​مشاريع البنُى التحتية بحضرموت: فساد في المناقصات والتنفيذ

> «الأيام» عبد الله الشادلي*

> انشغال السلطة المحلية بالملف الأمني أفشل إدارتها للمحافظة
أزمة ثقة بين رجال المال والدولة أفسحت المجال للشركات الوهمية
اتهامات لمسؤولين بإبعاد شركات مناهضة للفساد

يسيطر  الغموض على مشاريع البنى التحتية في محافظة حضرموت، جنوب اليمن، لا سيّما بعد العام 2016، بعد طرد عناصر تنظيم القاعدة من ساحل المحافظة.

لقد شهدت المحافظة نموًا عمرانيًا سريعًا عقب شلل اقتصادي استمر عامًا كاملًا، لكنَّ هذا النمو رافقه غياب الرقابة الذي أتاح للمتنفذين التفرد بمناقصات مشاريع البنى التحتية بالمحافظة.

فساد المناقصات

لقد لوحظّ أنّ كثيرًا من مشاريع البنى التحتية في حضرموت رديئة ويشوب تنفيذها الفساد، كما حصل على سبيل المثال في إعادة تأهيل المدخل الغربي لمدينة المكلا، في نوفمبر 2020، حيث ظهرت بعد إنجازه أخطاء كبيرة لا حل لها إلا بالإزالة الكليّة ثمّ إصلاحها.

وحول هذا، قال الصحفي خالد جابر:"كشفت الأمطار الخفيفة التي شهدتها مدينة المكلا خلال الفترة الماضية عن مدى تدهور البنى التحتية بالمحافظة".

وأضاف:"لقد عجزت الشوارع التي خضعت لأعمال الصيانة وإعادة التأهيل في منطقة فوة، عن تحمل كميات متوسطة من المياه، رغم إنفاق مئات الملايين عليها من قبل الجهات الداعمة".

وأقر وكيل محافظة حضرموت للشؤون الفنية، المهندس أمين بارزيق بهذه الاختلالات.



وقال بارزيق : وردتنا بعض الملاحظات بالفعل، ورفعناها لمشرف المشروع في المنظمة المانحة، وسنضعها عليهم بشكل عام".

من جانبه، قال أستاذ الاقتصاد بجامعة حضرموت، د.محمد الكسادي:"كثير من المشاريع في المحافظة مُولت من الجهات المانحة، إلا أنَّه شابها من الفساد ما شابها. ما تمّ إنجازه منذ العام 2007 وحتَّى الآن مجرّد أعمال ترميم وصيانة خالية من النزاهة".

وأضاف:"لا توجد جسور أو أنفاق، باستثناء بعض المشروعات المتعثرة والأخرى التي تم تنفيذها بتمويل من الصندوق الكويتي والبنك الدولي. مشاريع ما بعد تحرير ساحل حضرموت من القاعدة، مجرد مشاريع هامشية ولا ترقى لأن يُطلق عليها مشاريع بنية تحتية، فالطرقات لم تتغير ولا المستشفيات ولا حتى المدارس".

بالنسبة للناشط المجتمعي، الأستاذ يمين صالح، "لا وجود حقيقي لمشاريع البنى التحتية في حضرموت". وقال صالح:"كل ما نراه مجرّد نسخ لمشاريع غير مجدية وغير مكتملة. هذا ناجم عن عدم التخطيط، والسرعة في التنفيذ بغير دراسة".

وأضاف:"لا يمكن قيام تنمية في ظلّ وجود فساد عميق ينخر في جسم البلاد وفي كل مفاصلها". وحول الشفافية في منح وإعلان المناقصات، قال الناشط المجتمعي إنّها "مبهمة وتسودها المحسوبية". وأضاف:"المشاريع التي نفذت في حضرموت منذ ما بعد تحرير الساحل من تنظيم القاعدة لا ترقى حتى للحد الأدنى".

واتفق الكسادي حول ذلك، وقال إنّ "أغلب مشاريع ما بعد الحرب تتم بتكليف مباشر وليس تنافسي وعبر مناقصات".

لكنّ وكيل المحافظة للشؤون الفنية المهندس أمين بارزيق، نفى صحة هذه الادعاءات. وقال :"لا تتمُ جميع المشاريع بالتكليف، ودائمًا ما تُعقد صفقات ومناقصات".

وأضاف:"المشاريع الطارئة تحتاج إلى تكليف، وهذه استثناءات ونحن في حالة حرب. القانون لا يتعارض مع هذه الاستثناءات. ولا مانع من التكليف من المسؤول الأعلى في المحافظة بعد أن يخضع الأمر للدراسات من الجهات الفنية".

تقصير السلطات
 
إلى جانب تُهم الفساد في بعض المشاريع لا سيّما الممولة من قبل المنظمات المانحة، تواجه الجهات المختصة والسلطات اتهامات أخرى تتمثل بالتقصير في متابعة إنشاء المشاريع، وهو ما ينعكس على أداء الجهة المنفذة وجودة المشروع بشكل سلبي.

المهندس المدني، خالد بن ماضي، ألقى باللوم على مكتب وزارة الأشغال العامة. وقال :"استمرار تدهور البنية التحتية ناجم عن عدم قيام مكتب الوزارة بدوره بالشكل المطلوب. كثيرًا ما نلاحظ انشقاقات في الشوارع رغم أنّه لم يمضِ عليها أكثر من عامين".

وتساءل المهندس "كيف ستبدو هذه الشوارع بعد 10 سنوات من الآن؟". واعتبر أنَّ "ما جرى ناجم عن عدم استشعار لأمانة المسؤولية، وعدم القيام بحقها".

وأضاف:"الدولة تعذَّرت منذ فترة حكم النظام السابق بأنّ إمكانياتها لا تسمح بإنشاء شبكات تصريف أمطار في حضرموت، كما أنَّ المدن القائمة تم تخطيطها بدون هذه الشبكات، بينما نجد في شوارع محافظات الشمال وفي صنعاء على سبيل المثال عكس ذلك".

وتابع:"يبدو أنَّ الحكومات السابقة والحالية تنتهج سياسة معتمدة على أنَّ المناطق التي لا تتعرض لظروف جوية صعبة إلا لفترات نادرة كل عام أو اثنين، لا داعي لإنشاء شبكات تصريف فيها".

وانتقد بن ماضي "إنفاق أموال طائلة في إنشاء المشاريع الثانوية في حين تستمر البنية التحتية والجسور في الانهيار؛ بسبب عدم صيانتها أو تحديثها منذ عقود".

مع ذلك يرى الصحفي عمر ثوري، أنَّ محافظة حضرموت "تُعتبر أفضل حالًا من المناطق المحررة، من حيث التنمية والاستقرار والأمن".

وقال ثوري:"لقد شهدت المحافظة خلال الخمس سنوات الماضية، حزمة من مشاريع البنية التحتية، البعض منها بتمويل من السلطة المحلية بالمحافظة والأخرى من منظمات المجتمع المدني ومنظمات دولية".

لكنَّ ثوري لم ينف وجود الفساد والاختلالات أيضًا في مشاريع البنى التحتية.


وقال:"بعد تحرير ساحل حضرموت، لم يكن هناك كيان حقيقي للدولة وأصبحت شؤون المحافظة بيد حاكمها وهو المحافظ. أصبح المحافظ هو اليد المطلقة في تنفيذ التوجيهات والقرارات والأحكام، من هنا وجد الفساد المطلق".

وذكر الصحفي ثوري أنَّ "هنالك عددًا من مشاريع الصرف الصحي التي أُعلن عنها، لكنّ معظمها فشلت لعدم وجود دراسات ومخططات حقيقية ومتابعة ومراقبة من الجهات المعنية للمشاريع".

واعتبر أنّ"مشروع الصرف الصحي لجولة الكتاب بالمكلا خير دليل على التجربة الفاشلة".

وأرجع ثوري بعض اختلالات مشاريع البنى التحتية إلى "الوضع العام الذي تعيشه البلاد ككل". وأضاف:"السلطة المحلية تفرغت لدعم وبناء الأجهزة الأمنية والعسكرية في ساحل حضرموت. إنَّه الأمر الذي تعتبره من أولوياتها في المرحلة الحالية".

ويعتقد الصحفي أنّ "دور السلطة المحلية بحضرموت جيّد كون المحافظة تمثّل نموذجًا أفضل من بقية المحافظات المحررة".

وعلى عكس ذلك، قال يمين صالح إنَّ "السلطة المحلية بحضرموت، لم تعطِ البنية التحية حقها في التنمية والاهتمام، وكافة المشاريع البسيطة التي نُفذّت كانت بتمويل من منظمات دولية".

طفح المجاري

تعتبر مشكلة طفح مياه المجاري في حضرموت من أكبر المشكلات التي تعاني منها المدن المكتظة بالسكان. على الرغم من إنَّها من أهم أوجه البنى التحتية، لا يزال وضع منشآت الصرف الصحي في المحافظة مترديًا إلى حد كبير.

وفي هذا الصدد، قال المهندس البيئي، سالم الحضرمي :"مشكلة طفح المجاري والتلوث بمختلف أشكاله له تداعيات أخطر من غرق الشوارع والمناطق بمياه الأمطار".

وأضاف "الخطر الذي يحيط بسكان حضرموت هو اختلاط مياه الشرب بمياه الصرف الصحي، ومن ثم اختلاطها بالمياه الجوفية. أغلب مناطق حضرموت محرومة من الصرف الصحي، ويتم إنشاء الشوارع فيها دون مراعاة لهذا الجانب".

وانتقد الحضرمي "انصباب اهتمام السلطة المحلية على قبول المناقصات الباهظة حتى وإن كانت في الواقع لا تستدعي الأرقام التي يتم إعلانها".

"الصرف الصحي يُمثّل المعضلة الكبرى في حضرموت"، قال الدكتور محمد الكسادي. وأضاف: "مع عدم وجود محطّة لفرز الفضلات التي يتّم تصريفها في البحر، المكلا تعيش كارثة بيئية حقيقية. قد يفسّر هذا تراجع عطاء البحر وشحّة الأسماك".

انعدام الثقة

يمثَّل غياب الشركات المنافسة ذات الكفاءة والنزاهة، التي لا تربطها مصالح مشتركة مع المسؤولين، أحد أسباب منح العطاءات لشركات أخرى تنفّذ مشاريعها بجودة رديئة لجني الأرباح دون الالتزام بمعايير الجودة.

وحول ذلك، قالت مصادر مقرّبة من أحد المقاولين بحضرموت إنّ "الشركات ورجال الأعمال والمقاولين، يعانون من انعدام الثقة في السلطة المحليّة بالمحافظة، الأمر الذي يجعلها تعتمد على شركات سيئة الصيت والسمعة لتنجز مشاريع بمواصفات رديئة جدًا".

واتهمت المصادر السلطة المحلية بالتسبب في "عزوف بعض الشركات ذات الكفاءة عن التعاقد معها، بعد أن أدركت أن ما يحدث في المحافظة هو تحايل على الأنظمة والقوانين، وإبعاد متعمّد للشركات التي لا تربُطها مصالح مع المسؤولين الحكوميين".

وأضافت المصادر أنَّ "كلّ ذلك خلف تركة كبيرة لمشاريع رديئة قامت بها شركات وهمية وأخرى لا تمتاز بالكفاءة بعد إبعاد الشركات الجيّدة؛ خوفًا من افتضاح أمر الفساد".

ولفتت المصادر إلى أنّ "هناك قضايا فساد تُثبت هيمنة شركات مقرّبة من مسؤولين في السلطة المحليّة على المناقصات والعطاءات باتفاقات غير مُعلنة، فيما يتم تجاهل الشركات التي تقدّم عطاءاتها بطريقة قانونية".

وزعمت المصادر أنّ "هنالك مسؤولين في السلطة المحليّة بحضرموت، يستغلون مناصبهم لإبعاد الشركات ذات الكفاءة والمناهضة لسياسة الفساد".

بالنسبة للمهندس خالد بن ماضي، "قد لا يبدو هذا الأمر منطقيًا على الإطلاق، لكن المعطيات الموجودة على أرض الواقع تبرهن على ذلك بشكل قاطع".

وعلق الصحفي عمر ثوري على ذلك:"لقد اشتكى كثير من المقاولين بتفرّد السلطات المحلية ومكاتبها التنفيذية، وعدم الإعلان عن المناقصات، وهنا تُرِكَ للمحافظين ومديري العموم اختيار مقاولين محددين يتم منحهم الأعمال والمشاريع بصورة حصريّة".

وردا على هذا، الوكيل أمين بارزيق:"لم نسمع بهذا من قبل. من حقّ كل من لديه أي دليل أن يقدمه للجهات المختصة. الشؤون الماليّة والإدارية في حضرموت تخضعان لجهاز الرقابة والمحاسبة ومكافحة الفساد".

حرمان

ويُلاحظ في كثير من مديريات حضرموت أنَّها تفتقر إلى البنى التحتية الضرورية، فمديريات غرب المكلا مثلًا لا تزال غير قادرة على الحصول على مياه الشرب الآمنة والخالية من الأملاح.

وفي هذه المديريات، يُمكن إقامة العديد من مشاريع البُنى التحتية مثل مشاريع الماء والصرف الصحي ومشاريع الصحة والتعليم إضافة الى مشاريع الزراعة والرّي ومدّ القنوات واستصلاح الأراضي ومشاريع المستلزمات الزراعية (مكائن، مرشات ومنظومات السقي). لكنّ هذه المديريات خارج اهتمام السلطة المحلية بحضرموت، وفقًا لما قاله مواطنون.

وحول هذا قال المهندس المدني خالد بن ماضي:"هناك مصدران رئيسان من خارج الميزانية لتمويل البنية التحتية: المنظمات الدولية التي توفر تمويل البنية التحتية على المدى الطويل والمتوسط كالبنك الدولي والمؤسسات الخيريّة، والقطاع الخاص أيضًا من خلال آليات، مثل: الشراكات بين القطاعين العام والخاص وترتيبات استراتيجية تقاسم الإنتاج".

وأضاف أنّ"مشاركة المستثمرين المحليين والأجانب على المدى الطويل، ستكون عنصرًا قويًا لتحسين هيكلة التكاليف عبر كافة مراحل أي مشاريع".

وتعتبر حضرموت أغنى محافظات جنوب اليمن نفطيًا، وأكبرها مساحة على الإطلاق. وتمتلك المحافظة سواحل طويلة تمتد على طول بحر العرب. وعلى الرغم من كل هذه الثروات، لا يزال وضع المحافظة الخدمي مترديًا، ولا تزال مشاريع البنى التحتية دون المستوى المطلوب.

* "سوث24»

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى