كيف عصفت الحرب بالطبقة الفقيرة الطامحة بمستقبل تعليمي لأبنائها؟

> تقرير /عبدالقادر باراس

>
كثير من الأسر باتت اليوم عاجزة عن تأمين أدنى متطلبات ارتياد أولادهم إلى المدارس ما يجعلهم يعيشون ضغوطات كبيرة، حيث اضطرت كثير من الأسر إلى إخراج أولادها من المدارس لإلحاقهم بسوق العمل ومساعدة أسرهم في تكبد مصاريف المعيشة التي يزداد عبئها يوما بعد يوم، ومنهم من ظل يعمل ويكافح لمواصلة تعليمه، ويترافق ذلك مع ازدياد وضع التعليم في اليمن تدهورا نتيجة الأزمات والحروب التي لحقت بالبلاد.

نعمان الحكيم
نعمان الحكيم
هذا التقرير يلخص معاناة الأسر في مواصلة أبنائهم الدراسة تدق ناقوس الخطر، للتحذير من أن تتحول حالة أسرة الطالب المحتاج إلى ظاهرة مستقبلا، إذ يقول التربوي والإعلامي الأستاذ نعمان الحكيم: "الطلاب أول من عانى ويعاني من التدهور المعيشي الذي فاق التصورات، فأنت تجد في البيت الواحد على الأقل اثنين إلى ثلاثة طلاب وتكون احتياجاتهم للتعليم مرهقة للأسرة خاصة وأن الدخل محدود". ويضيف الحكيم: "هنا نجد البعض يترك الدراسة مرغما لكي يؤمن لنفسه وأسرته عيشا في ظل غلاء قاتل لم تشهده عدن، كما أن هناك من يلجأ لمهنة ما ويستمر في الدراسة لكنه قد لا يحصل على نتائج تمكنه من الالتحاق بالتعليم الجامعي".

ويرى التربوي الحكيم، أنه لابد ان تتحمل الدولة مسئوليتها في مسألة استقرار العيش والتعليم والصحة لأن هذه من أركان واجباتها ومهامها.

هناك قصص من الواقع لطلاب يكافحون من أجل الحصول على التعليم وهم يعملون من بينها ما روته الطالبة (س. ب. ي)، تدرس في إحدى المدارس الثانوية في مديرية المنصورة، قائلة "اضطررت للخروج إلى العمل منذ الصف الأول الثانوي حيث الآن في الصف الثالث بسبب الظروف المعيشية الصعبة وأعمل في مركز للطباعة بالحاسوب من العصر إلى المساء لكي أوفر ثمن المواصلات إلى المدرسة وكذلك قيمة سائر المتطلبات الدراسية المختلفة".

سامر أمين
سامر أمين
كما يتحدث لـ "الأيام" الطالب سامر أمين، في الصف الثاني ثانوي القسم الأدبي، بثانوية مأرب بمديرية المعلا، الوحيد من بين اخوته الذي يدرس ويعمل ليساعد اهله: "بدأت العمل وعمري 13 سنة، قلت في نفسي إلى متى والدي يصرف علي وأصررت أن أساعده كون راتبه التقاعدي 30.000 ريال يمني، لا يساوى شيئا، لا بقيمة الأدوية ولا بقيمة الخضار أو السمك أو لصاحب البقالة أو يسدد ديونه".

ويضيف: "يقولوا علينا جيل مفسد بالأرض، ونحنا من صغر عمرنا نشقي وندرس ونتعب عشان نجمع بس قوت يومنا، ندرس عشان نحقق هدفنا ونشتغل لأجل أن نطور من أنفسنا، ومع ذلك حياتنا ماشي الحال والحمدلله يوم في ويوم مافيش".
يحاول سامر، تأمين احتياجات أسرته ومصروفه المدرسي و يقول: "أحاول توفير 1500 ريال في اليوم لتأمين احتياجاتنا لا سيما تكاليف المعيشة التي تزداد يوميا بسبب الغلاء، اعود من عملي ومعي 10 اقراص خبز "روتي" ونص مكان فاصوليا، يكفينا أنا أو أمي أو أبي أو أخي ولكن الحمدالله في ناس أسوى من حالتنا". 

وأكثر المصاعب التي واجهت سامر في مشروع عمله البسيط بقوله: "رغم ظروفي المادية لم أستطع شراء جهاز حاسوب (لابتوب) لكنني بدأت بمشروعي البسيط في مجال التصاميم فوتوشوب، وتعلمت رغم الكلام السلبي والمحبط الذي أتلقاه، حتى وقفت، وبدأ عملي يتحسن حينها تحمست وكسبت لي زبائن، وفتحت دورة أون لاين في تصوير فوتوغرافي عبر النت"، ويوافق سامر، على أن التعليم هدفه الأول ويطمح بالالتحاق بالجامعة في مجال الإعلام وأصر على أن يكافح كي يدرس في ظل الظروف الصعبة معلقا بقوله: "يعلم الله الواحد من فين يوفر دفاتر وملابس مدرسية لكن اظل مصر على الكفاح ورغم الظروف لن اصيب بالإحباط سأمضي مكافحا لأتعلم وادرس حتى أصل إلى هدف حلمي واتخرج ليروني أهلي بكل فخر أنهم خلفوا رجال".

وطالب سامر، في نهاية حديثه من أهل الخير أن يلتفتوا للأسر الفقيرة والمتعففة، وموجها نقذه للتجار بالقول :"عليكم ان ترحموا الأسر الفقيرة خاصة من لديهم اولاد كثيرين وبنات، نجد أن راتب رب الأسرة لا تكفي احتياجاتهم الغذائية الضرورية، كيف يعمل وأين يذهب، هل يشحت؟ أو يذهب للبحث عن بقايا طعام من البيوت".

قاطرة عابرة تنقل طلاب من العريش إلى مدارسهم على الطريق العام بساحل أبين إلى دوار العاقل بخورمكسر بالعاصمة عدن
قاطرة عابرة تنقل طلاب من العريش إلى مدارسهم على الطريق العام بساحل أبين إلى دوار العاقل بخورمكسر بالعاصمة عدن

ولا تقتصر المتاعب على الأهالي والطلاب نتيجة التدهور المعيشي التي تمر بها البلاد مما أدى إلى خروج بعض الطلاب من المدارس حيث لجأت بعض الأسر إلى الدفع بأبنائها إلى سوق العمل لمساعدتهم، وبينهم الطالب عمر علي، وهو في السادسة عشر من عمره، لم يكن أمامه حلا سوى ترك مدرسته ليعمل حتى يساعد أسرته لمواجهة الصعوبات فاضطرا على قطع دراسته كون معاش والده التقاعدي مصدرهم الوحيد ولا يفي بمتطلباتهم، يتابع حديثه: "خرجت من المدرسة ولجأت إلى العمل بحثا عن لقمة لأساعد أهلي، فالأمر هذا جعلني أشعر بفقداني للرغبة في التعليم، لكن ظروفنا صعبة ومعاش والدي التقاعدي لا يكفيني، عددنا في البيت ستة أخوان منهم 3 أخوات إلى جانب أبي، الأمر الذي دفع بي بتحمل المسؤولية".

كما رصدنا في تجوالنا في الأسواق آراء بعض الأسر وكذا أصحاب المحلات من حيث إقبالهم على شراء المستلزمات المدرسية لهذا العام، إذ قال علي محمد أحمد قشاش، وهو مشرف في المركز التجاري للملكة مول بكريتر: "إن إقبال الأهالي لشراء ملابس أولادهم المدرسية هذا العام ضعيف مقارنة بالعام الماضي كان إقبالا قويا في مركزنا، في العام الماضي نزلنا كميات هائلة من ملابس وأدوات مدرسية لكن هذا العام قل نتيجة ضعف القوة الشرائية عند المواطن البسيط، وعلى الرغم من ان أسعار مركزنا مناسبة، فأسعارنا مخفضة مقارنة بأسعار المحلات الأخرى، ما تجده في مركزنا بنطلونا بستة آلاف تجده في مكان آخر قد يصل سعره إلى 12 ألف ريال، والزبون عادة يبحث عن التخفيضات لأن ظروفه المادية ضعيفة، فالناس تحب ما يتماشى مع وضعه المادي، ولهذا يجدون الملابس والأدوات المدرسية في مركزنا مخفضة، لهذا يجدون سعر فنلة أولاد وبنات للفنيلة أو القميص بثلاثة ألاف وكذلك البنطلون يجدونه ما بين أربعة إلى ستة آلاف ريال، القائمين في المركز يسعون لمراعاة ظروف المواطن ولهذا يجدون اسعارنا مناسبة عكس المواسم أو الأعياد".

تحدث الزبون محمد ناصر حسين محمد، قائلا: "أخذت احتياجات لأولادي الأربعة من الأدوات المدرسية قبل شهرين في مركز الملكة مول أسعاره مناسبة بحوالي 30 % من سعر الأسواق الأخرى".  
وتشاطره بالرأي المواطنة شهود أحمد محمد، وهي معلمة بمدرسة الغرباني بكريتر، بقولها:"إلى الآن واني معلمة قديمة بالتربية والتعليم منذ 1995م لست قادرة ان اشتري الان احتياجات مدرسية لأولادي، لكن هنا في مركز الملكة مول وجدت ما أريده فأسعاره نسبيا جيدة، فما بالك للذين لا يعملون أو منهم لم يعمل أو من العسكريين الذين لا يستلمون إلا كل ستة أو ثمانية أشهر كأنه شفقة وأجر".

وأضافت:"أوضاعنا صعبة جدا، جئت إلى هذا المركز لأشتري اقلاما بنوعين الأسود والأزرق، لكني لم أستطع شراءه كونه يباع بالجملة أي ما نسميه بالرزمة أو بـ (الباكيت) وليس بالتفاريق، فاضطررت ان أشارك زبون أخر بحيث يشتري أحدنا رزمة بلون معين يختلف عن الأخر ومن ثم نتقاسمه باللونين فيما بيننا، فوجدنا سعره مناسبا ويلبي احتياجاتنا، نعيش في ضع صعب ولا نعرف إلى اين سائرون فالبلاد تسير نحو الهاوية ولا حول لله ولا قوة إلا بالله".

 اروى مليكان
اروى مليكان
وفي جانب الدعم النفسي الاجتماعي للطلاب في ظل الظروف المعيشية الصعبة التي تعاني منها كثير من الأسر في تدبير احتياجات أولادها المدرسية، تقول الأستاذة المهتمة بالجوانب النفسية التربوية أروى مليكان: "هناك حالات إنسانية لأسر إن لم نقل جميعها، تصعبت عليهم في تدبير شراء احتياجات أولادها من ملابس وحقيبة مدرسية  وكذا دفع رسوم في المدارس الحكومية، اضطرت بمنع أبنائها من مواصلة التعليم نظرا لعدم قدرتهم على تحمل تكاليف مصاريف دراستهم، ومنهم أسر اضطرت أن ترتدي أولادها الزي المدرسي للعام الماضي، بل أن البعض لا يستطيعون حتى سداد الرسوم الدراسية لأولادهم في كل فصل دراسي، وكذا رسوم الامتحانات في كل فصل".

تابعت مليكان: "عملنا يتمثل في الدعم النفسي ضمن فريق مدرسي نعمل جنبا إلى جنب مع الإدارة المدرسية والمشرف الاجتماعي لتقديم المساعدة لتخفيف من معاناة الطالبات سواءً كان دعما نفسيا أو ماديا مثل مساعدة الطالبات المحتاجات للكراسات أو الحقائب أو إعفاء بعضهن من الرسوم المدرسية، أو توفير وجبة الإفطار أو البالطو المدرسي للطالبات، ذلك الدعم يتم تقديمه للمحتاجين سواءً عن طريق الفريق المدرسي أو من أهل الخير للأسر المسجلة في سجلات الإشراف الاجتماعي، كما نقوم بإجراء المقابلات الشخصية للطالبات وكذا استدعاء ولي الأمور لمعرفة مشاكلهم المادية والتي قد تنعكس آثارها على شخصية الطالبة وتتحول إلى مشكلة نفسية إزاء ما تعانيه من حرمان مادي والذي هو ناتج عن الظروف المعيشية الصعبة لتلك الأسر والتي تضطر إخراج بناتهم من الدراسة لعدم مقدرتهم من تحمل تكاليف الأعباء الزائدة من المصروفات وهذا يحرم أبنائنا من التعليم".

توجد مبادرات ذاتية من قبل بعض إدارات المدارس بتقديم المساعدات البسيطة للطلاب لكي يستطيعوا من مواصلة الدراسة، تقول التربوية هناء بازغيفان،"إن الوضع المعيشي لأغلب الأسر يكاد يكون تحت خط الفقر يجدون صعوبة في توفير المتطلبات المدرسية، وهناك الطلاب أبناء التربويين الذي للأسف لم يعد الراتب يكفيه نظرا للتدهور الاقتصادي الذي تمر بها البلاد، كما سعينا من خلال مبادراتنا التطوعية بالمدرسة بمساعدة بعض الطلاب بتوفير ما يمكن توفيره للطلاب المحتاجين وإلى حد ما تستجاب مبادراتنا، حيث يقدم أهل الخير حقائب مدرسية متكاملة ومنهم من ساهم بمبالغ رمزية وآخرين تبرعوا بملابس مستعملة وبحالة جيدة قمنا بتنظيفها لتسليمها للطلاب ومنهم من تبرع بملابس جديدة، الحمدلله استطعنا بتظافر الجميع التخفيف وبالذات للمحتاجين كان أغلبهم أبناء عمال وعاملات النظافة في المدارس وبعض الأسر المتعففة، طبعا إدارة مدرستنا أبدت تعاونها وأعفت بعض الطلاب من الرسوم المدرسية وكذا من رسوم الامتحانات نظرا لظروفهم المعيشية".

ووجهت التربوية بازعفيان، دعوتها لأهل الخير بتوسيع مد يد العون للحالات غير القادرة من الأسر تخفيفا من العبء الكبير تجاه أبنائها الطلبة خاصة التي لا توجد لها معيل أو مصدر دخل.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى