​المرضى النفسيون.. بين عطف المجتمع والاتهام بـ«الجاسوسية»

> تقرير/مريم مهيوب المسعودي

> تعيش اليمن تقلبات سياسية واقتصادية واجتماعية منذ سنوات، أثر ذلك الوضع على جميع مناحي الحياة لدى الإنسان في العاصمة عدن.

وهذه المتغيرات لابد لها أن تؤثر على معيشة الإنسان، وبات من الصعب أن ينجو منها المواطن دون التعرض لصدمات نفسية تقوده إلى"الجنون".

في استطلاعنا التالي نستعرض ظاهرة نراها ونتحدث عنها في المجالس وعلى متن وسائل النقل، ولكن نتناساها بمجرد انتهاء لحظة مشاهدتها.

أصبح ملاحظًا للعيان ازدياد أعداد المرضى النفسيين وهم يتجولون في شوارع العاصمة عدن، دون تدخل من السلطات.

 وفي المقابل تصاعد الشعور بالخوف والقلق من تفشي هذه الظاهرة خصوصًا لدى النساء والأطفال.

لا نستطيع أن نتجنبهم في الطرقات لأنهم يظهرون فجأة.

ولا نقوى على النظر إلى أعينهم، فهم يبرقون السائر من حولهم بنظرات الوعيد وهم يرتدون ملابس رثة وغير مألوفة.

يجدهم المار في الأزقة يتحدثون مع أنفسهم، تشتم منهم رائحة كريهة، وأيديهم متسخة بالقاذورات، وشعرهم أشعث.

لا يأمن الشخص منا على نفسه من المرور بجانبهم فقد يتعرضوا للمار بما أمسكت أيديهم من أداة حادة، ووقتها سنحاسب من؟

كم من امرأة كُشفَ سترها، وصاحب عمل تضرر عقاره، وطفل تلازمت الكوابيس في منامه بعد أن شاهد أحد منهم.

تقول"أم محمد" "لقد حدث لي موقف مؤلم في سادس أيام عيد الأضحى، فقد ذهبت مع أطفالي إلى مدينة"كريتر" وإذ بامرأة مسنة تناديني فجأة، في البداية ظننت أن هناك أمر ضروري ولم ينتابني الشك منها، خصوصًا أنها تبدو من هيئتها وهندامها  أنها بكامل وعيها، وفي اللحظة التي اقتربت مني أمسكت بي وهي تصرخ وتدعي أنني ضربت ابنتها، وقامت بضربي، وحاولت نزع برقعي وحجابي، ولولا لطف الله لأصبحت مكشوفة الرأس أمام الناس، ولكنهم أبعدوها عني بالقوة.

أما ابنتي ذات الست سنوات تضررت نفسيتها كثيرًا، منذ الحادثة وإلى اليوم وهي تحلم بتلك المرأة وتستيقظ فزعه بسببها".

وبخصوص عدم وضع بلاغ في قسم الشرطة، قالت "وماذا سيفعلون لي؟".


مواطنون: لماذا تتركهم السلطات أحرار طلقاء في الشوارع؟

يتعجب المارون الذين التقتهم "الأيام" من عدم قيام السلطات بحملة لتجميعهم وأخذهم إلى دور الرعاية أو مستشفى الأمراض النفسية والعصبية في منطقة عمر المختار بمديرية الشيخ عثمان؟

يتساءلون عن السبب وراء إعطائهم الحرية الكاملة بالتجول وإخافة الآمنين.

وفي الوقت ذاته لماذا تتنصل الجهات الحكومية عن الإمساك بهم بدلا من التزام الصمت، وكأن الأمر لا يعنيهم.

مارة يتعرضون لاعتداءات جسدية ونفسية فإلى من يشتكون؟

وخلال الأشهر الماضية تعرضن مجموعة من النسوة لنفس الموقف من تلك المرأة التي تمسكهن لتدعي أنهن ضربن ابنتها.

فتاة من مدينة كريتر تخشى دائمًا المرور بجانب المرضى النفسيين وينتابها القلق الشديد عند رؤيتها لهم، وتظل في قلق من بطش أحد منهم وهي غافلة عنه في طريقها، معبرةً عن استيائها من كثرة وجودهم في عدن، وسألت إلى متى ستظل شوارعنا مرعبة؟

بينما تقول إحدى الأمهات "نخشى من أذية (المجانين) لبناتنا وكشف سترهن أمام الرجال".

المواطن عوض مهدي طالب أن يفرض القانون على هؤلاء، وإنزال العقوبة على ذوي المرضى النفسيين لتركهم مرضاهم أحرارًا في تحركاتهم بالشوارع.

ذهبت شقيقة امرأة التقت بها "الأيام" في مديرية المعلا لشراء بعض الحاجيات، لترى رجلًا يتصرف بغرابه ويصرخ ويشد شعره ويدفع كل من اقترب منه لتهدئته وكان يمسك بالحصى ويرميها على بعض المحلات أمامه، وفاجأها بالتقدم نحوها، لكن عناية الله كانت حاضرة فقد أمسك به بعض الرجال، وصرخوا بها أن تبتعد من هنا قبل أن يؤذيها، ومن ذلك اليوم ولم تذهب أختي لذلك المكان نهائيًا.


حادثة أخرى حصلت للسيدة نورة أحمد عوض عندما همَّـت بركوب حافلة وإذ بامرأة بدت هيئتها غريبة، لم تكن بحالة طبيعية وهي تصرخ من خلفها وتناديها، فاضطرت نورة أن تصعد الباص خوفًا منها وسط دهشة من الحاضرين.

السيد (عبده غالب) أفاد بأنه قد كثرت في الآونة الأخيرة بروز ظاهرة انتشار المرضى النفسيين في شوارع العاصمة عدن، نراهم في كل زاوية وهم نائمون و جالسون، منهم من يمشي وهو يحدث نفسه، وآخرون في حال أنفسهم لا يؤذون غيرهم، وعلى العكس نصادف مرضى نفسيين لايتركون صغيرًا ولا كبيرًا في حاله، يقومون بقذف الحجارة أو رمي الأوساخ، ومنهم من يتعرض للناس بالضرب.

وأبدا غالب استغرابه من صمت قسم الشرطة وكذا المسؤولين المعنيين عنهم، مستطردًا أن نقلهم من الشوارع إلى المصحة النفسية أرحم لهم من حالة التيه في الطرقات وإيذاء الناس.

روت إحدى القصص من العاصمة اللبنانية بيروت أنه وفي العام 1982م وخلال الحرب الأهلية اللبنانية والاجتياح الإسرائيلي للبنان ظهر فجأة شخص أبكم (أخرس) يستعطف الناس في الشوارع فظنوا أنه مريض نفسي ورحموه وكانوا يقدمون له الطعام والشراب حتى قامت الحرب اللبنانية الإسرائيلية، والتي كانت في نهاية المطاف لصالح الإسرائيليين.

فاقتربت دورية عسكرية إسرائيلية منه وهو مُـستلقٍ على الأرض في منطقة (الحمرا) وعندما أصبحوا على بعد خطوتين منه انتصب قائمًا ورفع رأسه إلى الأعلى وأدى التحية العسكرية ورد العسكري بتحية وقال له: "باسم جيش الدفاع الإسرائيلي أحييكم سيدي العقيد وأشكركم على تفانيكم في خدمة إسرائيل فلولاكم ما دخلنا بيروت".

إذاً فماذا عن هؤلاء (المجانين) المنتشرين في العاصمة عدن؟

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى