​وانطفأ (شهاب) النور والأدب

>
في أوطاننا التي أثخنتها جراح الصراعات،  لاحظوة ولاعزاء لأهل العلم والفكر والأدب والإبداع ، ولابواكي لهم في وطن  لارواج فيه إلا لأهل العربدة والسفالة ، حيث تجتاح الحياة فوضى عارمة تطمس كل قيم الحياة الجميلة.

في ظل واقع هذا السقوط المدوي للإنسان ومعيشته وكرامته وحقوقه، وفي مشهد قاتم يتسيده الأراذل والنكرات  ماذا سيبقى  لأهل الفكر والعلم ورموز التنوير غير الموت غبنًا وكمدا.

تتوالى مشاهد الموت تباعًا وتخطفُ يدُ المنون رموز الإبداع والتنوير والثقافة ، ويمضون في موكبٍ صامت بلاضجيج مثلما عاشوا صامتين على هامش هذه الحياة البسيطة ، وحتى أوجاعهم وأنينهم لايسمعه أحد ، وماكانت حياتهم تهمهم ، ولاسعوا  على أبواب الوزارات للشكوى أو البكاء للحفاظ على ماتبقى من نصف نبض في قلوبهم المكدودة ، بل كانوا  على كل هذه الآلام يبتسمون للحياة  وينشدون النور والفضيلة.

صدمني مثل غيري رحيل د. شهاب القاضي ( الشهاب) الذي غاب نوره  مساء الاثنين  22/  8/ 2022 م.

أومأت إلى تلفوني  بعد أن فرغت من تصحيح بعض الملفات  وقراءة ماوجب علي قراءته فإذا بصورة هذا ( الشهاب)  البشوش تطل أمامي في مجموعة اللغة العربية بنور ذاك  المحيا الباسم  وببريق أسنانه ،  وبضحكته وشعره المتسلسل  ، فظننت أنها فعالية أدبية سيكون د. شهاب أحد النقاد الذي سيسعدنا مشاهدته في بلورة عمل أدبي ، أو الاحتفاء بقاص معين ، ومادار بخلدي  أن الدكتور لبيب سيصدمني  ويفجعني بتوقف نبضات هذا القلب الكبير.

 لروحك السلام أيها الراحل البشوش ، وعتبنا على أنفسنا أننا لم نشعر بوجعك الكبير الذي هد روحك الجميلة ، وعتبنا عليك أنك كنت حريصا على هذا الوطن ، وعلى المشهد الثقافي المترنح أكثر من حرصك على حبات الأسبرين  اللاتي  تصرف قيمتها لما أستطعت عليه من قنينات الماء  للحاضرين في فعالية أدبية، وتركت نبضات قلبك تتسارع  حتى توقفت  وأنت قابض على اليراع الذي جف حبره الآن.

عتبنا عليك أنك كنت حريصًا على اللغة والأدب والثقافة والتنوير ، وماراعيت روحك الحساسة المنهكة ، ونفسك المترعة بأسى هذا الوطن الجريح ، وقد دنا الموت من قلبك الكبير.

كنت تفلسف النصوص وتغوص في أعماقها وجزئياتها  ودلالاتها ، ونحن نستمع ثمالى بمتعة الأدب ومتعة روحك ونحتسي القهوة  ونشرب الماء الذي تتجابرون قيمته أنت وزميلك د. باقيس وآخرون، باقيس هذا الذي كنت ظله وصنوه  وكان ظلك ، وكنت جناحه التي يحلق بها فبقي الآن على جناح واحد  لايقوى على الطيران.

حياة العلماء والشعراء والكتاب وأهل الفكر  مختزلة ياصديقي الراحل ، يعيشون بصمت ويرحلون بصمت.

رحل قبل أيام الشاعر والقاص الروائي  وليد دماج  ،الذي وصل في تعبيره عن آلام الناس في سردياته إلى العيش مع المجانين لسنتين أكثر ، ليرصد جزئيات هذه الفئة التي لايحس أحد بعالمها ، حتى لكأنه كان يتنبأ أن تعداد هذه الفئة سيكبر ، وأن هذا الوطن لاتوسع فيه لغير المقابر والمصحات النفسية.

سيبكيك أهل الإبداع والثقافة والفكر والأدب ، وستبكيك كلية الزراعة ، وستبكيك لحج ، وسيبكيك الوطن الذي نخر عظامه الفاسدون .

رحمة ربي تغشاك دكتور الزراعة، والناقد والكاتب اللامع شهاب القاضي ، ورحم الله وليد دماج ، وكان الله في عون من تبقى له نبض من كل الغرباء .


> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى