مدينة البؤساء عدن

> تمر عدن حاليًا في أسوأ مرحلة في تاريخها المعاصر، حيث تكابد مدينة عدن الجميلة وسائر البلاد صنوفًا شتى من المعاناة والحرمان والفقر والخوف، يحتاج سكانها الصابرون للغذاء اللازم لحفظ الحياة الإنسانية، ولتأمين لقمة العيش لبعض سكانها البؤساء تلجأ الكثير من الأسر إلى القمامة، حيث ترمى بقايا الأكل للبحث عن بقايا تسد البطون الخاوية، وترتفع أصوات النساء والأطفال والعجزة تنادي برفع المعاناة وتوفير لقمة لإشباع الأفواه العاوية من الجوع، حيث انعدمت كل فرص تدبير الرزق لأغلب السكان، فقد دمرت وبيعت أغلب مرافق ومؤسسات ومصانع القطاع العام، وانتهت أغلب الوظائف بسبب الحروب التي شنت على المدينة في الفترات السابقة، وتم إيقاف أي مشاريع استثمارية تخلق فرص للعمل، ومن يعمل في مؤسسات الدولة لا يحصل على الراتب البسيط بشكل منتظم، وإن استلم راتبه فلا يفي بأبسط متطلبات العيش على الإطلاق، وذلك بسبب ارتفاع الأسعار بشكل لم تشهده المدينة في تاريخها؛ فراتب أغلب الموظفين بالكاد يكفي لشراء كيس أرز أو دبة زيت طبخ لا غير، ومع ذلك يحرم أغلب الموظفين من حقهم القانوني المكتسب لعدم انتظام استلام أجورهم بمسببات غير وجيهة.

لقد تراكمت المشاكل على هذه المدينة المحرومة من كل ما يبعث على الأمل في حياة كريمة فالكهرباء شبه معطلة بعد أن دخلت إليها خدمة التيار الكهربائي منذ عقود، وكانت من أوائل المدن التي تمتعت بخدمة الكهرباء في المنطقة، والآن خدمة الكهرباء هي الأسوأ على مستوى مدن المنطقة، أما خدمات التعليم والصحة فهي رديئة للغاية ويسيطر عليها الفساد والإفساد، وتكاد تكون منهارة بسبب إهمال السلطات الرسمية، كما أن أسعار الوقود قد وصلت إلى أرقام خيالية تسببت في شل قدرة أكثر الأسر على شرائها لتسيير مركباتهم وتوقف مصادر رزق لكثير من الأسر، كما أن حالة من انعدام الأمن والعدل وشحة في السلع الضرورية للعيش الكريم قد بدأت بالظهور في السوق على شكل نفاد مخزون أهم السلع مثل القمح وحتى الأسماك لا تستطيع الأسر شرائها بسبب ارتفاع أسعارها على الرغم من أن البحر يحيط بالمدينة ودخلت الاتصالات مرحلة جديدة في سلسلة الحرمان وكل تلك المعاناة تحدث على مرمى ومسمع من السلطات التي تقف دون حراك يذكر لتأمين مخزون كاف لسد حاجة السوق في الأيام القريبة القادمة وخاصة من القمح.

إن الفقر في مدينة البؤساء واحد من المصائب المتعددة التي تواجه الناس حيث لا يستطيع الناس شراء متطلبات الحياة البشرية من مأكل ومشرب وملبس ما بالكم بالتطبيب والتعليم والترفيه والتي يعتبرها الناس أمنيات، أما الخدمات المتهالكة فحدث ولا حرج، فالناس بلا عمل وإن وجد فأجره لا يُمكن صاحبه للوصول إلى مقر عمله بسبب ارتفاع أجرة المواصلات في المدينة الناجمة عن ارتفاع أسعار المشتقات النفطية إلى مستويات غير مسبوقة في تاريخ المدينة المنكوبة.

إن الفقر في عدن أكثر من مجرد الافتقار إلى الدخل أو الموارد أو ضمان مصدر رزق مستدام؛ بل هو الافتقار إلى كل مقومات الحياة الإنسانية الكريمة، حيث تطور الفقر ليشمل الجوع وسوء التغذية وانحسار إمكانية الحصول على التعليم والخدمات الأساسية، ولم يعد الفقر هو الافتقار إلى المأكل والمشرب والملبس، بل إن الفقر قد تحول إلى قهر ورعب وبؤس دائم لسكان عدن البؤساء لأنه قد تحول إلى سياسة مداره تدفع ثمنه المدينة، حيث أصبحت عاصمة لتصفية الحسابات بين الأطراف المتعددة فعدن وسكانها وقود وضحايا للصراعات والمماحكات السياسية منذ عقود.

وعلى الرغم من الأوضاع المأساوية التي تمر بها " عاصمة البلاد" فإننا نسمع الوعود من القريب قبل البعيد بالحلول ونقرأ البيانات ونسمع الخطابات الفارهة من المقرات الفارهة دون أن تتحول من وعود إلى أعمال تسد حاجة الناس فوعود الودائع والإصلاحات والدعم من الجيران المترفين قد تحولت إلى سوط يجلد به الفقراء ليلًا ونهارًا.

إننا نطالب بإصلاح أحوال الناس بحلول عاجلة تتعدى الوعود إلى فعل على الأرض والبدء بإصلاح الذات قبل انتظار الآخرين بمدنا بحسنات لا تسمن ولا تغني من جوع.

عدن تحررت من حرب البنادق منذ أكثر من سبع سنوات ودخلت في حرب أخطر وأكثر إيلامًا على أهلها، إنها حرب الأجندات التي حولت المدينة إلى أفقر مدن البلاد وتزداد الحياة سوءًا يومًا بعد يوم.

ما الذي حوّل عدن من واحدة من أغنى الموانئ والمدن إلى أكثرها فقرًا أيها الساسة ألا تعلمون؟

لقد نفد صبر الناس وانتهى مخزون الأمل لديهم الحذر الحذر الحذر.....

وأخيرًا أنصح...

"تسامحوا مع عدن أيها القادة".

*أستاذ الاقتصاد الدولي

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى