المخططات الجبلية العشوائية تنذر بكارثة وشيكة في سيئون

> سيئون«الأيام» خالد الكثيري:

>
  • صرف أراضي على مجاري السيول يهدد المخططات الرسمية
  • إشكالية العشوائية تستدعي تدخل رئاسة الوزراء والسلطة المحلية ملزمة بحلها
  • في ظل تلكؤ حكومي .. مخاوف من تكرار مأساة 2008م

الحفريات وعمليات الردم الجارية في المخططات السكنية العشوائية على المنحدرات الجبلية في الجبل الغربي لمدينة سيئون تنذر بكارثة وشيكة على البيوت الواقعة في الأحياء السكنية المتاخمة لتلك المنحدرات، ومعظم التوقعات والتصورات للخبراء والمهندسين تؤكد على أن المخططات العشوائية تلك وتحديدًا مخطط العصيدة في حي الحوطة ومخطط الحصي الأربع بحي الوحدة تحرف مجاري السيول إلى مركز المدينة حيث التجمعات والوحدات العمرانية المأهولة بالسكان من عشرات السنين، ما ينذر  بجرف البيوت إلى مجاري السيول سيما وأن مباني الوحدات السكنية في سيئون مبنية من الطين.


المواطن عبدالله أبوبكر العيدروس، وهو أحد سكان المنازل المتضررة جراء حرف المسار الطبيعي للمجاري الجبلية للسيول في ساحة مسجد الرحمن حي الوحدة بمدينة سيئون، قال: "إن معاناة سكان حي الوحدة وساحة مسجد الرحمن خاصة القديم منها بات مهددًا بالانجراف بسبب المخططات العشوائية وصرف الأراضي على مجاري السيول مما يؤدي إلى حرف المجاري تلك نحو البيوت في الوحدات السكنية المنتظمة بمخططات رسمية".
عبدالله ابوبكر العيدروس
عبدالله ابوبكر العيدروس

ويأتي العمل بالمعدات الثقيلة واستخدام البارود لتفجير أحجار المنطقة الجبلية كعامل مسرع لانهيار منازل المواطنين المحاذية لتلك المنطقة.

وأشار العيدروس إلى أنه تم تقديم العديد من الشكاوى للجهات المسؤولة، وأنه "تم تشكيل العديد من اللجان ولكن مازال العمل مستمرًا في مجاري السيول ولا نعلم ما هي نتائج تلك اللجان والنزولات فأرواح و ممتلكات سكان الحي أمانه في أعناق الجهات الرسمية نطالب الجهات المسؤولة بالعمل على تشكيل لجنة تضم بعض الشخصيات الاجتماعية وكذلك سكان البيوت المجاورة لمجاري السيول لوضع حد عملي وعاجل لتلك المشكلة".

وقال:"منذ الخمسينيات والستينيات لم تسمح الدولة الكثيرية بالبناء في مجاري السيول وكذلك مع التوسع العمراني في السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات لم يتم توزيع شبر واحد في المرتفعات الجبلية ومجاري السيول لخطورة هذه المواقع على السكان، فمثلًا الجبل الممتد من الاتجاهين لمدرسة التعاون بالسحيل وكذا الجبل الغربي في الحوطة باتجاه الزاوية وكذا الجبل الغربي لمسجد بن موسى والجبل الغربي لحي الوحدة الممتد من عيادة فلهوم حتى حقل المياه، أما اليوم بسبب عدم المتابعة من قبل الجهات المسؤولة بل إنها هي شريكة في العبث الذي حصل بالمواقع المذكورة من خلال إصدارها وثائق وأحيانا كثيرة استمارات حجز مواقع وقطع سكنية على ضفاف الجبال والعمل جاري على تهديم الجبال والبناء وسط مجاري السيول ودون اكتراث لتغيير اتجاه مجرى السيول وما تشكله من خطورة على مركز المدينة وأحيائها القديمة  وكذلك الخطورة المترتبة عن أعمال تكسير الجبال من تحرك الأحجار الكبيرة، حيث إن حجم البعض منها  2 × 2 م، وتسببت أعمال الردم في الجبال إلى هرولة بعضها باتجاه بيوت الناس، كما أن بعضها لايزال ينذر بحدوث الكوارث على أرواح وممتلكات الأسر الآمنة في بيوتها".

واستغرب المواطن العيدروس تواطؤ الجهات الرسمية ممثلة بهيئة الأراضي وعقارات الدولة ومكتب الأشغال العامة وتعاونها مع الباسطين وحجم العبث المتواصل من قبلها.
المعلم احمد محفوظ باسعيده
المعلم احمد محفوظ باسعيده
"المجرى سماح "
المعلم أحمد محفوظ باسعيدة، يعمل في مجال البناء والمقاولات من العام 1975 م ، استهجن في بداية حديثه لـ"الأيام" عدم قيام إدارة الأشغال العامة بمهامها في منع رمي مخلفات البناء وسط مسيال جثمة، موضحًا أنه من شأن تراكم تلك المخلفات أن تؤدي إلى انحراف السيول باتجاه الساقية المتجهة إلى شارع دار الضيافة.


واستذكر باسعيدة ما يعرف بـ"سيل السبع" الذي اجتاح سيئون في خمسينيات القرن المنصرم ودمر الكثير من البيوت ما استدعى من الدولة الكثيرية والحكومة البريطانية آنذاك إلى الاستعانة بالخبرات المحلية في إقامة منظومة توزيع لمياه السيول إلى ثلاثة اتجاهات للحد من خطورتها، مشيرًا إلى أنها هي المنظومة القائمة إلى اليوم، لكنَّ تراكم مخلفات البناء وسط مسيال جثمة يعيق عمل هذه المنظومة وينذر بوقوع طوفان آخر على البيوت الواقعة بشارع الضيافة خاصة والشوارع الممتدة منه بشكل عام.

ووقف باسعيدة على المخططات الجبلية العشوائية قائلًا:"إن المجاري الطبيعية للسيول عادة تكون سماح ( أي مستقيمة) وأي انحراف للمجاري يحول تلك السيول إلى سيول جارفة وكما تحمل الحجارة من حوافها وتعمل بها كمعاول نحت وهدم لتلك المجاري مما يجعلها مجاري متدفقة بالسيول الجارفة وتتدفق إلى الساحات المأهولة بالبيوت العامرة وسط المدينة".

وذكر بواقعة شهيرة لجرف وهدم بيت جرَّاء تدفق السيول في منطقة العصيدة التي نجم عنها هدم دار بوشن، بحري مسجد بن موسى في العام 1982 م ومن ذلك التاريخ لم يسمح بصرف أي بيوت سكنية في المنحدرات الجبلية فيما تعرف بمنطقة العصيدة بحي الحوطة.


وأضاف:"اليوم المخططات العشوائية تجاوزت العصيدة بل واقتربت من سفح الجبل وباتت مجاري السيول من منطقة العصيدة تهدد بجرف الساحات المجاورة وخاصة الأدنى من ساحة العصيدة وهي ساحة قبة علوي وساحة مسجد جبران وما بعدها أيضًا مهددة بطوفان السيول"، موضحًا أن هيئة الأراضي وعقارات الدولة طلبت منه في وقت سابق مشورة في إمكانية صرف قطع أراضي سكنية لبعض المواطنين أسفل منحدر الجبل حيث مسجد الوالدين وبيت يسلم مرزوق عاقل حي الوحدة، "كانت رؤيتنا تحذر من صرف أي قطعة أرض أسفل ذلك المنحدر حينها، لكن اليوم وجدنا أن منحدر الجبل بكامله مزدحم بالبيوت والمخططات العشوائية وباتت ساحة الخليفة عمر بن الخطاب على سوية الأرض مهددة برمتها بتدفق مياه السيول ونسأل الله الحفظ والسلامة للسكان".

"النكاسة أنموذج "
العمدة عوض عبدالله بحرق
العمدة عوض عبدالله بحرق

ويرى العمدة عوض عبدالله بحرق، المدير العام السابق للبلديات بمحافظة حضرموت ( 1973 - 1990 م )  أن العمل الجاري في المخططات الجبلية العشوائية لأمر عظيم وجسيم تجاه التخطيط العام للمدينة وبيئتها وحمايتها من الكوارث الطبيعية مثل السيول الجارفة وكذا الانهيارات الصخرية، متطرقًا بإيجاز إلى أبرز الأضرار المترتبة على هذه المخططات الجبلية العشوائية وفي مقدمتها تغيير مسارات مجاري السيول والأمطار من المرتفعات إلى سوية الأرض وتهديدها البيوت والتجمعات السكنية التي تشكل مركز المدينة وتهدد الحياة لساكنيها الآمنين أيضًا.

وقال بحرق:"مما نعرفه نحن عبر مسيرتنا الطويلة لنحو ثلاثين عام في المجالس البلدية والقروية والبلديات في الدولة الكثيرية وكذا الدولة القعيطية لم نرى ولم نسمح ولم يسمح أي كان بالبناء العشوائي على المرتفعات الجبلية المتاخمة للمدن والتجمعات السكنية، بالطبع حرصًا على المجاري الطبيعية للسيول بدرجة رئيسة، إضافة إلى الحرص على أخلاقيات المجتمع الحضرمي وحرمة خصوصية الأسرة الحضرمية الآمنة في البيوت السكنية فيما يسمى ( الكشف ) الذي يحرم الأسرة من الاستفادة من أسطح  وأحواش بيوتها التي تستخدمها الأسر الحضرمية عادة كمتنفسات لاسيما في فصل الصيف".

وأردف أن :"المخططات الجبلية العشوائية من شأنها أن تهدد الأحياء السكنية القديمة ومركز المدينة عامة بسيول جارفة ودمار شامل لا يبقي ولا يذر في البيوت والأرواح وصيرورة الحياة الطبيعية من طرقات وخدمات في المدينة كليا"، داعيًا إلى سرعة العمل على وضع المعالجات اللازمة وأولها تشكيل لجان فنية من ذوي الخبرة والنزاهة وألا يكون فيها أي ممن شارك في إيجاد هذه المخططات العشوائية ويستحسن أن تكون اللجان من المعالمة* الذين لهم خبرات طويلة في تعيين مجاري السيول.


واستشهد بحرق، بواقعة من سابق العهود بحضرموت على ما تحظى بها مجاري السيول من أهمية قصوى ووجودية لضمان وأمان الوحدات والتجمعات السكانية المأهولة وللحيلولة دون حدوث أي مخاطر قد تطالها من أي عبث أو سوء تقدير، وهي الواقعة التاريخية الحديثة في عهد الدولة الكثيرية في مدينة سيئون حينما شرع أحد أكبر سلاطين الأسرة الحاكمة بتسوير مزرعته الشهيرة المسماة "قادرية" ـ ما تسمى ساقية البلاد سابقًا في شارع الجزائر والمقام عليها محطة المدينة للمحروقات اليوم ـ فحينما تجاوز السور الحد المسموح به على مجرى السيل قوبل باعتراض مجلس البلدية في سيئون، بيد أن السلطان المذكور لم يأبه لاعتراض البلدية وواصل بناء السور حتى إن مجلس البلدية والأهالي رفعا الاعتراض إلى ولي الأمر في البلاد وهو السلطان الحسين بن علي الكثيري وبدوره أصدر توجيهاته بإزالة السور المخالف ودون أي اعتبار لصلة القرابة والصفة التي يحملها السلطان المشار إليه وهو ابن عم السلطان نفسه والاعتبار وكل العناية للمصلحة العامة واتقاء أي مخاطر قد تضيق مجرى السيل مما قد يهدد سلامة وأمان الوحدات والتجمعات السكنية للبلاد، كما ذكر بحرق.


وأفاد بأن المخططات الجبلية العشوائية تضفي عبئًا ثقيلًا على موازنات الدولة من خلال كلفة توصيل الخدمات إليها من مياه وكهرباء وتلفون ومجاري الصرف الصحي وغيرها من المشاريع الخدمية العامة، مستدلًا بإحدى التجارب المماثلة في المملكة العربية السعودية وهي أحياء عشوائية في مكة المكرمة معلقة في سفوح الجبال بمنطقة عشوائية متكاملة تسمى"النكاسة"، اضطرت حكومة المملكة مؤخرًا إلى هدم بيوتها العشوائية وإزالتها كليًا وبالطبع هدرت الكثير من الأموال في سبيل إعادة البناء والتخطيط بما يجعلها تواكب العصر.

كارثة كل خمس سنوات
دكتور محسن علوي السقاف
دكتور محسن علوي السقاف

من جانبه مدير عام مشروع وادي حضرموت د.محسن علوي السقاف، يرى أن المشكلة تتمثل في التخطيط العشوائي الذي طال مجاري السيول داخل المدن والأودية الرئيسة للوادي، وقال: "إن كارثة السيول التي اجتاحت وادي حضرموت في العام 2008 م كانت بسبب رمي مخلفات البناء في المجرى الرئيس للوادي ( المسيال ) وبشكل ملفت في مجراه مقابل منطقة مدودة بمديرية سيئون وكذا منطقة حيد قاسم على مدخل مدينة تريم، فضلًا عن سوء التخطيط في صرف الأراضي الزراعية ورمي نفايات القمامة بشكل عام من مديرية شبام حتى منطقة الجحيل بمديرية تريم".

وتابع:"المخططات في المنحدرات الجبلية بالتأكيد لها انعكاساتها السلبية خاصة وأنها تتم بدون أي خطط مدروسة من الجهات المختصة وهي هيئة الموارد المائية ومكتب وزارة الزراعة والري والهيئة العامة للأراضي وعقارات الدولة حيث أنه من المفترض أن تقوم هذه الجهات مجتمعة بالنظر في ملائمة المنطقة للمخططات السكنية ومراعاة مجاري السيول للحيلولة دون انجرافها خارج مساراتها الطبيعية".

وأضاف السقاف:"المشكلة اليوم قائمة ونشدد على ضرورة تشكيل لجان ترتكز على ذوي الخبرة من الشخصيات المجتمعية الوازنة والمشهود لها في هذا المجال، إضافة إلى الجهات الحكومية ممثلة بهيئة الموارد المائية ومكتب وزارة الزراعة والري والهيئة العامة للأراضي وعقارات الدولة وإدارة الأشغال العامة على تباشر مهامها على وجه السرعة في معاينة الإشكالات القائمة في مجاري السيول وتقرر المعالجات اللازمة ولو استدعى إزالة بيوت قائمة على مجاري السيول وبالطبع تتولى السلطة المحلية تنفيذ توصياتها وقراراتها".


كما نوَّه السقاف، إلى إشكالية جسيمة حيال المجرى الرئيس لوادي حضرموت تتمثل في تحويل الأراضي الزراعية المصروفة بعقود انتفاع زراعية من الدولة إلى مخططات سكنية وأحواش ومنشآت تستخدم لأغراض غير زراعية فإن لذلك الأمر مخاطر جسيمة في إعاقة استيعاب مياه الأمطار مما يحولها إلى سيول جارفة وتؤدي إلى كوارث طبيعية لامحالة على غرار كارثة العام2008 م،  مشيرًا إلى أن معدل الهطول المطري للهضبة الجنوبية 125 ملم بينما للهضبة الشمالية 50 ملم فقط ،في الظروف الاعتيادية، بيد أن وادي حضرموت يتعرض لمنخفضات جوية ترفع متوسط الهطول للأمطار إلى أكثر من الضعف، وبحسب الدراسات السابقة تحدث سيول كبيرة بعد كل 5 سنوات، كما أفاد.

هذا ويجمع الخبراء وأهل الاختصاص على أن الحلول والمعالجات للمخططات الجبلية العشوائية تكاد تكون مستعصية بل ويرون بأن صلاحيات وضع الحلول في بعضها قد تتجاوز السلطات المحلية لأن مجاري السيول بنيت عليها بيوت سكنية وإن كانت عشوائية غير أنها باتت مأهولة بأسر فقيرة وتستدعي هذه الإشكاليات لجنة عليا من مجلس الوزراء أو أعلى منها، بيد أنه مما يمكن أن يقع ضمن صلاحيات السلطات المحلية بل ومسؤولياتها هي البدء بشكل عاجل على إيقاف الصرف للأراضي على المنحدرات الجبلية كليا، وتوقيف البناء في البيوت قيد الإنشاء والقيام بتحديد المجاري الطبيعية المتبقية وترميمها، وتحديد المجاري الطبيعية التي تعرضت للهدم والانحراف لمجاريها والنظر في وضع المعالجات لها بالاستعانة بأهل الخبرة من قدماء المعالمة والمهندسين المتخصصين، بالإضافة إلى رفع محاضرها إلى الجهات العليا للنظر فيها والتوجيه بمعالجتها كونها هي، أي الجهات العليا المتسبب الأول في الكارثة لوشيكة التي أطبقت على مدينة سيئون جرَّاء الإهمال.

*المعالمة، مفردها معلم"خيّل" وهو الخبير في تقسيم وتوزيع مياه السيول على الضمر والسواقي، كما يرافق المعالمة أهل الحل والعقد في البلاد، ليتم إيقاف أي استحداث في السواقي من الكبس أو الجرف والنقل إلا بأمر مكتوب من البلدية، التي تتخذ قرارها بناء على رأي المعالمة خبراء مجاري السيول.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى