​وادي حضرموت ومصير المنطقة العسكرية الأولى

> عبد الله الشادلي *:

>
تُمثّل  المنطقة العسكريّة الأولى التي تنتشر في مديريات وادي حضرموت، جنوب اليمن، منذ ما قبل العام 2015، مصدر قلق بالنسبة للأهالي الذين يتهمونها بحماية النافذين في القطاع النفطي وإيواء العناصر "الإرهابيّة".

وعلى الرغم من قوة هذه المنطقة وحيازتها على مختلف أنواع الأسلحة الثقيلة؛ لم تشارك في الحرب ضد الحوثيين. كما أنَّها لم تستطع تأمين مناطق الوادي من حوادث الاغتيالات المتكررة، بل وتُتهم بالضلوع في الكثير منها.

وعقب تشكيل المجلس الرئاسي الجديد في اليمن، في 7 أبريل، أثيرت تساؤلات عديدة حول هذه المنطقة التي قد يصدر قرار بنقل قواتها لجبهات القتال مع الحوثيين، بناءً على اتفاق الرياض بين المجلس الانتقالي الجنوبي والحكومة اليمنية، والاتفاق هو أحد أبرز مرجعيات مشاورات الرياض التي تمخض عنها إنشاء المجلس الرئاسي.

ويعتبر إخراج هذه القوات التي ينتمي جل أفرادها لشمال اليمن من أهم المطالب الشعبية في محافظة حضرموت التي أشعلت هبات وتصعيدًا مستمرًا في المحافظة النفطية الغنية منذ أشهر طويلة.

 لكنَّ ارتباط المنطقة بالعسكري الشمالي علي محسن الأحمر، الذي تمت إقالته من منصبه كنائب للرئيس اليمني مع تشكيل مجلس الرئاسي، يضع تساؤلات عدة حول السيناريوهات المحتملة إذا ما صدر قرار بنقل قوات المنطقة.

قرار الإخراج

مع التطورات السياسية الأخيرة التي شهدتها البلاد بإعلان المجلس الرئاسي الجديد المكون من ثماني شخصيات جنوبية وشمالية، من بينها اللواء عيدروس الزبيدي رئيس المجلس الانتقالي، ومحافظ حضرموت اللواء فرج البحسني، يرى مراقبون أن قرار إخراج قوات المنطقة الأولى من وادي حضرموت أصبح أقرب من أي وقت مضى.

وعن هذا قال الخبير العسكري العقيد وضاح العوبلي: "أعتقد أنه بات من الضروري استكمال تنفيذ الخطوات التي تضمنها اتفاق الرياض، باعتبارها التزامات ضرورية التنفيذ".

وأضاف العوبلي "مخرجات اتفاق الرياض من أولويات مهام وتعهدات المجلس الرئاسي التي ينبغي تنفيذها خلال الفترة القليلة القادمة، بالتزامن مع تنفيذ غيرها من النقاط التي وردت في الملحقين السياسي والأمني بالاتفاق. يضمن ذلك التوافق على تسمية محافظي المحافظات في الجنوب".

وتابع: "كل هذه الخطوات مع بعضها، تمثل مصفوفة سياسية وأمنية وعسكرية متكاملة، ينبغي تنفيذها وبإشراف مباشر من قيادة التحالف العربي، لا مجال هنا للتفسيرات المغايرة لما ورد في تلك البنود والالتزامات".

أمَّا الصحفي فاروق العكبري فيرى أنَّ "الإمكانيات الشعبية والعسكرية والسياسية أصبحت متاحه لتنفيذ قرار إخراج قوات المنطقة الأولى". وقال العكبري لـ«سوث24»: "المسألة مسألة وقت فقط".

لكنَّ الخبير العسكري، محمد غلاّب، لا يعتقد أنَّ المنطقة العسكريّة الأولى "ستذعن لقرار خروجها من مديرية سيئون في الوقت الراهن". وقال :"مع دعوات إخراج المنطقة الأولى نرى مزيدًا من التشبث".

واستغرب المحلل السياسي الحضرمي أنور التميمي بقاء قوات المنطقة الأولى في المحافظة حتَّى الآن، وقال التميمي "من غرائب الحالة اليمنية أن تبقى قوة عسكرية مكوّنة من حوالي 40 ألف مقاتل وآلاف المدرعات والآليات معطّلة".

وأضاف "ليس ذلك فحسب، بل ذهب البعض إلى أن هذه القوات تورطت في صفقات تهريب أسلحة للحوثيين، في الحالة اليمنية وبكل أسف، يتم الاحتيال على الاتفاقيات والالتزامات، لذلك نرى هذا التراخي فيما تم الاتفاق عليه في الرياض، وبالذات البند الذي ينصّ على نقل القوات المُعطّلة إلى مناطق التماس مع الحوثي".

تمرد

في المقابل، لا يبدو أن قرار إخراج قوات المنطقة الأولى بهذه السهولة. بالنسبة لمحللين سياسيين، قد تلجأ هذه القوات لخيارات أكثر تطرفًا، ومنها التمرد العسكري المعلن، ولم يستبعد آخرون احتمالية زحف المنطقة الأولى باتجاه ساحل حضرموت الذي تم تحريره من القاعدة في 2016.

وعن هذا، قال أنور التميمي: "المنطقة العسكرية الأولى ستلجأ لكل الأساليب والطرق غير المشروعة لتبقى. إن بقاء هذه القوات مرتبط بعصابات النفط والتهريب. لا يستبعد المراقب للشأن المحلي أن يتم تسليم الوادي والصحراء للقاعدة، وقد بدأت بالفعل مؤشرات على ذلك".

أما علاء الدبعي فيرى أنَّ المنطقة الأولى "باقية في مكانها" ولن تزحزحها أي قرارات خارج ما وصفها بـ "الشرعية اليمنيّة". وأضاف: "أي قرارات تأتي من خارج الأطر الرسمية يتوجب التصدي لها ولو بالدماء".

بالنسبة للعقيد العوبلي، "من المستبعد أن يحدث التمرد، خصوصًا أنّه يوجد هنالك إجماع من المجلس الرئاسي والحكومة على تنفيذ مثل هذه الخطوة".

وأضاف الخبير: "إذا كان هناك انسداد أو رفض لمثل هذه الخطوة، فسيكون من بعض أعضاء المجلس الرئاسي أو بين أعضاء اللجنة العسكرية المزمع تشكيلها من المجلس الرئاسي".

أما الصحفي فاروق العكبري فقد اعتبر أنَّ "المنطقة العسكريّة الأولى متمردة أصلًا، ومصيرها الزوال". وأضاف: "المنطقة الأولى لا تنتمي لحضرموت، يجب تمكين أبناء المحافظة من إدارة شؤون محافظتهم الأمنية والعسكرية. إنَّهم الأكثر حرصًا عليها وعلى مصالحها من غيرهم".
المواجهة

تسيطر على ساحل حضرموت منذ العام 2016 قوات عسكرية جنوبية تعرف بـ [النخبة الحضرمية]؛ وهي قوة مشكّلة ممن ينتمون إلى حضرموت فقط؛ وتحظى بدعم إمارتي.

واستطاعت هذه القوات - رغم حداثتها - تأمين مناطق الساحل من الانفلات الأمني الذي عانت منه حتى العام 2016. كما أنَّها استطاعت تحرير تلك المناطق من تنظيم القاعدة الذي سيطر لمدة عام كامل على مدينة المكلا، عاصمة المحافظة.

وحول إمكانية حدوث معركة بين النخبة الحضرمية والمنطقة العسكريّة الأولى في حال رفضت الأخيرة قرار الإخراج، قال العوبلي: "يجب أن نحاول قدر الإمكان الابتعاد عن هذه التقديرات".

وأضاف العوبلي: "هذا الأمر هنا غير مطروح لمزاجية ضباط أو أفراد المنطقة العسكرية الأولى الذين ينبغي بهم أن يلتزموا بأي توجيهات تصدر لهم من القيادة السياسية والعسكرية، باعتبارهم عسكريين وليسوا مليشيات ترفض ما لا تريد أو تقبل ما تريد".

ولفت الخبير العسكري إلى أنَّ مخاطبة المنطقة الأولى لتنفيذ مثل هذه الخطوة "ستأتي وفق التسلسل القيادي العسكري، ومن أعلى قيادة عسكرية ممثلة برئيس المجلس الرئاسي، ووزير الدفاع ورئيس الأركان".

وأشار إلى أنّه "في مثل هذه الحالة، ليس أمام القيادات في المنطقة الأولى إلا التنفيذ، وأن رفضوا فسيتم اعتبارهم متمردين بالفعل، وحينها لكل حدث حديث".

القاعدة

يتهم أبناء وادي حضرموت القوات الشماليّة في المنطقة العسكريّة الأولى بإيواء عناصر من تنظيم القاعدة، والتستر على تواجدهم ومرورهم في نقاطهم العسكريّة.

ويرى مراقبون أنَّ "سيناريو" تسليم القوات الشمالية لساحل حضرموت للقاعدة في العام 2015، ليس مستبعد الحدوث في الوادي اليوم، لا سيما مع الاتهامات للمنطقة الأولى بالارتباط بالقاعدة.

وفي هذا الصدد، قال المحلل السياسي أنور التميمي: "انتشار القاعدة في وادي وصحراء حضرموت يعني تعريض الجنوب والإقليم عمومًا، وبالذات السعودية وعمان، لموجة إرهاب عاصفة، لأن المنطقة العسكرية الأولى تنتشر حاليًا على الشريط الحدودي مع السعودية وعمان، وهذا أنَّ يعني كل حدود الجنوب الدولية تحت سيطرة المنطقة الأولى".

وأضاف: "الأهمية الكبرى للشريط الحدودي الدولي باتت ورقة مساومة بيد المنطقة الأولى تساوم بها الإقليم بطريقة انتهازية، وتلوّح بين الحين والآخر بهذه الورقة، تحاول المنطقة الأولى الإيحاء بأنَّ البديل بعد انسحابها هو القاعدة والإرهاب".

ولفت التميمي إلى أنَّ "المنطقة العسكريّة الأولى استطاعت الحفاظ على مواقعها طيلة كل هذه الفترة رغم علم القاصي والداني بأن قادة المنطقة مرتبطون بمافيا التهريب والفساد، والبعض منهم مرتبط بالقاعدة".

مكاسب الخروج

وعن مكاسب خروج قوات المنطقة الأولى، قال الخبير العسكري غلاّب: "المستفيد الأول من خروج المنطقة العسكرية الأولى، هم المواطنون والأجهزة الأمنية التي تعاني من صعوبة في القيام بمهامها؛ بسب تدخل المنطقة العسكرية الأولى".

وبينما يؤكد أنور التميمي أنَّ "لا حاضنة شعبية لقوات المنطقة الأولى في حضرموت"، يرى علاء الدبعي أنّ "المنطقة العسكرية الأولى تحظى بشعبية واسعة في مناطق الوادي". وقال الدبعي: "جميع الذين يتحدثون عن المنطقة الأولى بسوء مجرّد عملاء للتحالف بقيادة السعودية".

وعن موقف التحالف العربي من إخراج هذه القوات، قال التميمي: "أعتقد أن موقف التحالف بقيادة السعودية، مرتبط ارتباطًا مباشرًا بموقف مجلس القيادة الرئاسي، والعكس صحيح، إزاء هذه الخطوة تحديدًا". وأضاف: "حسم الموقف السعودي من هذه الخطوة مرتبط أيضًا بما سيؤول إليه مستقبل الصراع مع الحوثيين خلال الفترة القادمة".

ولفت التميمي إلى أنَّ "أي تصعيد عسكري حوثي سيستدعي وبالضرورة قرار التسريع بنقل قوات المنطقة العسكرية الأولى الى جبهات المواجهة، وفيما دون ذلك فإن قيادة التحالف ستمنح الوقت الكافي لبعض القيادات السياسية والعسكرية للوصول إلى تفّهُم منطقي لأهمية تنفيذ هذه الخطوة".

وتجدر الإشارة إلى أنَّه صدر، اليوم الاثنين، قرار من المجلس الرئاسي في اليمن بتشكيل لجنة عسكرية وأمنية عليا برئاسة اللواء الركن هيثم قاسم طاهر، وعضوية عسكريين آخرين، تتولى إعادة هيكلة القوات المسلحة والأمن.

ومع الإعلان عن هذه اللجنة، يبقى السؤال المطروح حول ما إذا كان تحديد مصير قوات المنطقة الأولى ضمن أولويات هذه اللجنة.

"* سوث24 "

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى