيق التوافق الذي خرجت به، بينما كان حضور الإرادة اليمنية حضورًا ثانويًا تابعًا للإرادة السعودية، فلو أن الأطراف التي تشكل منها المجلس الرئاسي أرادت أن تعقد حوارًا فيما بينها بعيدًا عن السعودية لما سمحت السعودية بذلك، ولم تكن تلك المشاورات بالعدد الكبير للمشاركين فيها، سوى عملية إشهار رسمي لما تم الاتفاق عليه مسبقا لإضفاء الشرعية على القرارات التي أعلن عنها بعد انتهاء جلسات التشاور، وهي قرارات رتبت لها الحكومة السعودية وجهزتها وأنجزت توافق الأطراف عليها قبل انعقاد جلسات التشاور.

لقد أرادت الرياض من تشكيل المجلس الرئاسي تحقيق عدد من الأهداف والغايات التي تسعى إلى إنجازها والوصول إليها في المرحلة القادمة، يمكن إيجازها بالآتي:

1 - طي صفحة الرئيس هادي ونائبه علي محسن الأحمر، لتقدم الرئيس هادي بالسن وضعف فاعليته، ولربما رأت أنه لم يعد يصلح لقيادة المرحلة القادمة، ولتضمن انتقال السلطة منه إلى مجلس يتشكل تحت نظرها قبل أن يفاجئه الموت فتنتقل السلطة تلقائيًا بحسب نصوص الدستور إلى نائبه علي محسن الأحمر وهو ما لا ترغب به السعودية إطلاقًا، ويرجح أن أبعاد هادي وعلي محسن من الرئاسة إلى جانب كونه رغبة سعودية، لربما كان أيضًا مطلبًا أو شرطًا حوثيًا للجلوس في أي مفاوضات حل تقام بينهم وبين المملكة العربية السعودية.

2 - إعادة هيكلة مؤسسات الشرعية المدنية منها والعسكرية، وتحرير مؤسسة الرئاسة من سيطرة وهيمنة حزب التجمع اليمني للإصلاح (فرع الإخوان باليمن).

3 - بانتقال سلطات الرئيس هادي ونائبه الأحمر إلى مجلس رئاسي موسع يضم عددًا من الشخصيات الممثلة للمكونات الفاعلة على الأرض، تكون السعودية قد ضمنت استمرار شريعة بقائها في اليمن، وحصلت على مساحة شرعية أوسع لتحركها حتى تتمكن من إنجاز أهدافها.

4 - توحيد جهود الأطراف اليمنية المتحالفة معها، وتحقيق ضغط أكبر على أنصار الله، وتوحيد مصدر القرار في مركز واحد يساعدها في إنجاز متطلبات المرحلة القادمة بحل الأزمة اليمنية دبلوماسيا بالتفاوض مع أنصار الله، أو بقيادة العمل العسكري ضدهم إذا فشلت مساعي الحلول السياسية معهم، ولأن فرص نجاح أي عملية عسكرية مستقبلا ستكون أفضل في اجتماع تلك الأطراف منها في تفرقها.

5 - تمثيل جميع الأطراف اليمنية المتحالفة معها في إطار شرعي واحد يكون واجهة لأي حلول تتم مستقبلا بينها وبين أنصار الله، ولأن أي عملية حل سياسي مع انصار الله تقتضي دخول جميع الأطراف التي تعمل معها في مفاوضات الحل كطرف واحد وليس كأطراف منفردة.

6 - تخطط الحكومة السعودية أو ربما تكون قد ابلغت أعضاء المجلس الرئاسي ان بنود الحل التي يتفق عليها في حوارات التفاوض مع أنصار الله ملزمة للأطراف التي تشكل منها المجلس الرئاسي والأساس التي يبنى عليها اي اتفاق سيتم بين المجلس وأنصار الله، وبالتالي فإن أي حوار سيجمع المجلس الرئاسي وأنصار الله في المرحلة القادمة لن يكون سوى مؤتمر إشهار لما تم الاتفاق عليه بين السعودية وأنصار الله، مثله مثل حوار الرياض الذي كان مجرد اجتماع إشهار لما اتفق عليه مسبقا بين الجانب السعوي ودائرة ضيقة من الشخصيات والرموز اليمنية التي تمثل الأطراف الفاعلة على الأرض.

- رغم التفاؤل الشعبي الكبير الذي ساد بعد إعلان المجلس الرئاسي والآمال الكبيرة التي يعلقها سكان اليمن عامة على هذا المجلس وعلى نجاح هذا التوافق اليمني والتوجه السعودي والدولي لإيجاد حل سياسي شامل للمشكلة اليمنية، والشروع في تطبيع الأوضاع وإنقاذ اليمن من الوضع الكارثي الذي تعيشه، إلا أن بذور وعوامل الاختلاف والفشل التي يحملها المجلس في داخله أكثر من عوامل النجاح ،الى جانب عوامل ومعوقات الفشل الخارجية التي تقف في طريق نجاح المجلس في المرحلة القادمة، وبالتالي فإن نجاح المجلس في إنجاز متطلبات المرحلة الانتقالية القادمة من وجهة نظر شخصية، مرتبط بالنجاح الذي يتحقق في المسارات الثلاثة الآتية:

1 - نجاح التفاهات بين السعودية وإيران من جهة أولى، ونجاح مفاوضات الحل بين السعودية وأنصار الله من جهة ثانية، ومصداقية المجتمع الدولي في دعم الحل باليمن بالضغط على أطراف الأزمة اليمنية لوقف الصراع والاتفاق على حلول وسط، والضغط بصفة خاصة على إيران لأنها تشكل مفتاحًا من مفاتيح الحل باليمن من جهة ثالثة.

2 - طبيعة التنسيق والتفاهم التي أجرته الحكومة السعودية مع الأطراف اليمنية التي تشكل منها المجلس الرئاسي، وطبيعة الضمانات والتطمينات التي قدمتها لتلك الأطراف فيما يخص القضايا التي يمثلها كل طرف، ووجهة نظرها في تلك القضايا، ومصداقيتها وجديتها، وتمثل قضية شعب الجنوب اساس وعصب المشكلة اليمنية.

3 - درجة تفاهم وتعاون الأطراف المشكلة للمجلس في إنجاز متطلبات المرحلة الانتقالية بالتركيز على الحل الشامل للمشكلة اليمنية في إطارها القائم (الجمهورية اليمنية) وتطبيع الأوضاع العامة في البلد بعيدًا عن ترتيبات المشاريع الخاصة بكل طرف، من جهة أولى، وعلى طريقة تعامل الأطراف الشمالية في المجلس الرئاسي مع شريكهم المجلس الانتقالي الجنوبي والقضية الجنوبية، وتخلي تلك الأطراف عن شعار الوحدة أو الموت والاستعداد للجلوس مع الأطراف الجنوبية للحوار والتفاوض بشأن الحل المناسب للقضية الجنوبية وشكل الدولة القادمة من جهة ثانية، أما إذا سلكت تلك الأطراف السلوك الذي سلكته صنعاء مع شريكها الجنوبي في تحقيق الوحدة، وحاولت القفز على الواقع الذي أفرزته السنوات الأخيرة بتكرار ممارسات السلوك ذاته الذي مارسته القوى المهيمنة في صنعاء مع الجنوبيين بعد إعلان الوحدة بداية تسعينيات القرن الماضي، فسيفشل المجلس في إدارة المرحلة الانتقالية وإن نجح سيعود الصراع أكثر ضراوة عقب المرحلة الانتقالية، حين يبدأ الجنوبيون طرح ملف القضية الجنوبية كاستحقاق أجل البحث فيه حتى تجاوز المرحلة الانتقالية، وسيتكرر سيناريو الأعوام الأربعة الأولى من عمر الوحدة اليمنية (1990م - 1994م)، مع تغير واضح في موازين القوى، لكننا نأمل ألا يحدث مثل هذا الصراع مرة أخرى وأن ينجح اليمنيون في حل قضاياهم بالحوار والاعتراف بأسباب الصراع والقبول بالحلول الواقعية المستدامة لتلك القضايا.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى