خارطة شراكة

> لن يستقر وضع الشمال والجنوب إلا بهزيمة الحوثيين عسكرياً، لكونهم المعضلة الرئيسية أمام تطبيع الحياة بمختلف جوانبها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في اليمن بشكل عام.

الجنوبيون يدركون أكثر من غيرهم خطر بقاء الحوثي قابضاً على اليمن الشمالي، وموقف القيادة الجنوبية هو الأشد حزماً والأكثر تأييداً لاستخدام القوة ضد الصلف والتعنت الحوثي الرافض لبوادر وسُبل السلام في اليمن.

الشماليون عموماً يقفون على عتبة باب المناجاة في انتظار معجزة كعصا موسى لتخليصهم من الاستعباد والفرعنة الحوثية، أو ربما عودة سيف بن ذي يزن بمقاتلين مجمّعين من مختلف بقاع الأرض يعيدون لحاشد وبكيل ومناطق الوسط الكرامة الضائعة، والحرية المفقودة.

كلما نظرت في شاسة التلفاز، وجدت أن المتحدث سواءً كان قائد عسكري أو شيخ قبلي أو سياسي أو موظف حكومي، أو إعلامي، هو شمالي، ويريدون أن ينتصروا على الحوثي وهم يقيمون في القاهرة أو إسطنبول أو في الرياض، بينما نجد أبناء الجنوب بمختلف مهامهم يتواجدون على أرض الميدان يشكلون جبهة واحدة وسور صد منيع يصعب اجتيازه.

الجنوبيون ليسوا أغبياء، ليزجّوا بأنفسهم وجنودهم في جغرافيا الشمال المُلبدة بالمتناقضات، من أجل أن يعود شيخ شمالي هارب وقائد عسكري رعِدِيد، يستحوذ على المناصب الحكومية، ثم يمارس عنترياته السخيفة على الجنوب والجنوبيين، ولا يرى نفسه بطلاً وطنياً إلا على الجنوب وقضيته العادلة وحقه المشروع في استعادة دولته وتقرير مصيره.

المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين، والجنوبيون مؤكداً لن يشربوا من نفس الكأس مرتين. قبل ثلاثين عاما جاء الجنوبيون بدولة لها جغرافيا سيادية ونظام وعلم وشعار ونشيد إلى صنعاء حالمين بمشروع وطني، لكن صنعاء التهمت المشروع وقذفت بأصحابه إلى الشتات والضياع، فهل يعقل أن يأتي اليوم أبناء الجنوب للتضحية بدمائهم وأرواحهم من أجل من خذلوهم مسبقاً، وتنكروا لهم ولم يروا فيهم إلا فرعا هزيلا من أصل يتبجح بعمق تجذّره وقوة سماكته وأنه سيظل الأصل العصي على الانكسار وصاحب القول والفصل.

المرحلة الراهنة تتطلب خارطة طريق واضحة وصريحة، على المجلس الرئاسي أن يبدأ في وضعها وصياغتها الآن، للعمل سوياً خلال الأيام القادمة، تضمن أولاً حق الجنوبيين في استعادة دولتهم عبر الطرق السلمية المعترف بها دولياً، ويكون الجنوب منطلق التحرير للمناطق الشمالية من خلال تقديم الدعم اللوجستي الكافي لإنهاء الانقلاب الحوثي، وعلى الشماليين أن يتولوا إدارة المعركة بأنفسهم، ويكون للجنوبيين حق خيار المشاركة في المعركة من عدمه.

على المجلس الرئاسي الاعتراف بتغيرات المرحلة الحالية، التي تتطلب المكاشفة والمصارحة والعمل بما يتوائم مع هذه المتغيرات، ومغادرة حالة التخدير السياسي الذي بدأ باتفاق ستوكهولم وانتهى بفرضية إجراء مفاوضات سلام مع جماعة الحوثي، وما نتج عنه من فرضيات لم تعد مقبولة، ويظل التمسك بها مجرد مضيعة للوقت في كل الأحوال ليس إلا.

إن مبدأ الاعتراف بالحوثيين كخصم انقلابي وجيب إيراني يجب التخلص منه وهزيمته، يتطلب أولاً الاعتراف بأن الجنوبيين شركاء في هذه المرحلة، وأنهم ليسوا جزءًا من صنعاء ولا من الشمال، وهذه الشراكة وحدهم الجنوبيين من يحددوا شكلها ومضمونها، وعلى الشماليين القبول بذلك والعمل بتوازٍ وندية حتى النهاية، عدا ذلك سيظل المجلس الرئاسي محاطًا بالشكوك وعدم الثقة والانقسام، وربما في النهاية التفكك والهرولة نحو مصير مجهول من الصعب الخروج منه وتجاوزه.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى