نحو مقاربات أخرى

> كفَّة الميزان، بالمعيار المطلق؛ فلسفة للعدل، وكفَّة الميزان لا تنحرف لوحدها، هي تخضع للمحيط وما تثيره زوبعة الاختلال والاختلاف في قوة ومكانة القوى الوازنة بالمحيط، وتلك في غالب الأحيان لعبة كبرى، جل صراعات الفكر وتعبيراتها في عراك حولها مستدام.

أيامنا السوداء على سبيل المثال كفّضة الميزان، في بلادنا ليس في صالح الكادح الإنسان، أنها في خلل تبحث عن بَر الأمان بين قوى ومصالح تعددت أطرافها شرقًا وغربًا داخليًا وخارجيًا، والله المستعان على من يقفون خلف الباب من الجوار وآل البيت وممن يدعون وصلًا بليلى وهم لليلى أول من يحتسون على شرفها الكاسات، يبيعون ويشترون بحجج واهية ما أنزل الله بها من سلطان.

نعود لشأن آخر له علاقة بكفَّة الميزان، شأنٌ ترتبط مجرياته بالعالم ككل ونحن ندرك تمام الإدراك بأن الرياح لا تأتي دومًا بما تشتهي السفن فلا السفن ولا قادة تلك السفن من زعماء ودول غالبًا ما يعيدون الحسابات إلا بعد فوات الأوان.

وهكذا رأينا بأن الشمس تجري دون مستقرٍّ لها، وبأن قوى السيطرة تتغير عناوينها مهما حاول الكبار الإصرار على التأكيد بأنهم ما يزالون أباطرة أسبرطة غير مدركين بأن الشمس تجرى دون مستقرٍّ لها، طابع الكون هو الحركة، وتغير عناصر القوة فيها لا شأن لهم بها وإن مارسوا الكذب كثيرًا.

هذه هي قرون رأسمالية شيطان التوسع والابتكار والاحتكار بإصرار، وعبر آلتها القديمة المتغيرة الأسماء والأشكال والألوان من حروب السيطرة والاستئثار تحاول دومًا إبقاء الحال على ما كان عليه، وكأن مركز الكون وحركته يشعَّان دومًا مع قلب النهار الآتي من هيمنة رأسمال تلك المأثمة التي جادلها ماركس أيام بحثه عن فائض القيمة بحثًا عن تعادلية تطيح بالاحتكار والاستئثار وإن اختلت الموازين قامت أساطيل الحرب تنفخ كيرها تبشَّر بخير الاستعمار سابقًا، والخير الأمريكي لاحقًا عبر دولاره الأخضر الرنان المزغلل للعيون المغيِّر للمواقف والأفكار من ذوي الجاه والسلطان، الدولار الملعون الذي بات يحتل أغلب ساحة التداول والمبادلات، وأي محاولة لإزاحته عن عرشه وعن مكانه يعتبر مروقًا وخروجًا عن كنيسة البابا دولار القرن العشرين وفق برايتون وودز ومن يتجرأ سوف تنزل عليه لعنات الرب وحاكم بنك الاحتياط الفيدرالي.

هكذا دمروا على الطريق مشروع التحدي الذي مثَّله الاتحاد السوفيتي فنخروا بداخله حتى سقط وانهار مؤقتًا ليطرب بعدها فوكوياما بأن الدهر بات مِلكًا للدولار وليس لسواه.

ولمَّا بزغ نجم صين أخرى من تحت أنقاض حروب المخدرات والمواجهات، ولمَّا أعاد الروس تُروس تاريخ أمجادهم تجبَّر وتكبَّر عرش الدولار و رمى الروس بخطيئة لا تُغتفر وكيف يتجرؤون على منازلة عرش الدولار!

العم سام لم يأخذ عِبرة الأزمان وراقب دورات التاريخ

غابت عنه حقائق واستمر يشعل الحرائق خارج أرضه فخرج كسيحًا من أفغانستان وقرر الانسحاب من منطقة الشرق الأوسط الذي لأجله خلق الممالك وأنفق الأموال وأقام القواعد لمواجهة شيطان الروس الأحمر وفجأة يصحو من سبات حلم مزعج على روسيا أخرى تدق الأبواب، وبعناوين أخرى أكثر بأسا، تمتلك ترسانة قادرة على الإخلال بكل الموازين فلا يفلُّ الحديدَ إلَّا الحديد.

ماذا تبقى إذن أوربا العجوز التي استخدمها المرابي الأمريكي كما استخدم السيد ماتي عبده عبدًا تابعًا لسيِّدٍ، يرى أوروبا تنهار واحدة تلو أخرى على طريقة لعبة الدومينو ولا يُحرك ساكنًا، لكنه ظل يضحك نفس ضحكته التي كان يضحك بها في الماضي على شعوب الأرض قاطبة، باعتبار أمريكا سيدة الأحلام التي يهفو لجنتها الجميع حتى وصلت أسفل الدرك تقتل الأبناء لسواد بشرتهم، وبشر على ذلك الطريق بالموت الأكيد.

بوتين سيد الكرملين، يكيل الكلمات الواحدة تلو الأخرى لسيِّد البيت الأبيض المصاب بالوهن والخرف تمامًا كعملته، سيدة العملات، الدولار التي ستفقد قريبًا ما تبقى لها من بريق يزغلل وَهَنًا ما تبقى من مسافات السباق.

هذا البريق هو آخر تعابير القوة الأمريكية التي افتقدها أو أضاعها جو بايدن وهو ذاهب برحلته المقدسة التي شبهها البعض بحرب صليبية بمعانٍ لها صلة بعالم اختلَّت موازينه لغير اليانكي الأمريكي، لم يبق إلا الدولار، ولهذا كانت رحلة الفشل لمؤتمر جدة، عدم القدرة على إنتاج مفهوم آخر جديد يضاف لمفهوم البترودولار الذي شكلت ولادته إبَّان حرب عام ثلاثة وسبعين، عاد بيدن بخفَّي حنين، يحمل أحزانًا للحزب الديمقراطي، وأتراحًا للحزب الجمهوري كي ترقصَ على واحدة ونص وعلى حساب الانتخابات القادمة.

وفي المقلب الآخر فقد فاجأه الدهر بأن من حاول حصاره، حصارهم بمؤتمر جدة ها هم يجتمعون في مؤتمر طهران على قلب رجل واحد ومعهم بوتين، الذي حسبوه محاصرًا ها هو يطوي المسافات، يوسع من تحالفاته، وقاعدة أصدقائه وإذ بروبله الضعيف المستضعف يأخذ مكانًا تحت الشمس وإذ باتفاق القمح مقابل الغذاء الذي به حاصرت أمريكا وجوَّعت به شعب العراق ها هو بوتين يفرض شروطه ويأتي بالأمم المتحدة كي تلعب مهامها، ويترك أمريكا وأوروبا العجوز خلف الباب يتلصصان.

بوتين الذي حاولوا اغتياله عبر مهرِّج القمح الجديد زيلينسكي، إذ بالكرملين، بالروبل السعيد يفتح آفاقًا جديدة، حجبتها عن العالم عقوبات أمريكا وأوروبا العجوز.

وعندما ارتد السهم على الرامي، قالوا لبوتين ادخلوها غانمين.

بقي لدينا سؤال نوجهه لأنفسنا العرب ماذا نحن فاعلون بما نملك من عناصر وهبها لنا الزمان وقدمها بوتين على طبق من ذهب! وعلى ذلك كان الغير مرغمين.

وحسابات الزمان جدًا عسيرة، واسألوا بايدن إن أردتم المزيد ستجدون بوتين يقهقه من على منصة الكرملين.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى