متى تنتهي الحرب في اليمن؟

> لن ينبئك بحقيقة الواقع في اليمن، جنوبًا وشمالًا، إلا شخص عانى ويعاني ويتألم فعليًا من حال معيشته وصحته ومرضه وموت أقربائه، لا تسأل شخصًا لا يشكو ضيقا أو تقتيرًا في صرفياته، وديونًا موزعة بين الباعة وأصدقائه، هذا الشخص سيحكي لك الواقع بدون أي رتوش أو مساحيق تجميلية، فماذا لو سألت شخصًا فقد عزيزًا بسبب الحرب طفله أو والده ووالدته أو أحد من أهل بيته أو أقاربه ظلمًا وعدوانًا؟

الصورة قاتمة جدا للواقع في اليمن عمومًا، وإن كانت على مراتب بين مناطقها، فأحوال الناس في صنعاء منذ أن اقتحمها الحوثي واحتلها تزداد سوءًا فوق سوء، وصلت حد بيع الكرامة والشرف، والصبر على الجوع والمرض بل الموت منهما جراء الاستعباد الحوثي الذي بلغ أوجّه وقوته، لقد غابت نضارة الوجوه وجمال الهيئة، وإشراقة البسمة، وحرية الحركة الطبيعية التلقائية التي حلّ محلها التوجّس والحذر والخوف من غضب السيد والحاكم وزبانيته وحاشيته، إنه العصر القديم المتوحش، أصبح وأمسى الناس معه يترحمون على زمن الرئيس الراحل عفاش وشتان في صنعاء بين زمنين.

وللأسف، أنّ رجال صنعاء وأبطالها وشجعانها الغيورين عليها آثروا الفُرجة والاستكانة والدعة في المهجر أو الارتهان بقرارات الخارج العقيمة والمحبوسة بقرارات ما يسمى المجتمع الدولي وزعيمته أمريكا التي تدلل الحوثيين تدليلًا لا تفسير له سوى كأنها تقول له: لا عليكم كلما زدتمونا لعنًا زدناكم حماية ودفاعًا في شكل تنديد وقرارات لن تضعفكم بل ستزيدكم جرأة وتهديدا لخصمكم.

وحتي ما يسمى بالمحافظات المحررة ليست أفضل حالًا من واقع المحافظات المحتلة حوثيًا، فالوضع المعيشي يزداد سوءًا يومًا بعد يوم، العملة منهارة، والأسعار مرتفعة ارتفاعًا جنونيًا، والرواتب زهيدة لا تساوي ربع الربع مما يستلمه المواطن الخليجي فهي لا تتناسب وارتفاع الأسعار، وأصبح المواطن لا يستطيع توفير لقمة عيش تضمن له صحة وعافية وبالتالي فالأمراض تفتك به فتكًا فأعداد المرضى تمتلئ بهم مستشفيات الداخل، وتتواصل بكثرة رحلات الطيران إلى الخارج خصوصًا إلى مصر الأقل تكلفة عن الأردن والهند اللتان تتقبلان أعدادًا متكاثرة من مرضى الجمهورية اليمنية.

لقد سحقت الحرب أبناء اليمن جنوبًا وشمالًا، لقد أهانتهم ومسحت بكرامتهم التراب، وجعلت منهم مسخرة أمام شعوب الأرض، أما ساستها وموقدها والأطراف الفاعلة داخليًا وخارجيًا كثير منهم يسترزقون منها، وآخرون وهم قليل بل أقل من القليل عاجزون عن أن يقدموا حلولًا نافعة وإن قدّموها تقابل بالرفض أو العرقلة من قبل أطراف الحرب، ومما زاد الطين بلة، محاولات ماكرة تقوم بها أطراف متآمرة على جهود إنهاء الحرب تتلخص في قيامها بشرذمة وتمزيق الجزء المتحد ببث النعرات ونبش الملف القديم المنتهي ليواجه به مطالب الشعب في الاحتفاظ بما تبقى من الثروة في أرضه، فتأتي قوى المكر والعبث لتلعب على لعبة "استقلال حضرموت" غير الموجود أصلًا إلا في أرشيف بريطانيا عن سلطنات حضرموت لمواجهة مطلب استعادة الدولة القائمة أصلًا قبل الوحدة والتي دخلت فيها طواعية ومحبة لتصبح بعد سنوات مجرد دولة محتلة ومغتصبة، وفشلت بذلك تجربة كانت بالفعل منجزًا تاريخيًا، ناهيك عن محاولات المكر والخبث بزرع القلاقل والخوف وعدم الاستقرار والأمن في العاصمة عدن، وتحريك ملف التنظيمات الإرهابية في أبين وشبوة والسعي نحو إظهار الجنوب كمنطقة إرهابية غير مستقرة حتى يتسنى لهم تعطيل أي توجّه دولي أو إقليمي بمنحه استقلالًا ولو مؤقتًا أو كمرحلة انتقالية تسمح بعدها بفك الارتباط والعودة للدولتين قبل الوحدة.

وبعد حرب بلغت ثمان سنوات مازالت رحاها تدور، يقوم الحوثي بتهديد الشرعية اليمنية والشركات النفطية بأنّه سوف يضربها إن هي استمرت في العمل ونهب الثروة اليمنية حد قولهم، وفي المقابل يتسول التحالف العربي والمجتمع الدولي ومعهم الشرعية اليمنية تمديدًا للهدنة أمام اشتراطات حوثية من قبيل دفع الرواتب وتحرير حركة الطيران والسفن، ومع ذلك ينفذ الحوثي يوم الجمعة 2022/10/21م تهديده ويضرب مينائي رضوم بمحافظه شبوة والضبة بحضرموت وكأنه يستعرض قوته وقدرته على تنفيذ تهديداته في ظل استجداء الطرف الآخر تمديد هدنة هشة لم يجد منها الشعب اليمني جنوبًا وشمالًا أية آثار إيجابية في وضعه المعيشي ولا الأمني.

بعد كل هذا الوصف المختصر آنف الذكر نتساءل بسؤال محيّر فعلاً "متى تنتهي الحرب في اليمن؟".

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى