الحرب مع إيران.. بدءا من اليمن وليس انتهاء بلبنان

> عريب الرنتاوي

> الشرق الأوسط وسباق "ربع المتر الأخير" بين الدبلوماسية والحرب
> تخيم التكهنات بشأن "صيف ساخن" ينتظر الشرق الأوسط، على كتابات وتحليلات كثيرة من المراقبين والمحللين السياسيين في عواصم الإقليم، ولديهم فيما ذهبوا إليه من تقديرات متشائمة، ما يكفي من الدلائل والمؤشرات، التي إن تراكمت وتتالت في المسارات التصعيدية ذاتها، فلن يكون مستبعدًا أبدًا أن تصدق نبوءاتهم، بيد أن الباب يبقى مع ذلك مفتوحًا، وإن كان بشكل "موارب"، للأنباء السارة.

مبتدأ الجملة الخبرية الشرق أوسطية، ما تشهده مفاوضات فيينا حول برنامج إيران النووي، من انسدادات، فالمفاوضات متوقفة منذ أواسط مارس الفائت، ولغة الاتهامات والتهديدات، باتت تطغى على التصريحات المتفائلة التي انتعشت مطلع العام الجاري، وإسرائيل تقف متوعدة بالتصرف منفردة ضد إيران، باتفاق أو من دونه، فيما حربها على المنشآت والعلماء والقادة الأمنيين الإيرانيين، لا تكاد تتوقف.

حتى الآن، لم تصدر الأطراف المتفاوضة "شهادة وفاة" لاتفاق 2015، رغم أنها لا تتردد في الإشارة إلى حالة "الموت السريري" للاتفاق، وتتحدث عن إيداعه "غرفة العناية الفائقة".. لا رغبة للأطراف ولا مصلحة لها في انهيار المفاوضات وانسداد طرق الدبلوماسية، فهي تعرف تمام المعرفة أن البديل عن ذلك، هو الذهاب إلى الخيارات الخشنة، من "أقصى العقوبات" إلى الخيارات العسكرية، وسط قناعة راسخة لدى الأطراف، بأن المواجهة إن اندلعت مع إيران، لن تقف عند حدودها، بل ستتخطاها إلى ساحات وميادين أبعد، تحظى فيها إيران بنفوذ بارز، بدءًا من اليمن وليس انتهاء بلبنان، مرورًا بسوريا والعراق وغيرهما.

وحدها إسرائيل تبني خياراتها بمعزل عن "باروميتر فيينا"، وهي قررت نقل استراتيجيتها، "من ضرب أذرع الأخطبوط إلى استهداف رأسه"، ولم تعد تبالي بالكشف عن عملياتها في العمق الإيراني، بل التصريح والتلميح إلى مسؤوليتها عن هذه العمليات، وهي تمضي في استكمال استعداداتها لتوجيه ما تعتبره "ضربة قاصمة" للعمود الفقري لبرنامج إيران النووي والصاروخي.

ولا تتوانى حكومة نفتالي بينت، عن تصعيد ضرباتها ضد "الأذرع" و "الأطراف"، حربها في سوريا وعليها، تتخطى قواعد الاشتباك وتجتاز الخطوط الحمراء التي ارتسمت طوال الأعوام الماضية، مسجلة ارتفاعًا في عدد ونوعية الضربات الجوية والصاروخية في العمق السوري، تضرب ميناء اللاذقية مرتين، وعلى مبعدة كيلومترات قلائل من قاعدة حميم، وتُخرج مطار دمشق عن العمل لأول مرة من تدشينه قبل عقود، الاستباحة الإسرائيلية للسماوات السورية، لم تعد تقف عند حد، وهي تترك النظام في دمشق في حالة حرج مع شعبه، خصومه وأصدقائه، وتترك شرخًا يزداد اتساعًا في جدران الثقة بين العاصمة السورية وحليفها الروسي من جهة، وبين أهم حليفين لها إقليميًا ودوليًا: روسيا وإيران من جهة أخرى.

لا يقف الأمر بإسرائيل عند هذا الحد، فعملية تكسير المعادات وقواعد الاشتباك، يجري اختبارها في غزة، وحكومة بينت تقرر المضي بـ"مسيرة الأعلام" متوعدة بحرق غزة، إن أطلقت حماس صواريخها، وتحشد حملة ضغوط قصوى على الحركة، انتهت إلى بلع قادة الحركة لتهديدهم ووعيدهم، فيما المسيرة الاستفزازية، كانت تشق طريقها في قلب الأحياء العربية والإسلامية للقدس الشرقية المحتلة عام 1967.

وفي لبنان، حيث الساحة التي تراعي فيها إسرائيل أعلى درجات ضبط النفس، تقدم حكومة بينت على إرسال سفينة التنقيب عن الغاز إلى الخط 29 على الحدود البحرية مع لبنان، مجازفة باستفزاز حزب الله، الذي خرج أمينه العام متوعدًا بالذهاب إلى حرب، لا يريدها، ولكنه مستعد لها إن فرضت عليه، كما قال قي آخر خطاب له، ولولا استئناف واشنطن مساعيها للتهدئة على جبهة الحدود البحرية، لربما كانت الحرب قد اشتعلت، ولكان الإقليم برمته، قد دخل في مرحلة جديدة نوعًا، ولربما راقب العالم من مقاعد المتفرجين، كيف ستفي إسرائيل بوعدها إعادة لبنان للحصر الحجري، وكيف سيفي حزب الله بوعده، بتدمير الجبهة الداخلية على رؤوس ساكنتها، الذين هم غالبية الإسرائيليين.

إسرائيل تسابق الزمن، فهي تريد توظيف انسداد المفاوضات مع إيران، لمنع الوصول إلى اتفاق ترى فيه تهديدًا وجوديًا لأمنها على المدى المتوسط والبعيد، وهي تسعى لاستنفاذ فرصة أوكرانيا حتى آخر قطرة، فموسكو الغارقة في أتون الحرب والعقوبات غير المسبوقة، ليست بوارد الاشتباك مع إسرائيل في سوريا، ولا بصدد هي بصدد فتح جبهة جديدة على جبهة الحدود مع تركيا شمالًا، سيما وأن الأخيرة كإسرائيل، تريد استنفاذ فرصة الغرق الروسي في رمال أوكرانيا المتحركة، لتحقيق حلمها القديم - الجديد بتدمير أي كيانية كردية في شمال سوريا، وبناء حزام أمني على امتداد حدودها مع سوريا.

لقد نجحت زيارة بينت لموسكو، والقناة الدبلوماسية النشطة بين القيادتين الروسية والإسرائيلية، في تجديد اتفاق الجنتلمان الناظم للعلاقات بين الجانبين في سوريا، فلا موسكو بوارد التصدي للطيران الحربي الإسرائيلي، ولا إسرائيل بوارد تعريض الوجود العسكري الروسي للخطر، وبخلاف ذلك، لن تفعل موسكو أكثر من إصدار البيانات "غير المُتَفَهِمَة" للعمليات الحربية الإسرائيلية، والمنددة بها حين تكسر خطًا أحمرًا، أو تلحق ضررًا فادحًا بالحليف السوري، أما "الصديق الإيراني" فلا بواكي له في الكرملين.

يبقى السؤال حول قدرة النظام وحلفائه في طهران، وما يتبعهما من ميليشيات على ابتلاع الصدمات والصفعات المتمادية من دون رد أو تحريك ساكن، وما الذي سيتبقى من صدقية أطراف هذه المحور، إن هو اكتفى بإطلاق التهديد والوعيد من دون أن يُتبع أقواله بالأفعال، ومن دون أن يأتي بردود أفعال تنسجم مع الأفعال الإسرائيلية من حيث حدتها وعمقها والنتائج المؤلمة المترتبة عليها، في الداخلين الإيراني والسوري على حد سواء.

لكن يبدو أن إسرائيل أكثر اطمئنانًا للحدود المتواضعة لردود أفعال هذه الأطراف، وواثقة من قدرتها على احتمالها واستيعاب تداعياتها، طالما أن كلفها في أسوأ الأحوال، لا تتخطى حدود توجيه إنذارات لمواطنيها بعدم السفر إلى وجهات معينة، أو توخي الحذر عن زيارة دول بعينها، أو العودة إلى المنزل في أسرع وقت، إن كان وراء الأكمة ما وراءها.

إن ظل منسوب المواجهة بهذه الحدود وعند هذا المستوى، يصعب التنبؤ بصيف ساخن، أو قبول هذه النبوءة المتشائمة من دون تحفظ، لكن مخاوف الخبراء والمحللين تذهب أبعد من ذلك، وتحديدًا على مسارين اثنين: الأول؛ لبنان، فأي مواجهة محدودة أو سوء تقدير، أو انسداد في مفاوضات ترسيم الحدود البحرية، يمكن أن يفضي إلى حرب شاملة بين الحزب وإسرائيل، ويمكن أن تفضي هذه الحرب إلى تسخين جبهات وخطوط تماس أخرى، من غزة إلى الجولان، مثل هذا السيناريو، تأخذه إسرائيل على محمل الجد، وحزب الله، هو الطرف الذي تحسب له إسرائيل الحساب أكثر من غيره.

والثاني؛ إيران، كأن تتوجه الطائرات الإسرائيلية لتنفيذ هجمات مباشرة في العمق الإيراني، ملحقة ضررًا فادحًا بالمنشآت النووية الإيرانية، عندها ستصبح شعارات ووعود النظام الإسلامي، وصدقيته بأكملها على محك خطير، وعندها يصبح الرد الإيراني المباشر على إسرائيل ضرورة لبقاء النظام، وقدرته على الاستمرار، ولا شك أن سيناريو كهذا يمكن أن يفتح باب الجحيم، ليست على الطرفين المتحاربين فحسب، بل على دول أخرى عديدة.

من دون الانزلاق إلى أي من هاتين الحفرتين، ستشهد المنطقة، صيفًا آخر، حرارته مرتفعة بلا شكل، بيد أنه لن يكون لاهبًا ولا حارقًا، وليس ثمة ما يشير حتى الآن على الأقل، بأن طريق الدبلوماسية قد سُدّ تمامًا، سواء أمام الاتفاق النووي بين إيران والمجتمع الدولي، أو مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، لكن مرور الوقت، لا يعمل لصالح الدبلوماسية، ويسهم في رفع منسوب الصخب والضجيج الناجمين عن قرع طبول المواجهة، إنه سباق "ربع المتر الأخير" بين الحرب والدبلوماسية.

"الحرة"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى