> "الأيام" غرفة الأخبار:
- باحث: النفط ليس المشكلة الوحيدة فهناك موارد تُهدر أمام أعين الجميع
- خبير: الحكومة لم تتعلم من الأزمة والبدائل ما زالت حبرًا على ورق
قال مركز سوث 24 للدراسات إن توقف صادرات النفط في اليمن منذ أواخر عام 2022 مثّل ضربة قاصمة للاقتصاد الوطني، حيث أفقد الدولة موردها الأساسي وأدى إلى سلسلة من التداعيات المالية والمعيشية الخطيرة.
وأضاف المركز، في تقرير أعده الكاتب عبد الله الشادلي، أن الهجمات التي شنتها جماعة الحوثي على موانئ "الضبة" في حضرموت و"النشيمة" في شبوة تسببت في وقف شبه كامل لتدفق النفط الخام، ما حرم الحكومة المعترف بها دوليًا من ما بين 60 إلى 70 % من إيراداتها العامة.
وأشار التقرير إلى أن هذا الانقطاع أدى إلى خسائر قدرت بنحو 7.5 مليار دولار منذ أكتوبر 2022 وحتى منتصف عام 2025، وفقًا لتقديرات قدمها مندوب اليمن في الأمم المتحدة عبد الله السعدي. وأكد التقرير أن آثار التوقف لم تقتصر على ميزانية الدولة، بل طالت قيمة العملة المحلية، والتضخم، ومعدلات الفقر، فضلًا عن تعطل دفع رواتب الموظفين وتوقف المشاريع الخدمية.
ونقل المركز عن الخبير الاقتصادي ووزير التخطيط السابق رأفت الأكحلي قوله إن التوقف النفطي لم يكن مجرد أزمة عابرة، بل كشف هشاشة مالية متجذرة، وأفقد الدولة قدرتها على الإيفاء بالتزاماتها الأساسية. وأضاف الأكحلي أن فقدان العملة الصعبة ساهم في هروب الشركات الأجنبية وغياب الثقة في البيئة الاستثمارية.
كما حذر رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي، مصطفى نصر، من استمرار تداعيات توقف التصدير خلال عام 2025، مشيرًا إلى أن الحكومة لم تقدم حتى اللحظة بدائل حقيقية، بل اعتمدت على المنح والمساعدات الخارجية.
وأوضح تقرير مركز سوث24 أن هذا الانهيار انعكس مباشرة على الحياة اليومية للمواطنين، حيث سجل الريال اليمني في يونيو 2025 أدنى قيمة له على الإطلاق، إذ بلغ سعر الدولار 2700 ريال للشراء و2727 للبيع. وأدى ذلك إلى موجات تضخم متسارعة وتراجع القدرة الشرائية، ما جعل رواتب الموظفين غير قادرة على تغطية الاحتياجات الأساسية، وسط توقف خدمات الكهرباء والمياه وتفاقم أزمات القطاعين الصحي والتعليمي.
وأكد التقرير أن جماعة الحوثي استغلت هذا الانهيار الاقتصادي كورقة ضغط سياسي، مستفيدة من تراجع قدرة الحكومة على صرف الرواتب، لتقويض مشروعيتها أمام المواطنين.
ورأى التقرير أن الأزمة لا ترتبط فقط بتوقف صادرات النفط، بل تكشف خللًا أعمق في بنية الإدارة العامة. وفي هذا السياق، قالت د. فاطمة باعمر، عضو الهيئة الاقتصادية في المجلس الانتقالي الجنوبي، إن الحكومات المتعاقبة فشلت في وضع أجندة اقتصادية واضحة، واستمرت في إنفاق غير رشيد رغم فقدان 70 % من الإيرادات. وأشارت إلى استمرار الامتيازات الممنوحة للمسؤولين والبعثات الدبلوماسية، مقابل معاناة متفاقمة داخل البلاد.
وفي السياق ذاته، اعتبر الصحفي المصري المتخصص في الشأن اليمني حسام السعيدي أن التركيز على النفط كسبب وحيد للأزمة يمثل "تبسيطًا مضللًا"، مشيرًا إلى وجود موارد أخرى كالجمارك والضرائب يتم تجاهلها أو تعطيلها بفعل الفساد أو التواطؤ. واقترح السعيدي مجموعة إصلاحات عاجلة، منها وقف رواتب المسؤولين في الخارج، تقليص البعثات، وتشكيل حكومة تكنوقراط لإدارة المرحلة الحالية بفعالية.
وأشار تقرير المركز إلى أن الخيارات المتاحة أمام الحكومة رغم ضيقها، ما زالت ممكنة في حال توافرت إرادة سياسية جادة. ولفت إلى أن الاعتماد المفرط على النفط كشف هشاشة المنظومة الاقتصادية، ما يفتح المجال لإعادة هيكلة الإيرادات وتفعيل قطاعات بديلة.
وفي هذا الإطار، قدم الخبير رأفت الأكحلي خارطة طريق إصلاحية من خمس أولويات تشمل:
إصلاح النظام المالي والضريبي لتحسين التحصيل وتوسيع القاعدة الإيرادية، خصوصًا في المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة المركزية.
التركيز على التصدير غير النفطي، لا سيما المنتجات الزراعية والسمكية التي يمكن أن توفر عملة صعبة وفرص عمل.
التحول الرقمي لتعزيز الشفافية وكفاءة الإنفاق والرقابة.
الاستثمار في الطاقة المتجددة كحل دائم ومستدام، خاصة في المناطق الريفية.
دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة لتعزيز الإنتاج المحلي وتقليص الاعتماد على الدولة.
وشدد الأكحلي، بحسب التقرير، على أن نجاح هذه المقترحات يعتمد على دعم دولي مشروط بإصلاحات فعلية، داعيًا السعودية والإمارات إلى ربط أي دعم مالي بخطط إصلاح ملموسة وشراكة مع القطاع الخاص.
لكن التقرير أشار إلى أن هذا التفاؤل لا يلقى إجماعًا. فبحسب حسام السعيدي، فإن أي دعم خارجي مرشح للضياع في ظل الفساد المستشري، متسائلًا عن مصير المساعدات السابقة التي لم تنعكس إيجابًا على الأرض. وأضاف أن أي انطلاقة إصلاحية حقيقية يجب أن تبدأ من الداخل، لا من الرهان على الخارج.
وفي السياق ذاته، كشفت فاطمة باعمر عن عمليات تهريب للعملة الصعبة إلى مناطق الحوثيين، الأمر الذي يفاقم الأزمة، ويساهم في تمويل الحرب ضد الحكومة، حسب قولها. كما انتقدت ضعف البنك المركزي في إلزام المؤسسات الكبرى بتوريد إيراداتها، مما يفرغ الإصلاحات الاقتصادية من مضمونها.
وختم مركز سوث24 للدراسات تقريره بالتأكيد على أن البدائل موجودة، لكنها مرهونة بإرادة سياسية صلبة، ومعركة جدية ضد الفساد، وإعادة تعريف دور الدولة بعيدًا عن منطق الريع والهدر، نحو نموذج إنتاجي قائم على الشفافية والكفاءة والاستثمار في الإنسان والموارد المتاحة.