​وضع العمارة في عدن بحاجة لسن قانون بناء متكامل

> د . ابتسام عبدالله ناصر

> تقودنا بدايات نشأة العمارة السكنية وتوسعها وتنوع أنماطها في مختلف أحياء مدينة عدن إلى تأكيد حقيقة مفادها أنها من أهم المدن الحضارية على مر التاريخ كونها حملت الصفات والسمات الحقيقية لجوهر وصبغة المدن الكوزموبوليتانية العريقة، فهي مدينة لا تعرف الجمود ولا تعترف بالحدود بموقعها الجغرافي الفريد، وقد مرت هذه المدينة بمراحل ومنعطفات تاريخية وسياسية هامة ابتداءً بمرحلة الاحتلال الانجليز ي (1839م - 1967م) ومروراً بمرحلة مابعد الاستقلال (1967م - 1990م) وانتهاءً بمرحلة مابعد تحقيق الوحدة اليمنية بين كل من الشطرين الشمالي والجنوبي (1990م - 2021م) ولازمت جميع هذه المراحل مجموعة من المتغيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والإدارية التي كان لها انعكاساتها الكبيرة على واقع البناء في المدينة وعلى رأس هذه المتغيرات الجانب التشريعي (قوانين وتشريعات البناء) التي تراوح تأثيره بداخلها مابين قوة حضور وفاعلية خلال مرحلتي الاحتلال ومابعد الاستقلال ومابين غياب ونواحي قصور وتراخي في التطبيق خلال مرحلة مابعد عام 1990م والتي صدرت خلالها المنظومة التشريعية اليمنية للبناء وبالرغم من ذلك فقد ظهرت مع صدور هذه المنظومة مظاهر الفوضى والعشوائية داخل المناطق السكنية للمدينة، وفقدت الأحياء التاريخية بداخلها جمال طابعها المعماري، وتدهور التشكيل العمراني لبيئتها التقليدية، كما برزت حالة من التنافر الشديد بين هذه البيئة والبيئة العمرانية المعاصرة وجاءت الحرب الأخيرة بانقلاب الحوثيين على الشرعية لتزيد الطين بلة، حيث ازدادت حالات النزوح إلى المناطق الجنوبية وخاصة إلى مدينة عدن الأمر الذي كان له انعكاساته السلبية على البناء والعمران في داخلها.


ونظرا لفظاعة جرم ما شهدته العمارة السكنية على وجه الخصوص في مدينة عدن واستمرار هذا الجرم حتى اللحظة للأسف فسوف أكتفي هنا بالحديث ولو بإيجاز عن المرحلة التي بدأ معها الفوضى وألا نظام داخل هذه المدينة ألا وهي مرحلة ما بعد عام 1990م حيث بدأ معها عهد جديد في ظل الوحدة التي تحققت بين الشمال والجنوب واكبته مجموعة من المتغيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والادارية، ترتب عليها تغيير في الأنظمة والقوانين الشطرية، واستغرقت صياغة القوانين في الدولة الجديدة وقت طويل لترتيب الأمور،  فنتج عن ذلك ظهور البناء غير الآمن، والعشوائي الذي أمتد ليقضي على المناطق المسطحة والمنحدرات الجبلية القريبة من مناطق الخدمات وضواحي المدن الجنوبية الرئيسة والثانوية، كما بدأت في بعض المدن حركات عمرانية غير منظمة أو مسؤولة.


وتأتي مدينة عدن في مقدمة المدن التي عانت من إرهاصات هذه المرحلة ومنذ البداية، فإلى جانب انتشار مناطق البناء العشوائي فيها كانتشار النار في الهشيم، تعددت المخالفات المعمارية والعمرانية في مختلف مناطقها وأحيائها السكنية، واستبدلت بعض مساكن البيئة العمرانية التقليدية بمبانٍ سكنية جديدة لاتعكس طابع وهوية المكان، وظهرت مناطق سكنية جديدة بمفردات سطحية ومعاصرة، ومن ناحية أخرى شهدت المدينة حركة عمرانية واسعة خلال هذه المرحلة وخاصةً بالفترة مابين (1990م - 1997م) اتسمت بالعشوائية والاستعجال مما أثر سلباً على استعمالات الأراضي والفراغات، وشكل ومضمون المباني وذلك لعدم القدرة على ضبطها وفق معايير واشتراطات مناسبة، فأدى كل ذلك إلى تدهور البيئة الحياتية في المدينة، وتحولت معظم أحيائها إلى بؤرة من مخالفات البناء والمظاهر السلبية مما أثّر على طابعها المعماري وتشكيل نسيجها العمراني المتجانس.

د . ابتسام عبدالله ناصر
د . ابتسام عبدالله ناصر

وبعد التقسيم الإداري الذي صدر من قبل مجلس الوزراء رقم (4) لعام 2001م تحولت أحياء المدينة (كريتر- المعلا - التواهي- خورمكسر- البريقة (عدن الصغرى) - المنصورة - الشيخ عثمان - دار سعد) إلى ثمان مديريات، وتشير الإحصائيات لعام 2000م وبحسب ما جاء في كتاب الإحصاء السنوي للجهاز المركزي بأن عدد سكان محافظة عدن بلغ حوالي "526146" نسمة ومساحتها قدرت بـ"3460 كم2" وفي عام 2002م بلغ عدد السكان "900,000" نسمة، وبهذه الزيادة السكانية المضطردة زاد حجم التوسع العمراني الأمر الذي كان له انعكاساته الكبيرة على شكل ومضمون العمارة السكنية في المدينة خلال هذه المرحلة.


إن ما تعرضت له مدينة عدن من تدهور في بيئتها العمرانية خلال العقود الثلاثة الأخيرة وخلال الحرب العبثية الأخيرة والتي مازالت مستمرة حتى اللحظة يستدعى بالضرورة إجراء عملية إنقاذ سريعة للبيئة المبنية والبيئة التقليدية فيها خاصة وذلك من قبل القائمين على هذا الأمر، وعمل محاولة منهم لخلق حلقة وصل بينها وبين البيئة المعاصرة بحيث تضفي هذه المحاولة الطابع الخاص لها، النابع من خصائص العمارة العدنية التقليدية، وبشكل يلائم تطورات العصر والتقدم التكنولوجي وخاصةً في المناطق التي شهدت حركة عمرانية كبيرة في مجال الإسكان، وتبرز هنا أهمية القوانين ولوائح البناء كأحد أهم أساليب انقاذ العمارة وإعادة تنظيمها وصياغتها في هذه المدينة ولن يتأتى ذلك الا بإعادة النظر في قوانين تلك المنظومة ومعالجة نواحي القصور فيها أو بوضع قانون بناء متكامل خاص بهذه المدينة وذلك للخصوصية التي تتمتع بها مدينة عدن في مختلف أحياءها السكنية ولحاجة هذه المدينة إلى هذا القانون لا سيما بعد الحالة المزرية التي آلت إليها في ظل سرطان العشوائيات والنشاط العمراني غير الممنهج.

"كلية الهندسة - جامعة عدن"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى