الجهود المصرية والطريق إلى اليمن السعيد

> د. خالد قنديل

> شهدت العلاقات المصرية العربية في السنوات الأخيرة تطورًا كبيرًا وتلاحمًا حقق على أرض الواقع معنى الأشقاء، إذ صارت مصر مع الدول العربية جزءًا واحدًا وكتلة متماسكة في مواجهة جميع الأزمات، بعد أن نجحت الدولة المصرية منذ بداية ثورة 30 يونيو في إعادة بناء سياساتها الخارجية سواء العربية أو الدولية على أساس التآخي وتحقيق المصالح المشتركة بينها وأشقائها العرب، لتمد جسور الترابط في المجالات المختلفة سياسيًا واقتصاديًا وفي المناحي كافة.

ويمثل اليمن بلدًا شقيقًا يرتبط بمصر ارتباطًا قديمًا وممتدًا على مر العصور، منذ حرص الملك تحتمس الثالث على إرسال وتلقي الهدايا من التجار السبأيين وقد كان اليمن عبر تجارة المورد الرئيسي للبخور إلى المعابد المصرية القديمة، مرورًا بعصر محمد على باشا الذي شهد تقوية العلاقات التجارية وتبادل السلع بين البلدين، وصولا إلى العصور الأحدث ودعم مصر للثورة اليمنية بالدم وبالسلاح في ستينيات القرن الماضي لمساعدة اليمن على التخلص من الاستعمار البريطاني، وخلال حرب أكتوبر 1973، أتم إغلاق مضيق باب المندب طوال الحرب ولم تفتحه إلا في يناير 1974، بعد توقيع اتفاقية فض الاشتباك الأولى وبدء الانسحاب الإسرائيلي من غرب قناة السويس.

وحتى اللحظة الراهنة تؤكد القيادة السياسية المصرية حرص مصر وشعبها على أن يصل البلد الشقيق وأبناؤه إلى شاطئ الاستقرار بعد سنواتٍ من التدهور جراء النزاع المسلح والاقتتال، حيث أبدت مصر ترحيبها بالبيان الصادر عن مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى اليمن، والمتضمن الإعلان عن هُدنة لمدة شهرين اعتبارًا من الثاني من أبريل الماضي، ذلك أن استقرار الأوضاع السياسية في اليمن يمثل استقرارًا كبيرًا بمنطقة الشرق الأوسط، وأي اضطراب ينعكس سلبًا على المنطقة وعلى حركة الملاحة التجارية البحرية العالمية خصوصًا بعد الأحداث المتوالية التي شهدها منذ 2011 ودخل بعدها في أزمة سياسية كبيرة، استلزمت إعادة ترتيب أوراقه ومواجهة الميليشيات التي مثلت خطرًا جسيمًا على أمن واستقرار اليمن وشعبه وقد أدخلت البلاد في فوضي غير خلّاقة، غير أن الدول العربية وخصوصًا مصر والمملكة العربية السعودية كانت ولا تزال حريصة كل الحرص على رأب الصدع وتقريب وجهات النظر بين اليمنيين، وبالتالي بُذلت الجهود الجبارة والمستمرة في اتجاه إرساء السلام في اليمن، وفي هذا السياق الجاد جاء استقبال الرئيس السيسي للدكتور رشاد العليمي رئيس مجلس القيادة الرئاسي بالجمهورية اليمنية، بعد توليه مهام منصبه، ليؤكد جدية هذه المساعي لدعم البلد الشقيق في مواجهة التحديات التي تواجهه، والاستمرار في العملية السياسية وصولًا إلى حل مستدام يُنهي معاناة الشعب اليمني الشقيق ويلبي طموحاته، والتأكيد على ترحيب مصر، بإعلان الأمم المتحدة في الثاني من یونیو الماضي، عن تمديد اتفاق الهدنة في اليمن والتي كانت قد دخلت حيز التنفيذ في الثاني من أبريل الماضي، وكان لافتًا تلك الرسائل التي نتجت عن هذا اللقاء بتقدير القيادة السياسية المصرية لجهود الحكومة اليمنية الشرعية، ودعوة الأطراف جميعها للتنفيذ الكامل لبنود الاتفاق، وهو ما يؤدي إلى تطور إيجابي يمكن البناء عليه، لإطلاق عملية سياسية شاملة في اليمن، تسعى وتتطلع مصر إليها، عبر دعم جميع مبادرات الحل السياسي، بما يحفظ وحدة اليمن واستقلاله ويصون مقدرات شعبه، وهي رسائل لجميع مناطق الصراع المسلح توضح رؤية مصر الكبرى وحرصها على التسويات السلمية، ودعم إعادة الإعمار والشرعية وسيادة الدولة الوطنية.

إن العلاقات بين مصر واليمن علاقات إستراتيجية بامتياز، ففضلا عن البعد التاريخي ولقاء حضارتين عريقتين، فإن هناك الموقع الجغرافي، ومرور مضيق باب المندب في الأراضي اليمنية والذي يعد أحد أهم الممرات المائية في العالم، ووجود قناة السويس في مصر، ويربط باب المندب بين البحر الأحمر وخليج عدن الذي تمر منه كل عام آلاف السفن وتزيد أهميته لارتباطه بقناة السويس وممر مضيق هرمز، فكان لافتا أن يشهد لقاء الرئيس برئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمين مناقشة سبل التعاون المشترك بين البلدين في إطار تعزيز الأمن في البحر الأحمر، واستمرار العلاقات الثنائية بما يحقق المصالح المشتركة، واستعداد مصر لتعزيز التأهيل والدعم المقدم لإعداد الكوادر اليمنية في مختلف المجالات، وكذا استمرار دعم الجهود الدولية للتغلب على الأزمة الإنسانية والمعيشية في اليمن السعيد، حتى يعود سعيدًا بما يستحقه أبناؤه من حياة إنسانية لا ينقصها الاستقرار والرخاء.

"الأهرام"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى