عدوانية الحوثي ضد الصحفيين يذكيها تغاضي الدول المؤثرة

> «الأيام» كريم شفيق*:

> يواصل الحوثي في اليمن ممارساته العدوانية ضدّ المدنيين، بينما يستهدف قطاعات مختلفة من الناشطين والنساء، وحتى الصحفيين، إذ إنّ أيّ معارضة يواجهها بالقمع وعمليات الخطف القسري، فضلاً عن التعذيب "الممنهج"، والذي يفضي في حالات كثيرة للموت، وفق منظمات حقوقية، محلية وأجنبية، كما أنّ المحاكمات الجائرة للتنظيم المسلح والعسكري، المدعوم من إيران، تهدّد الموقوفين قسراً في سجونهم بالإعدام.

اليمنيون رهائن

وطالبت منظمة العفو الدولية، مؤخراً، ميليشيات الحوثي بإلغاء أحكام الإعدام بحقّ عدد من الصحفيين، والإفراج الفوري عنهم. وقالت في بيان: "منذ عام 2015، احتجزت سلطات الحوثيين، تعسفياً، أكرم الوليدي وعبد الخالق عمران وحارث حامد وتوفيق المنصوري، دون تهمة أو محاكمة، لأكثر من أربع سنوات".

ووفق بيان المنظمة الأممية المعنية بحقوق الإنسان، فإنّ الصحفيين المحتجزين لدى قوى الأمر الواقع باليمن، تعرضوا لممارسات عنيفة من القمع، منها: "الإخفاء القسري، والاحتجاز المتقطع بمعزل عن العالم الخارجي، والحبس الانفرادي، والضرب، والحرمان من الحصول على الرعاية الطبية".

 وأردف: "يجب على سلطات الأمر الواقع الحوثية إلغاء أحكام الإعدام هذه، والإفراج عن هؤلاء الصحفيين على الفور".

ويروي الصحفي اليمني، هشام طرموم، شهادته عن جرائم الحوثي، وهو أحد الذين أُفرج عنهم قبل نحو عام من سجون التنظيم المسلح في صنعاء، بعد أن قضى خمسة أعوام، اضطر بعدها للسفر إلى القاهرة، وإجراء عملية "انزلاق غضروفي"، في إحدى مستشفيات العاصمة المصرية، نتيجة لما تعرّض له من مضاعفات صحية جراء التعذيب الذي تعرض له.

وكان طرموم قد صدر بحقّه حكم من محكمة خاضعة للحوثيين يقضي بخروجه من السجن مع بقائه تحت الإقامة الجبرية، ولم ينفّذ الحوثيون ذلك الحكم، وبعد ذلك خرج برعاية الأمم المتحدة في "صفقة تبادل مع مسلحين حوثيين تمكّن الجيش اليمني من أسرِهم ومبادلتهم بعدد من الصحفيين المختطفين"، في أكتوبر عام 2020.

ويردف: "ما يزال هناك أربعة من زملائنا الصحفيين في سجون ميليشيات الحوثي، منذ سبعة أعوام، كما يواجهون أحكاماً بالإعدام، وهم: (عبد الخالق عمران، وأكرم الوليدي، وحارث حميد، وتوفيق المنصوري)، ويعيش هؤلاء تحت وطأة التعذيب النفسي والجسدي".

موت بطيء
  
ولم تكتفِ الميليشيات الحوثية بتعذيب الصحفيين المحتجزين، لكنّها، أيضاً، أدخلت "عناصر متعاونة معها ووضعتهم في الزنزانة ذاتها التي يتواجد بها الزملاء الأربعة، لمضاعفة جرعة التعذيب بحقّهم"، حسبما يقول طرموم. ويتابع: "كما ضربت تلك العصابة، المكوّنة من 15 عنصراً ميليشياوياً تابعاً للحوثي، الزملاء الأربعة، ثم جاء المشرفون على السجن لاستكمال التعذيب ضدّ الزملاء، بعد الضرب الذي تعرضوا له من تلك العصابة".

وتمنع الميليشيات الحوثية وصول الأدوية للمحتجزين والموقوفين في سجونها، كما لا تراجع حالتهم الصحية بأيّ شكل، مع الوضع في الاعتبار أنّ أوضاعهم الصحية سيئة جداً، وهم في حاجة إلى رعاية طبية؛ يقول طرموم.

إذاً، ما يحدث للمختطفين، بشكل عام، في سجون ميليشيات الحوثي أشبه بـ "الموت البطيء"، على حدّ تعبير طرموم، خاصة أنّ تلك السجون لا تشبه مثيلاتها في العديد من البلدان التي تمتثل للوائح القانونية، وكذا الأعراف الحقوقية، لكنها "أماكن احتجاز يشرف عليها أشخاص يتعاملون بحقد وعدوانية وكراهية مع المختطفين، وينظرون إلى المختطف على أنّه مجرم ويستحق الإعدام والموت".

وبسؤال الصحفي اليمني عن الأهداف أو الرسائل التي تتحرى الميليشيات الحوثية تحقيقها من خلال هذه الممارسات، يجيب: "هي تريد، من خلال هذه الممارسات المتكررة والتقليدية بحقّ الصحفيين، على وجه الخصوص، أن تبعث رسالة لكلّ من يؤدّي دوره في فضح جرائمهم، مفادها أنّهم سيكونون في المصير نفسه.

هشام طرموم
هشام طرموم

كما تريد أن تبعث رسالة رعب مباشرة وفورية لأبناء الشعب اليمني، حتى لا يتجرأ أيّ شخص على معارضة هذه الجماعة المسلحة، أو يقف في وجهها، أو يعترض على ممارساتها. كذلك تريد، من خلال هذه الممارسات، الضغط على الحكومة الشرعية باليمن وابتزازها فيما يخصّ ملفّ المعتقلين والأسرى".

جرائم حرب

وإلى ذلك، قالت لين معلوف، نائبة مدير مكتب منظمة العفو الدولية لشؤون اللاجئين: "ريثما يتم الإفراج عنهم، يجب تزويد الصحفيين بالرعاية الطبية العاجلة. الحرمان من العلاج الطبي للمصابين بأمراض خطيرة هو عمل قاسٍ يرقى إلى مستوى التعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة". وأضافت: "يجب على السلطات الحوثية أيضاً الإفراج الفوري عن جميع من تحتجزهم حالياً لمجرد تصفية حسابات سياسية أو ممارسة السيطرة، ومن بينهم الصحفيون والمدافعون عن حقوق الإنسان والمعارضون السياسيون وأفراد الأقليات الدينية. سلطات الأمر الواقع الحوثية ملزمة باحترام الحقوق الأساسية وغير القابلة للتصرف بالأفراد الخاضعين لسيطرتها".

واللافت أنّ النائب العام باليمن طالب، في نهاية أكتوبر 2020، بالإفراج عن الصحفيين الأربعة، لكنّ الحوثي امتنع عن تنفيذ قرار النائب العام، كما "منع الحوثيون عن الصحفيين الأربعة زيارة عائلاتهم ومحاميهم، وعرّضوهم لمعاملة قاسية، وحرموهم من الحصول على رعاية طبية كافية وفي الوقت المناسب".

وقالت منظمة العفو الدولية؛ إنّ "الصحفي توفيق المنصوري في حالة صحية حرجة، ويعاني من مرض في البروستاتا وكذلك من أمراض مزمنة مثل أمراض القلب والسكري".
مطلع الشهر الحالي، شدّد مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى اليمن، هانز جروندبرج، على ضرورة "الإفراج الفوري" و"غير المشروط" عن الصحفيين والإعلاميين، بينما طالب بإتاحة بيئة آمنة ومستقلة لأداء مهامهم بحرّية، دون خوف أو تهديد". وقال جروندبرج في بيان: "أكرر دعوتي لجميع الأطراف بحماية حرية الصحافة، والإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الصحفيين والإعلاميين المحتجزين".

سياسة تكميم الأفواه

قال عضو مشاورات الرياض ومستشار وزير الثقافة والسياحة اليمني، د. ثابت الأحمدي: "يقبع في سجون الحوثي الآلاف من اليمنيين، من النخبة السياسية والإعلامية والثقافية، الذين صنّفهم الحوثي باعتبارهم "أعداء مباشرين له"، وبعضهم تم تنفيذ حكم الإعدام بحقّهم إثر محاكمات شكلية، غير قانونية، وبعضهم الآخر قضى تحت التعذيب، ناهيك عن حالات أخرى تعرّضت إلى أذى بالغ بفعل التعذيب الممنهج، حيث إنّ هناك من "فقد عقله أو أصبح يعاني إعاقة جسدية"، مشيراً إلى أنّ كلّ هؤلاء تعرضوا للخطف والاعتقال ثم التعذيب، وهذا المصير الصعب كان "دون أيّة تهمة، وغالبيتهم اعتُقلوا أو قُتلوا لمجرد التعبير عن رأيهم".

ويردف: "الممارسات الحوثية العدوانية، اليوم، على الشعب اليمني، لها امتداد تاريخي توارثه هؤلاء عن أسلافهم، قبل ثورة السادس والعشرين من (سبتمبر) في ستينيات القرن الماضي، والتي ألقت بهم إلى مزبلة التاريخ، وعادوا، اليوم، من جديد عصابة مذمومة".

والواقع أنّ الحوثيين "أعداء الكلمة والحقيقة التي تفضح أهدافهم وخبيئة ممارساتهم، كما أنّهم أعداء الثقافة، وأعداء اليمنيين بتنوّعهم، ويرى الحوثي في الصحفيين، على وجه التحديد، عدواً إستراتيجياً له".

ويؤكد الأحمدي: "الحوثي نفسه يحرض عليهم علناً في أغلب خطاباته، وبتتبع أوضاع الصحفيين والإعلاميين نجدهم أكثر المكونات التي تم استهدافها، وتصفية مؤسساتهم الإعلامية والصحفية بمختلف توجهاتها، ولم يبقَ اليوم، في صنعاء، ومناطق سيطرة الحوثي، إلا لون واحد من الصحافة، هي الصحافة الدعائية الموالية له فقط لا غير".

يتفق والرأي ذاته، المحلل السياسي اليمني، أبو سياف الحميدي، والذي يؤكد تمادي الحوثي في الانتهاكات الحقوقية، ومنها تقييد الحريات والاعتقال المستمر للصحفيين، موضحاً أنّ هذه الانتهاكات "ليست وليدة اليوم ولا تعدّ ظاهرة جديدة، وإنّما هي جرائم متكررة يحفل بها سجلهم الحقوقي منذ السيطرة على العاصمة صنعاء، وبقية المحافظات التي تقع تحت سيطرة الحوثي المسلحة والعسكرية.

وما كان لجماعة الحوثي التي جاءت من كهوف مران (مسقط رأس زعماء التنظيم وملاذهم)، في صعدة شمال اليمن، أن تعتقل الصحفيين، ولفترات طويلة، بحجة اتّهامات باطلة، لولا تغاضي بعض الدول المؤثرة في القرارات الأممية".

ويلفت الحميدي إلى أنّ الهدف الرئيس من تلك الممارسات هو "التعتيم على جرائمهم، حتى لا تصل للرأي العام الدولي، فقد كان خبر اعتقال آلاف النساء وتعرّضهن للاغتصاب، في السجون الحوثية، النقطة التي رفعت شهية الممارسات القمعية لدى الحوثي ضدّ الصحفيين والكتّاب، إلى حدّ فرض أكثر من حصار على القطاعات كافة التي تعمل في المجتمع المدني، ومهمتها توثيق الخروقات الحقوقية. بالتالي، تنفّذ الميليشيات الحوثية مراقبة عنيفة على وسائل التواصل الاجتماعي، وتنفّذ حملات تفتيش مباغتة، بشكل مستمر، على هواتف المحمول".

*"حفريات"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى