خطورة الانفعالات المنفلتة والغضب الأعمى والحماس المصطنع

> نعلم جميعاً أن الانفعالات الإنسانية على تنوعها وتعدد ألوانها وأشكالها وما يصدر عنها من تصرفات وردود أفعال وإن اختلف المكان والزمان واختلفت الظروف والأسباب، فهي حالة إنسانية عامة تلازم كل إنسان سوي على وجه الأرض وإن اختلفت درجات حدتها أو تفاوتت في ردات فعلها من شخص لآخر.

غير أن ما يعنينا هنا هي الحالات المعاكسة لذلك والمرتبطة بالانفعالات الغاضبة والمتشنجة التي ربما قد تدفع بأصحابها إلى اتخاذ مواقف متسرعة تحت ضغط ظروف مفاجئة وأحداث مختلفة لم تكن في الحسبان، مما يجعلهم يندمون لاحقا على ما قد فعلوه بنتيجة تلك التصرفات أو المواقف.

وأثبتت لهم التجربة العملية بعد فوات الأوان أنهم لم يكونوا قد استندوا أساساً على المعرفة التامة والإلمام بتفاصيل مسار التطورات وتلاحق الأحداث، أو أنهم لم يعرفوا على وجه الدقة وبعمق الأهداف والأسباب الكامنة خلف كل ذلك، أو أن ذلك قد كان تجاوزاً منهم للحجة والمنطق فيما كانوا قد ذهبوا إليه حين استبد بهم الغضب، أو تملكتهم حالة الانفعال إزاء تلك الظروف والأوضاع الناشئة، وبما يعنيه ويمثله ذلك من إساءة وخطورة في نشاط وسلوك من يمارسون السياسة دون تمتعهم بالمستوى المطلوب من المسؤولية والحكمة، أو غياب الإدراك العميق لمضمون دورهم وبدوافع البحث عن المكاسب (الخاصة)، التي تضر كثيراً بالمشروع الوطني الجنوبي، وبرغبة التميز (الوطني) والحصول على المال والامتيازات والصفات والألقاب (النضالية) على حساب الجنوب وباسمه.

فمثل هذه النوعية من الناس الذين يتعاملون مع ما يحدث في المجتمع ومحيطه من تطورات وتفاعلات بردود أفعال متهورة وسلوك منفعل ومواقف غير ناضجة وغير متزنة، أو بتجاهلهم التام لمدى التأثير القادم من خلف الحدود، فلا نجد لهم توصيفاً مناسباً بغير أنهم يسيئون لأنفسهم ولا يقدمون النموذج المطلوب تقديمه في هذه الظروف ويلحقون الضرر بقضية شعبهم.

وهذه حالة حاضرة اليوم في المشهد السياسي في الجنوب بكل أسف، فمتى يفيق هؤلاء لأنفسهم ولمجتمعهم ويتعاملون بواقعية وبحجمهم الطبيعي وبمستوى قدراتهم وإدراكهم للأمور المحيطة بهم، ويتخلون عن أنانيتهم وانتفاخ روح الذات لديهم بالوهم الخادع وعن طموحاتهم التي تصطدم بالواقع الذي لا يملكون أي تأثير يذكر عليه، ولا بالقدرة على التأثير على قناعات الناس وموقفهم الثابت من قضيتهم الوطنية.

وفي نفس الوقت أيضاً هل يعي البعض الآخر ممن لا يزالون يمارسون الانفعالات كسلوك متعمد لتثبيت حضورهم في إطار المشهد السياسي العام في دوائر مكوناتهم وأطرهم السياسية والمجتمعية كذلك، وبخلفيات ودوافع مختلفة وأمزجة (شاطحة) ويكفون عن ذلك ويستحضرون بوعي من تجربتنا المرة خلال الفترات الماضية كل ما قد صنعته الانفعالات غير المحسوبة النتائج والحماس الزائد والمصطنع وبالقرارات المصاغة بحبر العاطفة والتعصب من مآسي لشعبنا، و ما جلبه المنفعلون بتهورهم أحياناً وسوء تقديرهم للأمور أحياناً أخرى، وبضجيجهم وأصواتهم العالية التي شوشت على قدرة الناس في كثير من الأحيان على سماع صوت العقل والحكمة، وهو المطلوب اليوم أكثر من أي وقت مضى، ورهاننا كبيراً على نتائج الحوار الوطني الجنوبي الذي يقوده المجلس الانتقالي الجنوبي بهمة ونجاح للخروج من هذه الحالة المعيبة وطنياً وسياسياً.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى