عدن.. ما ظهر منها وما بطن

> بعد أن تحررت عروس البحار عدن من الحوثة 2015 م وعدنا إلى قواعدنا الأكاديمية لتدريس طلابنا، أحببت أن أجس نبض الشباب من الطلاب في القاعة ممهدًا لذلك بالحديث عما اجترحه شباب عدن من أسطورة الدفاع عن مدينتهم، وضربت لهم مثلا باستشهاد أكثر من عشرين شابًا من حي الأحمدي بخور مكسر ممن ترعرعوا أمام ناظري عندما كنت ساكنًا في هذا الحي.

سكت لبرهة وأنا أتفحص وقع كلامي عليهم، ثم اتجهت إليهم سائلًا الأول متعمدًا:

- أنت من أين؟

فاعتدل في جلسته وقال بحدة: من عدن، قلت له أقصد أصلك من أين؟، فقال بنبرة حادة: من عدن.

واتجهت إلى البقية فكانت إجابتهم نفس إجابة زميلهم وكأنهم قد اتفقوا على ذلك.

تمعنت في وجوههم ونفسي تكاد تطير فرحًا ثم قلت: تعرفوا يا شباب نحن انتصرنا في الحرب بإجابتكم هذه.

تذكرت هذه الواقعة وأنا أقرأ في وسائل التواصل الاجتماعي كلامًا لمجموعة تنظيرية تفصل عدن على مقاسها فقط، وبنكهة تنبعث منها نتانة التعصب والعنصرية وتزوير التاريخ.

وأريد هنا أن أعيد ما أورده اللغويون والمؤرخون عن تعريف عدن وجعله من (العدون) أي المكوث والإقامة. ويعني - من وجهة نظري - الانفصال عن الطبع والتطبع بمزايا المكان (عدن) سوسيولوجيا وسيكلوجيا والاندماج فيه حتى يغدو التطبع طبعًا أصيلا في هذا الفرد أو ذاك.

تمامًا كما نقول عن العروبة إنها بالولاء وليس بالدماء، فما قدمه صلاح الدين الأيوبي وهو (كردي) للعرب والمسلمين أكثر مما قدمه بعض العرب.

فالعبرة ليست بالأقدمية أو بالأصول وإنما بالعدون و التعدن، وإلا لكنت أنا (اللحجي) أحق بعدن من غيري بالأقدمية؛ لأن (عدن) سقطت بيد الإنجليز عام 1839م وهي عاصمة لحج وسلطانها محسن العبدلي.

يقول القمندان عن عدن في بداية القرن العشرين: عدد سكان عدن خمسين ألفًا من سائر الأجناس الإفرنجي والفارسي والهندي والصومالي ومن سائر شعوب أفريقيا وآسيا.

طبعًا إلى جانب سكانها الأصليين، أما المصريون فصلتهم بالمدينة تسبق الجميع، وقطعًا الكل قد تعدنوا وأصبحت المدينة فسيفساء إنسانية نادرة، حيث تلتقي الأثنيات والمشارب والأهواء والأديان والملل والنحل والمذاهب بتعايش قل نظيره في العالم أجمع.

فهذه المدينة هي أم مدن العالم العامرة مذ فجر التاريخ.

ويأتي في (هدية) القمندان عن أهل عدن ما يلي: (أهل دين وتواضع ومكارم أخلاق يحسنون إلى الغريب ويؤثرون الفقير ويعطون حق الله من زكاة على ما يجب).

أيًّا كان الفرد وقد (تعدن) وتخلق بقيم وأخلاق هذه المدينة فهو عدني. ولا ينفع إن عاش في عدن مائة عام وجيناته في قطيعة مع التعدن مسكونا بمنطقته الأصل وعرفها وتقاليدها فهو ليس بعدني أطلاقًا.

فمن أراد أن يغسل أدرانه بماء حقات ويشرب من بئر الزعفران ويستسقي الله أن تمتلئ خزانات الصهاريج، وأن يخلع جلد المناطقية والقبلية والشللية والبلطجة واستعراض القوة والاستيلاء على أراضي عدن وممتلكاتها بقوة النفوذ والسلطان فهو عدني والعكس هو دخيل عليها وسيخرج منها كما خرج كل الدخلاء.

ورحم الله مسرور مبروك القائل عن الإنجليز:

من دخل بالغصب يخرج بالصميل

با تخليه أرضنا خاضع ذليل

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى