مهندسون متخرجون لـ"الأيام": أنشؤوا المصانع بدلاً عن الـ«مولات»

> تقرير/ أحمد زكي

> خدمات حيوية كثيرة تمس حياة الناس في العاصمة عدن لا تقوم لها قائمة إلا على أيدي المهندسين.

الاتصالات، والميناء، والكهرباء، وشبكات الأنظمة الرقمية، والمصانع، والمباني، وشبكات الطرق، والأنفاق، والجسور، وغيرها الكثير. فأين هم من تلك المجالات المتعددة؟


هل استوعبتهم الحكومة ووظفتهم لإعطائهم حقهم المكفول لهم بالقانون كونهم ذوي تخصص؟

وبالمقابل كيف ستكون ردة فعل الطالب المتخرج من كلية الهندسة بعد أن يقضي خمس سنوات من عمره بالجد والسهر ثم يذهب إلى زاوية حارته لكي يمضغ القات؟

"الأيام" حملت على عاتقها أن تستمع إليهم لإيصال رسائلهم للحكومة التي ضيعتهم وغفلت عنهم، وكذلك لرجال الأعمال الذين غلب على طبعهم توظيف الأقارب ممن هم ليسوا من ذوي التخصص وذلك من خلال إجراء اللقاءات التالية.

شهائد الـ"بكالوريوس" معلقة في جدران منازلنا


المهندس محمد نجيب علي استلم شهادته الجامعية من قسم (الميكانيكا) في العام 2013م تحدَّث بصدمة حيث وأنه منذ تخرجه إلى اليوم لم يعمل في تخصصه الهندسي، وما زال يبحث عن عمل.

وقدَّم ملف شهادته إلى معظم المصانع والمحطات الكهربائية ولكن دون جدوى، وبغصة حزن لم يستطع أن يجيب عن سؤالنا حول سبب عدم قبوله في كل تلك الأماكن، مشيراً إلى المعدل العالي في شهادته قائلاً "إن الكثير ممن تخرجوا بمعدلات هابطة استطاعوا أن يتوظفوا بالمحاباة والمجاملات".

من جانبه، أوضح المهندس (إسماعيل محمد) الخريج من كلية الهندسة قسم (IT) في العام 2017م أنه بعد المعاناة الكبيرة التي عاشها في دراسته طوال خمس سنوات والجهد الذي بذله أصبح يعمل محاسباً في إحدى المحلات، وهو تخصص بعيد كل البعد عن ما تعلمه، فهل يرفضه ليجلس يمضغ القات في ركن حارته؟، مبدياً تعجبه من الظلم الواقع عليهم في تصنيف أرباب الأعمال لخريجي هذا التخصص بالعاصمة عدن كـمدخلي بيانات (HR) وليس كمبرمجين، مضيفاً أن التخصص الأول لا يمت للتخصص الثاني (IT) بصلة، ومع ذلك لا توجد سوى شركتين اثنتين فقط متخصصتين في هذا المجال، والتوظيف فيهما محتكر للمقربين ومن يعرفونهم فقط، وهما شركتي (يمن سوفت، والعرب سوفت).

أما المهندس وسام بدر فهو خريج قسم (IT) ويعمل أمين صندوق في إحدى المؤسسات وهو متحسِّر على دراسته الخمس السنوات التي انقضت من عمره وتحطمت في أبواب خزانة نقود التاجر التي يحرسها، ويظل يتفكَّر بأحلامه القديمة عندما كان يسأله معلمه في الصفوف الابتدائية الأولى عن التخصص الذي يطمح إليه، فيُجيب بأنه يريد أن يكون مهندساً في المستقبل.


والتقت "الأيام" بالخريجين (أيمن ياسر، وسلطان فؤاد، وعلي البادري) وجميعهم تخرجوا من قسم الهندسة البحرية والتي تُصنَّف كأصعب دراسات أقسام كلية الهندسة، فتحدَّث زميلهم المهندس (البادري) قائلاً "إنه في كل عام يتخرج ثلاثون مهندساً بحرياً والكثير منهم يعملون خارج تخصصاتهم، ليتجِّه معظمهم إلى العمل في مجال الهندسة الميكانيكية بالمصانع والمحطات الكهربائية، والسبب عدم وجود شركات بحرية لديها سفن، وإن وُجِدَت لدى بعض التجار الكبار يقوم باستقدام طاقم أجنبي".

لكنه استدرك حديثه بضرورة تفعيل الموانئ اليمنية وخصوصاً ميناء عدن الدولي والذي إن تم تشغيله سيستوعب معظم المهندسين من جميع تخصصاتهم الهندسية في البلاد.

المهندس محمد أنور أنهى دراسته الجامعية من قسم الهندسة المعمارية عام 2020م ويعمل في محل للطباعة والإعلان ويقوم بتصميم لوحات إعلانية بدلاً من تصميم البنايات العمرانية والتي هي من صميم تخصصه الجامعي.

ووضع محمد أنور مثالاً عن ما يحدث له ولزملائه قائلاً، "إن المقاول الذي يتسلَّم عمل إنشاء بناء عشوائي، فإنه بالتأكيد يطلب منه مالك المشروع تصميماً لبنايته، فيقوم المقاول بأخذ تصميم من أحد معارفه دون الإشراف عليه من قِبَل صاحب المبنى أو إخضاعه لرقابة رسمية من مكتب وزارة الأشغال العامة والطرق، وبذلك يتم إقصاء المهندس المعماري من عمله ومجال تخصصه.

ولأن المصانع قليلة العدد في المحافظات فالبطالة تزداد يوماً عن يوم، هكذا ذكر المهندس (أحمد حسن) من خريجي قسم الكهرباء في العام 2018م، مضيفاً أن على الحكومة إذا أرادت القضاء على بطالة المهندسين فإن عليها الاهتمام بتوظيفهم من خلال إنشاء بنية تحتية جديدة وصيانة القديمة في البلاد، وهو ما أكد عليه زميله المتخرج من نفس القسم (دهام المرتني).

ويمارس أحمد حسن مهنة تسليك الكهرباء في المخططات العمرانية بدلاً عن تصميم المحطات الكهربائية أو مصانع الكهرباء والتي تدخل في تخصصه ذو الخمس سنوات.

 بينما مهنة التسليك اكتسبها عندما التحق بدورة تدريبية لمدة شهرين في أحد المعاهد، ويستطع أي شخص أن يلتحق بها حتى إذا لم يتخرج من كلية الهندسة.


بعد مرور خمس سنوات من الدراسة أصبحت جندي بالجيش

لقد اخترت أن أعمل عسكرياً في إحدى الأجهزة الأمنية امتثالاً لقول هذه الحكمة (مكره أخاك لا بطل) بدأ المهندس (عبدالله ثابت) كلامه بصوت المتألم وهو الذي درس في كلية الهندسة قسم اتصالات وأنهاها في عام 2019م، معبراً عن امتعاضه عندما يشاهد مهندسين متخرجين يرغبون بالعمل كجنود جنباً إلى جنب مع جندي أمي لا يجيد القراءة ولا الكتابة.

المهندسون الذين التقتهم "الأيام" ناشدوا رئيس مجلس الوزراء المهندس معين عبدالملك أن يلتفت إلى خريجي الهندسة لعلمه أنهم وقود هذه البلاد، مشيرين إلى أنه كان يدرس في قسم المعمار ويعلم ما مدى الجهد والإرهاق عند دراسة الهندسة، وطالبوه بأن يقوم بالاستثمارات في مجال البنية التحتية، موجهين دعواتهم لرجال الأعمال أن يقوموا بإنشاء مصانع جديدة والاستثمار في هذا القطاع الصناعي الذي يُـدِر على رأس المال الخاص والحكومي مبالغ طائلة وبنفس الوقت يمنح المهندسين الفرص للعمل والإبداع.

مهندس متفوق خريج وعاطل عن العمل دعا عبر "الأيام" إلى الاعتراف بأن سبب البطالة بين أوساط المهندسين هي ندرة المصانع وعدم التفكير بإنشائها، بالرغم من ازدياد أعداد مراكز التسوق (الاستهلاكية) أو ما تُسمى بـ(المولات) في العاصمة عدن، ومع قِلَّة وجود المصانع فإن القائمين عليها يقومون بتوظيف أقاربهم فقط، لافتاً إلى أن في حال أن بُنِيت المصانع الكبيرة والمتوسطة ستؤدي إلى نتائج إيجابية في مكافحة البطالة لدى خريجي كلية الهندسة، حيث كانت المصانع المتوسطة تستوعب أكثر من 600 موظف على الأقل، منهم نحو 250 مهندسا من معظم التخصصات، فما بالكم بالمصانع الكبيرة والتي باستطاعتها استيعاب أكثر من 1600 موظف من المهندسين.


واختتم حديثه بدعوة التجار ورجال الأعمال للاتجاه نحو بناء المصانع لأنها رمز للانتعاش الاقتصادي وحاضنة للآلاف من خريجي كلية الهندسة بمختلف أقسامها، وهي أعمدة نهوض البلدان، مطالباً بالكف عن افتتاح أسواق تجارية، ومولات جديدة، فهي وسائل تجارية تستنزف طاقات البلاد الهشة أصلاً.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى