> صلاح بن غالب
"قبل ست عقود من الزمن، كان هنا جمرك المفاليس، وهو المنفذ البري الرئيسي إلى مدينة عدن (جنوب اليمن)". بهذه الكلمات بدأ أحمد نعمان حديثه لـ"خيوط"، مضيفًا: مع حلول سبتمبر من كل عام، يتذكر اليمنيون حكم الأئمة للشطر الشمالي لليمن وفرضهم للزكوات والجبايات المالية من قبل شخص يتم تكليفه من قبل الإمام يطلق عليه "العامل".
يتذكر نعمان أنه كان يوجد خمسة منافذ برية في جنوب محافظة تعز آنذاك، هي: (جمرك الراهدة - جمرك ضوكة "القبيطة" - جمرك المفاليس - جمرك معبق - جمرك الزريقة)، لكن أشهرها على الإطلاق جمرك المفاليس بمديرية حيفان (جنوب تعز) الذي كان متاخمًا لمحافظة لحج الخاضعة أيام حكم الإنجليز، وكانت تمر عبره أنواع البضائع المختلفة إلى نواحٍ شتى من مديريات الحجرية، وأنّ كلّ البضائع التجارية القادمة من الحبشة والهند عبر ميناء عدن يتم ترحيلها إلى جمرك المفاليس، فيأمر عامل الإمام بإدخالها إلى مكان يسمى "الزريبة" لجمركتها وتوريد تلك المبالغ إلى بيت المال.
ترحيل الجبايات
مؤكّدًا أنّ الجبايات لم تكن مقصورة على البضائع فقط، بل تفرض على مزارع المواطنين من شتى أنواع المحاصيل الزراعية الموسمية.
ويضيف أنّ تلك الأموال لا تعود لكي يستفيد منها المواطن في مجالات التنمية، فلم يكن الأئمة يهتمون ببناء المدارس أو توفير الخدمات الصحية، وكل من أدركناهم من الآباء والأجداد كانوا يتعلمون عند رجل يسمى "الفقيه" حتى يكون الواحد منهم قادرًا على القراءة والكتابة، فينطلق بعدها لطلب الرزق، هذا بالنسبة للرجال فقط لا غير، والبعض لا تتيح له الفرصة ليتعلم، فيبقى أمّيًّا مدى حياته، أمّا بالنسبة النساء فكلهن أميات.
تاريخ يعيد نفسه بعد اندثار
يقول معلم التاريخ بمدرسة عمر بن الخطاب بالمفاليس، فتحي عبدالله، لـ"خيوط"، إنّ المنطقة لم تستفد من تلك الجبايات بشيء، وحتى الإهمال الحكومي بعد قيام ثورة 26 سبتمبر عام 1962، طال هذه المباني، فأصبحت أطلالًا وبعضها تعرض للتدمير والتغيير من قبل المواطنين، بالرغم من أنّها آثارٌ تاريخية شاهدة على حقبة معينة من التاريخ اليمني المعاصر.
تتوجب الإشارة هنا، إلى أنّ سلطة الإمام كانت تستخدم وظيفة الجمارك في تلك النواحي ونواحٍ أخرى، ذات العوائد المرتفعة، في شراء ولاءات الرموز القبلية والمشايخ والنافذين في المناطق، في سياق سياساته في الاحتواء والتدجين، وأن شخصيات جمهورية كبيرة تصدرت المشهد، كانت قبل الثورة تعمل في هذه الوظائف.