​صفحات رمضانية

> ذم التسول

أمر الدين الإسلامي أفراده بالترفع عن مواضع الابتذال والإهانة، وحرص على حفظ كرامتهم من كل ما يخدشها، وفي شهر رمضان، تبرز على الساحة ظاهرة ممقوتة، وعادة مذمومة تتجلى في هذا الشهر أكثر من غيره، إنها ظاهرة التسول التي يعتبرها بعض من يمارسها حرفة ومهنة مربحة، تدر عليه دخلا كبيرا، لا سيما وأنه شهر يوقّت فيه أكثر أصحاب الأموال، ويعقدون إلى إخراج زكاة أموالهم فيه، رجاء مضاعفة الأجر والثواب.

إن التسوُّل ظاهرة غير حضارية، لها آثار سلبية، ونتائج عكسية على المجتمع، حيث تُظهر المجتمع وكأنه مجتمع عجزة ومتسوِّلين، تظهر فيه البطالة ويخيم عليه الكسل.

لقد حث الدين الإسلامي أفراده على العمل والكد والتعب، لتحصيل العيش والكسب وبين أن كسب اليد خير ما يكتسب، وقد تربى الصحابة رضي الله عنهم على ذلك، لأنهم عرفوا الآثار السيئة للمسألة، والتكفف، وإهانة الإنسان نفسه أمام الآخرين يستجديهم ويطلبهم، ويريق ماء وجهه أمامهم، فقد قال عليه الصلاة والسلام: "لا تزال المسألة بأحدكم، حتى يلقى الله تعالى وليس في وجهه مزعة لحم" متفق عليه، ثم هو عليه الصلاة والسلام يحذر كل مسلم، أن يجعل التسول وسيلة لتكثير ماله، ويطلب الناس دون حاجة، فيقول: "من سأل الناس تكثرا فإنما سأل جمرا، فليستقل أو ليستكثر" رواه مسلم، وقال أيضا: "من سأل الناس وهو غنٌّي عن المسألة، يحشر يوم القيامة وهي خموش في وجهه" رواه أحمد، ومعناه: أن وجة المتسوِّل، يظهر يوم القيامة فيه جروح وخطوط تشوِّهه، وتذهب رونقه ونضارته، ذلك أن المتسوَّل أذهب بهاء وجهه بذلِّه للناس، وإظهار الدناءة لهم، وافتقاره وضعفه أمامهم.

كم نرى مظاهر التسوّل في هذا الشهر الكريم، وكيف يعمد المتسولون إلى تنويع الطرق، التي يستدرّون بها قلوب الناس، وينشدون عطفهم، ويظهرون الضعف والحاجة إليهم، وكيف أنهم يبتكرون طرقا متعددة في تسولهم، فهم يظهرون في المساجد والأسواق، والساحات المكتظة بالناس، وفي كل مرة يعرضون حالاتهم بصورة كاذبة، ينمِّقون عباراتهم، وينوعون مقالاتهم، بكلمات معسولة، وجمل مرتبة، ثم لا يقبلون إلا النقود فقط، فلو أعطوا طعاما أو لباسا أو أيّ أعيان أخرى، امتنع غالبهم من أخذها، مما يدل على عدم حاجتهم.

إن علينا محاربة التسول بهذه الصور التي نراها، فلا نعين هؤلاء المتسولين على الاستمرار في هذه العادة السيئة الممقوتة.

إن امتهان التسول، وجعله وسيلة للتكسب دليل على دناءة المتسول، وضعف إيمانه بالله، ورغبته عنه، وتوجُّهه بالسؤال إلى المخلوق، بدل أن يسأل خالقه، فهو يعرض حاجته على البشر، ويترك الله الرازق المعطي: ((وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ)).

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى