​أ.د. حسين الكاف...قامة شامخة تنحني وداعًا

>
عدت إلى عدن العظيمة بعد إكمال دراسة الطب في بريطانيا عام 1970، و بعد ذلك بحوالي عامين عاد أخي وصديق العمر الأستاذ الدكتور حسين الكاف من إكمال دراسة الطب في بلغاريا، ومن أول لقاء تكوَّنت بيننا علاقة صداقة و زمالة متينة لا تتأثر بمرور الزمن ولا بُعد المسافات، عملنا معًا في قسم الجراحة بمستشفى الجمهورية و كنا نلتقي يوميًا في عنابر الجراحة وغرف العمليات وكذا في جلساتنا بعد ساعات العمل، وكان -رحمة الله عليه - شامخًا في أخلاقه وإنسانيته وحبه للجميع مع تفانيه في خدمتهم.

أتذكر في منتصف السبعينات عندما كنا نلتقي في مقيل يضم كل من أ.د حسين الكاف والدكتور حافظ لقمان -رحمه الله- وأخي وصديق العمر أ.د علي عبيد السلامي -أطال الله في عمره - وأحيانًا كان ينضم إلينا أخي المرحوم عبدالعزيز عبدالولي، كنا في تلك اللقاءات نقضي ثلث الوقت في مناقشة الأمور والقضايا العامة ثم ننتقل إلى قراءة الكتب والمراجع الطبية للاطلاع على كل جديد، ثم نقضي الثلث الأخير من اللقاء في الاسترخاء والحديث عن تطوير الخدمات الصحية في وطننا الحبيب.

في عام 1979 قررنا أنا وصديقي د. حسين أن نسافر معًا لقضاء الإجازة في جزيرة سنغافورة، حيث نزلنا هناك ضيوفًا على ابن عم د. حسين الأخ أحمد الكاف والملقب ب Night الذي أطلعنا على معالم تلك الجزيرة ومن ضمنها عمارة بيت الكاف المشهورة جدًا في سنغافورة وهناك تعرفت على مجمل إنجازات وإسهامات بيت الكاف في بناء وتطوير تلك الجزيرة منذ منتصف القرن التاسع عشر. أُعجبنا في ذلك الحين بمدى التقدم والتطور لتلك الجزيرة التي أصبحت أحد نمور شرق آسيا. وقد حكى لنا الأخ أحمد الكاف أنه في بداية ستينات القرن العشرين كان السنغافوريون يعيشون ظروفًا صعبةً و هو من ضمنهم فكانوا يسافرون إلى عدن بحثًا عن العمل، عندما كانت عدن في تلك الأيام دُرة التاج البريطاني وثالث أهم ميناء في العالم.

و في مطلع عام 1989 دعاني أخي حسين لمرافقته لزيارة مسقط رأسه مدينة تريم حيث نزلنا بصحبة عائلتينا في ضيافة آل الكاف أهل الكرم و النخوة والعِلم، حيث قضينا أمتع الأيام وتعرفنا عن كثب على كل ما قدمته أسرة الكاف وجدِّهم شيخ أبوبكر الكاف من برامج التعليم والخدمات الصحية والاجتماعية والخيرية وشق الطرقات وغيرها مما دفع صاحبة الجلالة الملكة إليزابيث الثانية بتقليده وسام الإمبراطورة البريطانية أثناء زيارتها لعدن في أبريل عام 1954.

كان الحبيب حسين -رحمه الله -عالمًا بمعنى الكلمة، حيث قدم العديد من الأبحاث والكتب الطبية المنشورة كما تولى عمادة كلية الطب بالإضافة إلى تدريسه لأجيال من طلبة وطالبات كلية الطب الذين تخرجوا على يده واستفادوا من علمه الغزير وخبرته الواسعة في مجال الطب والجراحة، كان يحب عمله وعلمه حتى الثمالة، كما كان يحب الناس ويتفانى في خدمتهم ومساعدتهم كلما طلب منه ذلك. وأتذكر عندما كنت ألجأ إليه كوني خارج الوطن لمساعدة أحد الأصدقاء أو أحد أفراد الأسرة طلبًا لخدمة سواءً البحث عن عمل أو منحة دراسية أو استشارة طبية، لم تكن تقر له عين حتى يبذل قصارى ما في وسعه لتقديم تلك الخدمة مهما كلفه ذلك من وقت ومادة وجهد.

كنت على تواصل معه بشكل مستمر لأطمئن على حالته وحالة عدن الحبيبة والوطن بشكلٍ عام، وكان متفائلًا بلا حدود ومستبشرًا بالأيام القادمة قائلًا: "إن أجمل الأيام هي تلك التي لم نعشها بعد"، كان يرفض التشاؤم حتى في أحلك وأقسى الظروف التي مرَّت ومازالت تمر بها بلادنا وأهلها الطيبين إلا أنه وللأسف الشديد رحل عنا قبل أن يرى ما كان يأمل أن يراه.
كم سأفتقدك يا أخي وكم ستفتقدك عدن وتريم وكل الوطن، فنم قرير العين فإن ذكراك ستظل حيَّة وزكيَّة بيننا إلى الأبد.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى