وساطة إماراتية ذات مصداقية لإنهاء الحرب في أوكرانيا

> أبوظبي "الأيام"

> ​توفّر زيارة الرئيس الإماراتي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى موسكو ولقاؤه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فرصة هامة للوساطة من جهة ذات مصداقية ومقبولة من مختلف أطراف الأزمة، وذلك لوقف الحرب الروسية – الأوكرانية التي تشهد تصعيدا غير مسبوق بعد أن تجاوز النزاعُ بعدَه العسكري المباشر إلى تنفيذ عمليات نوعية تهدد حياة المدنيين.

وأكد مصدر سياسي رفيع لـ”العرب” مشروع الوساطة، وذكر أن “المتحاربين، سواء منهم المباشرون أو الداعمون من الخلف، يحتاجون إلى جهة محايدة وذات مبادرة واضحة وتكون قادرة على إقناع الجميع بجدوى وقف الحرب، بدلا من وساطات بعضها منحاز وبعضها الآخر يريد استثمار الحرب ومخاطرها لخدمة أجندته المباشرة ومصالح بلاده”.

ويرى محللون أن الشيخ محمد بن زايد يحظى بثقة مختلف الأطراف، سواء من روسيا أو أوكرانيا والولايات المتحدة والدول الأوروبية المتدخلة في النزاع، وهو ما يجعل زيارته إلى موسكو والنتائج التي ستتمخض عنها محل متابعة من الجميع، مشيرين إلى أن الإمارات سبق أن أكدت أكثر من مرة على لسان مسؤولين بارزين فيها أنها ليست طرفا في أي محور، سواء تعلق الأمر بالقضايا الإقليمية أو بالمسائل الدولية، وهو ما يوفر أرضية متينة لمبادرة الشيخ محمد بن زايد.

وتمتلك الإمارات علاقات متشابكة ومتعددة الأوجه مع روسيا تجمع بين العلاقات الاقتصادية والعسكرية المتينة، وكذلك التحالف على مستوى منظمة أوبك+، ما يجعل وساطة الشيخ محمد بن زايد مقبولة ومدعومة من روسيا.

وحرص الرئيس الأميركي جو بايدن خلال قمة جدة في يوليو الماضي على توجيه دعوة رسمية للشيخ محمد بن زايد لزيارة الولايات المتحدة، وهي دعوة قال مراقبون إن بايدن هدف من ورائها إلى فهم المتغيرات في الشرق الأوسط والخليج من باب الإمارات ورئيسها قبل غيرها من الدول والمسؤولين، وهو ما يظهر المنزلة التي يحظى بها الشيخ محمد بن زايد في واشنطن، ويُكسِب وساطتَه مقبولية ورضا لدى البيت الأبيض.

وبهذا تجد الوساطة الإماراتية ما يبررها على أرض الواقع، وهي ضرورية لإنقاذ الأطراف المشاركة في النزاع من الورطة وتسهيل الخروج بحل يحفظ ماء الوجه، خاصة في ظل خطابات التهديد والوعيد التي من الصعب التراجع عنها دون وساطة من جهة فاعلة.

ورغم التفوق العسكري الروسي والمؤشرات التي تضع موسكو كمرشح لتحقيق الحسم العسكري، إلا أن هذا لم يعد ممكنا الآن؛ فوقت النجاح العسكري الروسي قد فات بعد أن دخلت الأسلحة الغربية إلى ساحة المعركة، ولم تعد أوكرانيا في موقف ضعف، كل هذا يجعل من مصلحة روسيا القبول بالوساطة ودراسة عرض التهدئة الذي يحمله الرئيس الإماراتي.

وتعرف أوكرانيا بدورها أن يد روسيا طويلة، وأن المكاسب التي حققتها كييف لا تعني الكثير أمام ما تمتلكه موسكو من خيارات وقدرات عسكرية، وهو ما عكسه الرد الروسي على تفجير الجسر الذي يربط روسيا بجزيرة القرم، وكيف أنها وجهت ضربات قوية إلى مواقع حساسة في العاصمة الأوكرانية وفي مدن أخرى وبهجمات متزامنة. وهذه رسالة روسية واضحة من شأنها أن تُقنع أوكرانيا بأن الحسم العسكري ليس واردا.

وتعيش أوروبا على وقع أزمة حقيقية يُنتظر أن تبلغ مداها خلال فصل الشتاء في ظل التراجع الكبير الذي تشهده إمدادات الغاز الروسي وتحذير موسكو من قطع هذه الإمدادات في حال استمرت أوروبا في تنفيذ العقوبات المسلطة على الاقتصاد الروسي ومجاراة مواقف الولايات المتحدة.

وفي المحصلة، تستبق وساطة الشيخ محمد بن زايد مرحلة معقدة من الحرب وأزمة خطيرة في أوروبا، ما يجعلها ضرورية بالنسبة إلى مختلف الأطراف، وحلا يجنب العالم مخلفات أزمة متعددة الأوجه، خاصة التداعيات التي طالت إمدادات الحبوب والتي يمثل استمرارها تهديدا للأمن الغذائي العالمي ويعتبر معضلةً كبيرة بالنسبة إلى الدول الفقيرة.

ويقول المراقبون إن الولايات المتحدة تحتاج إلى أن تعيد تقييم موقفها ليس فقط بشأن الحرب في أوكرانيا، وإنما أيضا بخصوص علاقتها مع حلفائها الخليجيين والاستماع إليهم وتقدير دفاعهم عن مصالحهم بدلا من تحميل السعودية والإمارات مشاكل أوبك+ بينما أساس المشكلة الراهنة صراع أميركي – روسي يدفع جرّاءه العالم، وأوروبا على وجه الخصوص، ثمنا باهظا.

وتأتي الزيارة بعدما اتفقت منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك) وحلفاؤها في أوبك+ وعلى رأسهم روسيا الأسبوع الماضي على خفض كبير في حصص إنتاجهم رغم دعوة الرئيس الأميركي إلى زيادة الإنتاج لمحاولة الحدّ من ارتفاع الأسعار.

ولطالما كانت الإمارات شريكا إقليميا إستراتيجيا لواشنطن، لكنها، على غرار جيرانها الخليجيين الآخرين، تحاول إيجاد توازن في علاقاتها مع تنامي روابطها السياسية والاقتصادية مع موسكو.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى