التربة قلب الأرض.. تعرف على المزارع اليمني الذي يسهم في إطعام شعبه

> «الأيام»"برنامج الأمم المتحدة الإنمائي":

>
كان اليمن بلدٌ منتجٌ للحبوب، أما الآن فيستورد ما يقرب من 90 في المائة من المواد الغذائية. الآن وأكثر من أي وقت مضى، تصبح حماية الزراعة أمرًا بالغ الأهمية.

عمل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن، والبنك الدولي، وصندوق التنمية الاجتماعية، ومشروع الأشغال العامة معًا من أجل حماية أكثر من 23,000 هكتار من الأراضي الزراعية في جميع أنحاء اليمن.

وتم تقديم الدعم للمزارعين من خلال تدريبهم وتزويدهم بالمعدات الزراعية، التي تساعد على حماية تربتهم ومحاصيلهم، مما يضمن قدرتهم على الحفاظ على مصادر عيشهم وتوفير الغذاء وبأسعار معقولة لليمنيين في الوقت الذي يلوح فيه شبح المجاعة في الأفق.

​يستهدف 16 مديرية في 6 محافظات متضررة من الحرب..
​يستهدف 16 مديرية في 6 محافظات متضررة من الحرب..

يقول عبد الله، ذو48 عامًا، مزارع من قرية الحبيل في لحج "أنا مزارع منذ الطفولة؛ أعمل في أرضي؛ أرويها بعرقي. كلما عملت بجد، زاد إنتاجها، لكنها تعاتبني في حال قصرت في العناية بها". يقول أيضًا "هذا هو نوع العلاقة التي تربطني بأرضي. أعمل من الفجر حتى بعد غروب الشمس. أحرث، أغرس، أضع الأسمدة وأسقي الأرض. الزراعة هي مصدر رزقي الوحيد".

الزراعة هي العمود الفقري للاقتصاد على مستوى الفرد والمحافظة والوطن بشكل أوسع. يضيف عبدالله قائلًا "يجب أن نحافظ على الزراعة في اليمن لأنها عنصر أساسي في التنمية الاقتصادية للبلد".

وتمثل الزراعة ما يقرب من 15 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، ويعمل فيها أكثر من 50 في المائة من القوة العاملة. وتعد الزراعة أكثر من مجرد مصدر دخل للمزارعين في اليمن، بل إنها أسلوب حياة. أما التربة فهي أساس ومصدر ذلك كله.

يستمر عبد الله في حديثه قائلًا "عندما يبتعد المزارع عن الأرض لفترة، يحنُّ إليها قلبه. ارتباطي بالأرض يشبه تعلق الأم بطفلها، علاقة مليئة بالحب والرعاية المتبادلين بدون حدود".

تشتهر اليمن بزراعة الحبوب، والفواكه، والخضروات، والبُن، والقطن وغير ذلك الكثير. كما أن تأريخ اليمن غني بالزراعة وممارساتها فإنه أيضًا مليءٌ بالصعوبات والنجاحات. العمل في مناخات متغيرة وفي خضم الحرب، وتضاريس صعبة مع شحة مصادر المياه، ظل جيل بعد جيلٍ من المزارعين اليمنيين يكدحون في أرضهم الزراعية لإطعام مجتمعاتهم وشعبهم.


آسرةٌ بجمالها وقدرتها على العطاء، ولكنها واجهت مناخًا لا هوادة فيه، وتصحّرًا متزايدًا، وسوقًا يعاني من تبعات الحرب والفشل الاقتصادي لذلك كان على المزارع اليمني تطوير أساليب مبتكرة لتخزين المياه والتكيف مع أصعب الظروف.

ويدرك برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وشركاؤه أهمية تحسين تقنيات الزراعة والتدريب والمعدات الجديدة للمساعدة في تقليل العبء المالي على المزارعين. حيث قام برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والشريك المحلي، وكالة تنمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة (SMEPS)، بدعم أكثر من 7,200 مزارع يمني من خلال التدريب على الأساليب الزراعية الحديثة.


في السابق، كان يتم حراثة الأرض باستخدام الثور أو الجمل، لكن اليوم يستخدم المزارعون آلات الحراثة لتوفير الوقت والجهد، بينما حل الري بالتنقيط محل الطرق التقليدية بالغمر.

إحياء التربة

توضح أسرار، ذات 45 عامًا، وهي أم لسبعة أطفال وهي العائل الوحيد لعائلتها المكونة من 14 فردًا، "في السبعينيات، كانت جميع الأراضي في اليمن تزرع الحبوب. انحسرت تلك المناطق وأصبحت العديد من المناطق قاحلةً بسبب ارتفاع أسعار الديزل والآلات والبذور. الأرض إذا لم يتم حراثتها تصبح قاحلة، ولكن إذا تم استغلالها بزراعة الحبوب، بإمكاننا إحياء التربة".

ويتساءل محمود، ذو 47 عامًا، وهو مزارع وأبٌ لطفلين، "إذا لم تكن الزراعة مهمة، فسيهلك سكان اليمن ... ثم كيف سنطعم أنفسنا؟ كيف نلبي احتياجاتنا الأساسية؟".

يقول شكري، 49 عامًا، وهو مزارع من منطقة الفيوش في لحج "يعتمد بقاء الشعب اليمني على الزراعة، تعتمد عائلتي بأكملها على الزراعة وتربية الماشية منذ اليوم الذي ولدت فيه. عندما ننام على هذه التربة، لا يمكنك تخيل مدى سعادتنا، وكيف نشعر ... إنه شعور أفضل من سرير في فندق خمس نجوم،" شكري كان مهندسًا في صنعاء لكن الحرب أجبرته على النزوح عائدًا إلى مسقط رأسه ليعمل مرة أخرى في مهنة أبائه وأجداده، الزراعة.

إصلاح خراب السيول

من خلال شراكات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي تم إعادة تأهيل قنوات الري ومجاري السيول في جميع أنحاء اليمن، وبناء الجدران الساندة لحماية المدرجات الزراعية، وكذلك أنظمة الري الفيضي المبنية والمدعمة بالحجر والأسمنت.

في قرية عامر، أدى تدمير الجسر في المنطقة إلى ارتفاع منسوب المياه بشكل متسارع وخسارة المحاصيل، حيث حلت حقول الطين محل المنتجات الزراعية القيّمة. "لقد ورثت الزراعة من والدي الذي ورثها عن والده وهكذا ..." يقول عامر، ذو 51 عامًا، وهو يسترجع السنين التي مرت.

يقول "التراب هو قلب الأرض. إنه مصدر العيش الرئيس بالنسبة لنا. يجب علينا حماية التربة من الآثار السلبية لفيضانات السيول. نظرًا لأن تغير المناخ يفرض تحديات جديدة، فليس لدينا حتى الآن الموارد اللازمة للتغلب عليها".


لقد ساهمت البنية التحتية، التي تم إعادة تأهيلها، والمهارات الجديدة، المقدمة من خلال برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وشركائه، بتقديم طرقًا جديدة لتقليل تكاليف الوقود والمياه للمزارعين، وتحسين إنتاجية المحاصيل والدخل، وخلق ما يقرب من 50,000 وظيفة جديدة، وساهمت أيضًا في خفض أسعار المواد الغذائية الأساسية.

ففي العديد من المناطق في جميع أنحاء اليمن، تضاعف سعر وقود الديزل المستخدم لتشغيل مضخات المياه الكبيرة وري المحاصيل. وتستمر تكلفة البذور والأسمدة والمستلزمات الأخرى في الارتفاع.

يوضح عامر "نريد أن يستفيد المجتمع مما نحصده، ولكن عندما ترتفع أسعار الوقود ينعكس ذلك على محاصيلنا الزراعية أيضًا. عندما يتم تزويدنا بأنظمة الطاقة الشمسية، سنكون قادرين على خفض التكاليف والحصول إلى المياه بسهولة أكبر".

نماذج مثابرة

عامر وأسرار ومحمود وشكري هم أربعة مزارعين تم اختيارهم لتلقي الدعم من خلال البرنامج المشترك لدعم سبل العيش والأمن الغذائي في اليمن (ERRY II). سيتم دعم المزارعين بأنظمة الطاقة الشمسية التي ستعمل على تشغيل مضخات المياه، وتقليل تكلفة وقود الديزل وتوفير بديل أكثر مراعاةً للبيئة في إنتاج الطاقة.

على الرغم من كل التحديات، ثابر مزارعو اليمن، موقنين برغبتهم في تعلم مهارات جديدة لضمان محصول وفير وبأسعار معقولة لأبناء وطنهم في بلد يعاني من انعدام الأمن الغذائي مع شبح المجاعة يلوح في الأفق.


"الأرض عزيزة علينا ولا يمكننا العيش بدونها. ستجود الأرض بخيراتها إذا عملت بجدٍ واهتممت بها جيدًا. ما يزرعه الإنسان اليوم سيحصده غدًا بالتأكيد،" يشرح خميس، ذو 56 عامًا، مزارع من منطقة الشروين في المكلا. "علينا أن نبقى ونعمل في مزارعنا لتحسين ظروفنا المعيشية. يعتمد نجاح الزراعة على توفير المتطلبات الغذائية للتربة. وهذا ما يجعل الأرض خصبة، وهو أمر ضروري لنمو النباتات والفواكه".

سليم، مزارع من صعدة، تم دعمه أيضًا من خلال هذه الشراكة، حيث تعلم تقنيات الري الجديدة لتحسين جودة محصوله. يوضح قائلًا "أشعر بالرضا الشديد عندما أرى البذور التي بذرتها في المزرعة تنبت وتنمو لإنتاج فواكه طازجة ولذيذة. لقد تعلمنا من أجدادنا أن الأرض تؤتي ثمارها فقط إذا عملنا فيها بجد وقدمنا الرعاية لها. إذا كان محصول هذا العام قليلًا فستكرمنا الأرض بحصاد وفير العام المقبل".

إن الانخفاض في احتياطيات البلاد من النفط والماء يتطلب جهودًا أكبر في الاستثمار في جميع الموارد الطبيعية في البلاد. وتعتمد الزراعة في اليمن على مهارات والتزام مزارعيها العظماء. نظرًا لأن الصراع الذي طال أمده يهدد بضياع سنوات من مكاسب التنمية، فقد أصبح من الضروري الآن أكثر من أي وقت مضى تمكين المزارعين اليمنيين بالأصول والموارد التي يحتاجون إليها للنمو والازدهار.

ويلتزم برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بضمان حصول المزارعين اليمنيين على المهارات والمعدات والموارد التي يحتاجون إليها للنجاح، مما سيقلل التكاليف على المستهلك وضمان قدرة المجتمعات التي تعاني من انعدام الأمن الغذائي على الحصول على الأطعمة الغنية بالمواد الغذائية. الاستثمار في دعم مزارعي اليمن أمر بالغ الأهمية لخفض تكاليف الغذاء ودرء المجاعة.

عمل بدافع الحب

"بدافع الحب والتفاني، اصحى مبكرًا، الساعة 3:00 فجرًا، وأتوجه إلى المزرعة وأعمل فيها حتى الساعة 6:00 مساءً،" كما يقول ناصر، ذو 50 عامًا، وهو مزارع من مدينة الشروق. "أعمل كمزارع منذ عام 1986 ونحن نشعر بالسعادة عندما نحصد منتجاتنا. يزداد تعلقي بالأرض عندما أحصد الموز وأحمّله على الشاحنة. أصحو في صباح اليوم التالي وأحس بطاقة متجددة كي أذهب للعمل في المزرعة من جديد".


البرنامج المشترك لدعم سبل العيش والأمن الغذائي في اليمن (ERRY II) هو برنامج مدته ثلاث سنوات يموله الاتحاد الأوروبي والوكالة السويدية للتنمية الدولية. يدير المشروع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) وينفذه كلٌ من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومنظمة الأغذية والزراعة (الفاو) ومنظمة العمل الدولية وبرنامج الغذاء العالمي في ست محافظات متضررة من الحرب وهي: أبين، وحجة، والحديدة، ولحج، وصنعاء، وتعز فيما مجموعه ست عشرة مديرية.

ويتم تنفيذ مشروع الاستجابة الطارئة للأزمة في اليمن (YECRP)، والمدعوم من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) وتمويل من البنك الدولي، من قبل الصندوق الاجتماعي للتنمية (SFD) ومشروع الأشغال العامة (PWP). يوفر المشروع الذي تبلغ تكلفته 400 مليون دولار حوافز اقتصادية في شكل مشاريع النقد مقابل العمل، ودعم الشركات الصغيرة، وإصلاحات كثيفة العمالة للأصول الاجتماعية والاقتصادية، مما يعود بالفائدة على الأسر والمجتمعات المحلية المتضررة في جميع أنحاء اليمن.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى