عدن والزمن الذي لم يأت بعد

> إنها العروس الجميل التي تفتح ذراعيها لكل من سكنها وتمنحه الحب والأمان، ولذلك فهي تستحق الاهتمام ورد الجميل.

مدينة عدن هي المدينة التي أطلق عليها اليونان عروس بحر العرب ومركز العرب التجاري والعربية السعيدة، وصفها المقدسي في كتابته (أحسن التقاسيم) بقوله: عدن بلد جليل، عامر، حصين دهليز، وخزانة المغرب، ومعدن التجارات، كثير القصور، مبارك في دخله، وثير لمن سكنه، مساجد حسان، ومعائش واسعة، وأخلاق طاهرة، ونعم ظاهرة.

مدينة عدن تعيش حربا مفتوحة مع أعداء التاريخ، لكنها تقف بقوة في وجه التغير وصراع مرير مع العبث والطمس الممنهج تارة باسم الاستثمار وتارة أخرى باسم التطور، لكن كل تلك المبررات لا تطوير منها ولا استثمار ولا مقصد منها غير طمس الهوية وتزوير للتاريخ.

لم يكن الاستعمار البريطاني أول أو آخر تحد تقابله عدن، بل لحقه احتلال يمني عسكري قبلي متخلف كان أشد ظلما وعدوانا، لقد حاولت عدن كثيرا أن تحافظ على البقاء، لكنها أرهقت حد الجثو على ركبتيها.

وما يؤلم حقا هو أن تعاني وتواجه ذلك الصراع لوحدها على مرأى ومسمع من شعبها، بعد كل هذا العذاب الطويل، فلماذا مازالت ضحية صراع قديم متجدد؟ لماذا نتركها لحالها تصارع أطماع المتنفذين؟

عدن المدينة عانت كثيرا ودمرت معظم معالمها التاريخية والسياحية والأثرية، وقد تحسر الرحالة العربي أمين الريحاني عليها، في كتابه(ملوك العرب)، قائلا أين سورك الذي كان يطوق الجزيرة يا عدن؟ أين قصورك التي تفوق قصور ابن ذي يزن؟ وأين مساجدك ذات القباب البيضاء الزرقاء والمآذن الدقيقة البناء؟ وأين آثار أدبائك وشعرائك ومن كان يمشي شامخ الرأس تحت لوائك؟

يا ترى يا ابن الريحاني أين هي الآن بعد قرن من الدمار والطمس؟ بماذا ستصفها لو رأيتها بعد أن دكت بمدافع الحاقدين والمستعمرين من الداخل؟

لقد هدمت مساجدها ودمرت معالمها وحصونها ودكت أبوابها وجبالها دكا، لا تتعجب مما أقول: إنها الحقيقة المرة، فعدن لم تتعرض للتدمير الممنهج بكل مراحلها التاريخية مثلما تعرضت له خلال الثلاثة العقود المنصرمة.

في نهاية القرن العشرين استشعر بعض أبنائها الشرفاء المسؤولية، فسعوا جاهدين إلى أن يرسموا ملامح تلك المدينة، فتركوا خلفهم كتبًا عظيمة من وحي التاريخ، (هدية الزمن في أخبار ملوك لحج وعدن) للأمير أحمد فضل العبدلي القمندان، وكتابي (تاريخ عدن، وجنوب الجزيرة العربية) للمؤرخ حمزة علي لقمان، ومؤلفات أخرى للمؤرخ عبدالله محيرز، هي (صهاريج عدن)، (كتاب العقبة)، وكتاب (صيرة)، وكتاب (عدن)، ودراسات المؤرخ حسن صالح شهاب، حول (عدن الفرضة)، و(عدن المدينة)، و(عدن السلطنة).

لقد حاول هؤلاء المؤرخون أن يرسموا ملمحا مما تبقى من مدينهم الساحرة، لعل زمن جميل يأتي، ليرد الجميل لتلك الفاتنة.

إن جل ما كتبه هؤلاء المؤرخون كانت أعمال نابضة بالحياة معبرة عن صور حقيقة لأحداث ومعالم ما زال بعضها باقيًا يتحدى موجه العبث والطمس والتغيير الممنهج والزحف العمراني والبشري المدمر لكل جميل.

أما بعد.. فهل آن الأوان لأن ترى عدن النور وتتنفس الصعداء بعد الألم الطويل والصبر الجميل. إنها هويتنا وتاريخنا وحضارتنا يا سادة، إنها التنمية المستدامة للأجيال القادمة.

برقيات عاجلة
البرقية الأولى: إلى القائد المناضل حامد لملس وزير الدولة ومحافظ عدن ضع معالم عدن نصب عينيك فهي مجد لتاريخك وهويتك، فمتى ما صنتها نلت من مجدها وعبق تاريخها نصيب.

البرقية الثانية: إلى مثقفي وأكاديميي وشباب ومواطني عدن والجنوب إنها جزء من تاريخكم أعيدوه إلى مصاف قمة المجد التليد، لتنالوا عزتكم وكرامتكم، فمن لا تاريخ له لا حاضر له.

اللهم إني بلغت اللهم فاشهد.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى