شعوب تملأ جيوبها تفاحا

> فاروق يوسف

> ​قبل سنوات ألغى رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي منصب نائب رئيس الجمهورية ترشيدا للنفقات. لم يقل العبادي يومها إن ذلك المنصب الوهمي الذي يحتله ثلاثة من الزعماء الحزبيين لا قيمة له. ذلك لأن منصب رئيس الجمهورية في العراق هو منصب شرفي مَن يحتله لا يقوم بأي عمل إلا إذا اعتبرنا النزهات خارج العراق عملا وهو عمل ترفيهي يكلف الدولة نفقات طائلة.

لا أحد في إمكانه أن يتحقق فيما إذا كان الرئيس يذهب يوميا إلى مكتبه الرئاسي أم لا. ولو افترضنا أنه يذهب إلى هناك يوميا فما الذي يفعله؟ يتسلى بحل الكلمات المتقاطعة أو يدعو مستشاريه وهم من إخوته وبناته وأقربائه إلى مائدة طعام مستمرة يدفع تكاليفها الشعب. أهذا ما كان يفعله الرئيس اللبناني السابق ميشال عون الذي ترك قصر بعبدا وسط دموع وزغاريد أنصاره من أفراد التيار العوني نسبة إلى الرئيس الذي وعد الشعب اللبناني بالذهاب إلى الجحيم كما لو أن عهده كان جنة.

في لبنان والعراق تتدحرج كرة اللعبة السياسية لتعود إلى المكان نفسه الذي انطلقت منه. فليس هناك هدف تُصوب في اتجاهه. وكل ما يفعله اللاعبون لا يتعدى تمارين رمي الكرة خارج الملعب. مَن يفعل ذلك أسرع فإنه سيكون الأكثر حظا في لفت الأنظار إليه.

أما الشعب فإنه يضع يده على قلبه خشية أن يحدث فراغ دستوري. يفرغ كرسي الرئيس فتحتله العناكب والعقارب ونمل الملك سليمان. كل شيء مقبول إلا ذلك الفراغ السياسي الذي يمكن أن يريح الذاكرة الشعبية من صورة الزعيم الذي وصل إلى منصبه الخاوي عنوة لكي ينضم إلى حشود العاطلين عن العمل.

كل رؤساء جمهورية العراق الجديد بعد 2003 جاؤوا إلى مناصبهم بالصدفة. ولأن منصب الرئيس هو بمثابة مكافأة خيالية فقد كان الأكراد محظوظين إذ صار من حصتهم إضافة إلى أنهم من خلاله سيمحون من الذاكرة العالمية مفهوم العراق العربي. وهو ما سيخدمهم في مستقبل انفصالهم عن العراق الذي كاد يتم عام 2017 لولا تدخل الولايات المتحدة بتحريض من تركيا وإيران.

واللافت في الأمر أن الرؤساء الأربعة كانوا انفصاليين بعد أن صار المنصب حكرا على حزب الاتحاد الوطني الكردستاني الذي أسسه جلال الطالباني الذي تبوأ المنصب كأول رئيس “منتخب”.

تم ذلك بناء على رغبة إيرانية.

الرئيس اللبناني عون هو الآخر ما كان له أن يحقق رغبته في العودة إلى قصر بعبدا لولا الضغوط التي مارستها إيران من خلال وكيلها الرسمي في لبنان حزب الله. وكما يبدو فإن مستقبل قصر بعبدا سيكون رهينا بالإرادة الإيرانية. ذلك ليس سرا ليخفيه النواب الذين عجزوا عن انتخاب رئيس جديد يحل محل عون.

لا أعتقد أن أحدا من اللبنانيين قلق في ما يتعلق بمصير قصر بعبدا وقد صار موحشا في انتظار القرار الإيراني الذي هو أشبه بضربة المطرقة على منصة المزاد. لا أحد يتساءل على مَن سترسو المناقصة.

افتتح عون تاريخا سيئا للرئاسة في لبنان. سيكون ذلك تقليدا أحمق مثلما هو التقليد العراقي الذي ينص على أن يكون الرئيس كرديا، وليس عراقيا. لقد تم احتكار منصب الرئيس من قبل حزب الله الذي لن يتخلى عن تلك الواجهة ما دامت إيران تحظى بقبول غربي صامت عن تدخلها في الشؤون الداخلية في لبنان.

لن تكتفي إيران برئيس لبناني، ماروني الطائفة يقف تحت مظلتها، بل أنها ستمد يدها إلى الطائفة السنية لتختار من بينها رئيسا للحكومة. فما يصح على رئيس الجمهورية صار يصح على رئيس الحكومة. ذلك ما يجري في العراق. وهو ما يؤكد أن الدولتين صارتا تحت الحماية الإيرانية. وكم كان حزب الدعوة يحلم في أن يلعب في العراق دور حزب الله في لبنان وكم كان حزب الله يحلم في أن يستكمل ارتباطه بحزب الدعوة لينهل من ثروات العراق التي ستجعله أقوى في مواجهة الداعين إلى نزع سلاحه.

القصر الجمهوري في العراق لم يفرغ. سرعان ما سلم كردي كرديا آخر مفاتيحه. أما قصر بعبدا فإنه في انتظار ماروني جديد، تكون إيران قد وقعت على أوراق تعيينه. وما على أعضاء مجلس النواب المنتخبين سوى رفع أيديهم للتصويت له.

أما الفراغ السياسي وهو نوع من اللعب على الدستور فإنه لا يشكل مصدر قلق لشعب، صارت عينه مصوبة على المصارف بدلا من قصر بعبدا.

العرب اللندنية

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى