مثقفون يمنيون يتهمون الحوثي بتزوير قصائد البردوني

> توفيق الشنواح

> ما إن أعلنت سلطات الميليشيات الحوثية المدعومة من إيران تبني طباعة أعمال شعرية جديدة للشاعر اليمني الكبير عبدالله البردوني، حتى أثار أدباء ونقاد ومثقفون يمنيون جدلاً واسعاً كانت مواقع التواصل الاجتماعي منتداه وميدان جدله حول المبادرة الحوثية، التي تضم طباعة مجموعتين شعريتين منسوبتين إلى الشاعر الراحل لم تكونا معروفتين ولم تطبعا من قبل.

وتبنى قطاع واسع من الأدباء والكتاب اليمنيين البارزين حملة تشكيك في صحة الأعمال المنسوبة إلى أحد أبرز أدباء عصره الراحل في عام 1999، وتحمل اسمي "ابن شاب قرناها" و"العشق في مرافئ القمر"، جاء في مقدمتهم سفير اليمن لدى منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة ‏"يونسكو" محمد جميح، والروائي اليمني المقيم في فرنسا علي المقري، وغيرهما، والذين طالبوا بتشكيل لجنة فحص للتحقق من سلامة إجراءات إخراج الكتاب إلى النور وصحة نسب القصائد المنشورة فيه.

وحملت بعض القصائد لغة طائفية أو التي بدا فيها مبشراً بالجماعة الانقلابية ومتهكماً على معاوية بن أبي سفيان بوصفه عدواً لآل البيت، وهو نهج طائفي يتعارض مع النهج المستنير للبردوني باعتباره أحد أبرز أدباء اليمن التقدميين منذ منتصف القرن الماضي، ووقوفه على النقيض تماماً من المشاريع الاستبدادية والعنصرية التي كان يتبناها حكام الأئمة، وأسهم في التثوير الشعبي ضدهم، وله عديد من الأعمال الشعرية في هذا الإطار تسببت في إدخاله السجن مرات عدة في فترات ما قبل الثورة اليمنية في عام 1962.

إشادة بالانقلاب

عن وجهة الاعتراض البارزة للإصدارين المثيرين للجدل، يقول علي المقري إن هناك قصائد قليلة في الكتاب نشرت في حياة البردوني وهي معروفة، لكن معظمها يحتاج إلى تحقق، ومن السهل التسليم بصحتها من الأساس في الوقت الذي يرفضون فيه إطلاع الآخرين على المخطوطات.

ويضيف خلال حديثه لـ "اندبندنت عربية"، "يكفي تلك المقدمة التي كتبوها وتتضمن إشادة بسلطة الحوثي الانقلابية وهو ما لا يتوافق مع توجهات البردوني الذي كان يصدر دواوينه بلا مقدمات أو انحياز لأي سلطة".

أخطاء لا تمر أمام بصير عصره

وفي تفنيد لشكوكه التي أثارت الجدل يوضح المقري أن النسختين جاءتا "مليئتين بمئات الأخطاء اللغوية والأسلوبية والعروضية، ناهيك بما ورد إلينا من معلومات تفيد بأنه تم حذف بعض القصائد من المخطوطات الأصلية وأن الأصول المخطوطة تحتوي على أكثر من خط وليس خط الشاطبي وحده"، في إشارة إلى محمد الشاطبي رفيق البردوني اللصيق الذي كان يكتب ما يملي عليه الشاعر الكفيف.

يضيف "أصدقائي في هيئة كتاب صنعاء ومن يدافع عنها كنا نظنهم أكثر حصافة ونباهة من تصرفهم هذا، وهم الآن يحاولون إظهار البردوني بطابع طائفي متوعدين بأنهم سيصدرون كتاباً له يحمل عنوانه الحسين ثم الوطن والثورة".

بأي خط كتبت؟

يتساءل المقري "بعد ثلاثة وعشرين عاماً من وفاته تنشر هيئة الكتاب في صنعاء مجموعتين شعريتين لعبدالله البردوني ولا تريدنا أن نسأل من أين لكم هذا وبأي خط كتبت؟".

ويضيف "توقعنا أن يقولوا أهلاً وسهلاً لكل من أراد التحقق أو التأكد من تطابق الخط والنصوص... إلخ! لكنهم لم يفعلوا وأرادونا أن نسلم بهذه النسخة المطبوعة من دون جدال".

استدعاء طائفي

في البعد الطائفي الذي يستدعي صراعات تاريخية قديمة، وهو ما حوته النسختان إياهما، يوضح أن "البردوني كتب عن الحسين في مقالات متفرقة، لكن ذلك كان ضمن سياقات تناول فيها مواضيع وشخصيات أخرى، فكما تناول المعري مثلاً في شكوكه الفكرية تناول بالمقابل رابعة العدوية في تجلياتها الصوفية، وكما تناول الحسين تناول عائشة ومعاوية والقرامطة وثورة الزنج والمعتزلة"، ثم يستدرك "لكن، حين كان البردوني يريد أن يصدر كتاباً ما فإنه يقوم باختيار بعض تلك المقالات ضمن سياق محدد كما فعل في كتبه عن اليمن الجمهوري والزبيري والشعر اليمني والثقافة الشعبية وفنون الأدب الشعبي وقضايا يمنية والثقافة والثورة، وأحياناً يجمعها من دون سياق كما عمل في كتابه أشتات، وهو بذلك يغفل كثيراً من المقالات كما يغفل بعض القصائد".

دعاية بردونية

يوجه المقري خطابه إلى السلطات الحوثية بقوله "كما هو واضح من إعلانكم، ستضعون اسم الحسين في العنوان، في كتاب يحتوي على مقالات من تلك التي أهملها البردوني، لأن هذا، وهو من عملكم، يخدم توجهكم الدعائي الطائفي الذي لا يمكن أن يلصق بالبردوني ولا يمكن لقارئ متتبع لتجربة هذا الشاعر العظيم في حياته وشعره وفكره أن يقبل به".

ويتساءل متهكماً "كيف يخدم توجهكم الطائفي أيها الأصدقاء؟! يكفي اختياركم العنوان، على هذا النحو".

وطالب ورثة البردوني بـ"أن يمنعوا هذا العبث الذي يطال أوراقه ومنجزه".

لجنة فحص وتدقيق

من وجهة نظره لحل هذا الإشكال، دعا المقري في مقال نشره على صفحته بموقع "فيسبوك" إلى "تشكيل لجنة من الذين لهم علاقة بنص البردوني ويسكنون صنعاء، واقترحت أسماء يمكنهم العمل بشكل فردي أو جماعي، وقلت إن بإمكانكم إضافة من تريدون، وتكرم بعض الإخوة والأخوات باقتراح أسماء أخرى مثل الشاعر السوري بيان الصفدي الذي عاش في اليمن فترة والمطلع على تجربة البردوني، كطرف عربي، والدكتور أحمد غازي والأستاذ عبدالعزيز الهاشمي باعتبارهما متخصصين في التحقيق النصي، وظننت أن هذا سوف يكون في خدمة من أراد أن ينشر أو يعيد نشر إرث البردوني الأدبي والفكري وافترضت فيهم حسن النية، كما يقال، إلا أن أحداً منهم لم يستجب وقاموا بردود لم أفهم منها سوى أننا مشككون وأن علينا أن نصمت".

يختتم متسائلاً "هل علينا أن نصمت فعلاً؟ ننتظر الإجابة، قبل أن نواصل".

عن كربلاء والحسين

هذا الاقتراح قوبل بسخط حوثي عبر عنه رد رئيس هيئة الكتاب، عبدالرحمن المرادي، الذي رد على مقال نشره المقري قبل أيام بقوله "أعتقد أن البعد الطائفي يجعلك تقف هذا الموقف من البردوني لمجرد أن يكون كتب عن آل البيت وكربلاء والحسين".

وأضاف "كتابات البردوني عن الحسين لا يجوز أن تتحول إلى عناوين كتب لها بعد طائفي".

في سياق رده على من شكك في النصوص المختارة، قال المرادي إنهم حصلوا على الأعمال من وزير الثقافة الأسبق، خالد الرويشان، موضحاً أن "لدى وزير الثقافة الأسبق خالد الرويشان نسخة مخطوطة منهما... موجودان مع الوزير الأسبق منذ عام 2005 ولك أن تتأكد من مرجعية أنت اخترتها بنفسك ليطمئن قلبك هذا إن كان الأمر بظاهر الغاية لا بباطنها".

في المؤتمر الصحافي الذي أعلن فيه العمل على طباعة الإصدارين المثيرين للجدل، الذي حضره القيادي في الميليشيات المدعومة من إيران، محمد علي الحوثي، ورئيس هيئة الكتاب التابعة للحوثيين (جهة الطبع والتوزيع) ذكر أنه "تنفيذاً للتوجه الصادق والحر والنبيل للقيادة الثورية والقيادة السياسية، نعلن اليوم الشروع في طباعة أعمال الشاعر اليمني والعربي الكبير عبدالله البردوني".

وأشار إلى "اهتمام عضو المجلس السياسي الأعلى محمد علي الحوثي الذي وجه ودعم وساند ورعى وعبر عن حرصه على إعادة طباعة الأعمال الشعرية الكاملة للبردوني كما هي في الإصدارات الفردية، وقد لوحظ كثير من الأخطاء والحذف والتعديل في الأعمال الكاملة الصادرة عن الهيئة عام ٢٠٠١، وسوف تعمل الهيئة -وفقاً للتوجيهات- على إعادة طبع أعمال البردوني الشعرية والنثرية وتوفيرها للجمهور".

ويومها، حذر الكتاب اليمنيون من مساعي الحوثيين السطو على تراث البردوني كتمهيد لتوجه أشمل في التعامل مع شعره وإعادة إنتاجه وتوظيفه. واعتباره "أحد أسلحتهم الثقافية في وجه العدوان" بحسب القيادية في الميليشيا، ابتسام المتوكل.

توظيف لتكريس مشروعها

في تعليقه يقول السفير اليمني لدى "يونسكو" محمد جميح، إن لدى جماعة الحوثي "شعوراً ممتعضاً بعدم المشروعية وبالرفض الشعبي وعدم الانتماء، وتدرك أن وجودها في السلطة مرتبط بامتلاكها السلاح، ولذلك تحاول بكل الوسائل توظيف الأسماء الكبيرة والرموز الوطنية والثقافية والأدبية لتكريس حضورها".

يعتبر ذلك ناتجاً عن "شعور عميق لدى الجماعة بأنها مرفوضة شعبياً وأن اليمنيين ينظرون لها على أنها حركة خارج السياق الوطني، وهذا يفسر تمسحها بشخصيات مثل عبدالعزيز المقالح والشاعر عبدالله البردوني وغيرهما".

في ما يخص الجدل الذي يدور حول الديوانين الجديدين "المنسوبين للبردوني، فأعتقد وكثيرون غيري أن بعض قصائد هذين الديوانين ليست بمستوى لغة وأسلوب البردوني".

ويتساءل جميح "لماذا لم ينشر البردوني هذين الديوانين في حياته، على رغم أن الحديث عنهما كان وهو لا يزال حياً".

ويجيب "أعتقد أن البردوني إما أنه لم يجد في القصائد ما يستحق النشر فتركها، أو أن هناك نصوصاً أقحمت على نصوص البردوني، مع ضرورة الإشارة إلى أن كثيراً من نصوص الديوانين يمكن الاطمئنان إلى أنها تحمل بصمات الشاعر، ومع ذلك فأعتقد أن الحوثيين بطباعة الديوانين المنسوبين إلى البردوني بعد عقود من موته إنما يثيرون مزيداً من الشكوك حول قصائد الديوانين وحول نيات الحوثيين".

توظيف مذهبي

أما عن مغزى تبني طباعة مثل هذه الأعمال في وقت تتحجج فيه الجماعة بعدم مقدرتها على دعم أبسط حاجات السكان في المناطق الخاضعة لسيطرتها، يرى أن الجماعة أرادت "بطباعة الديوانين التمهيد لما تروج له حالياً من كتاب تنسبه إلى البردوني عن الإمامين علي والحسين ودورهما في التاريخ الإسلامي، وهذا يشير إلى محاولات تجريف لرمزية البردوني والاستحواذ على حضوره في التاريخ والأدب والمجتمع اليمني، وتوظيف رمزيته لصالح الأهداف السياسية والمذهبية لهذه الجماعة".

ويختتم حديثه بالتأكيد أن "البردوني رمز وطني كبير، ولا يمكن لجماعة طائفية أن تختصر ذلك الشاعر والرمز الأدبي في أعمال تنسبها إليه -وبعضها قد يكون له- وتحاول من خلالها إظهار البردوني وكأنه كان يصرخ صرخة الإماميين الجدد الذين ناضل ضدهم".

تقويض الوعي والذاكرة

من جهته، يذهب الصحافي والشاعر جمال أنعم إلى أن الشعر الذي تضمنه هذا الإصدار لا يشبه البردوني، مؤكداً أنه من المهم "أن يتحرك النقاد والكتاب والأدباء لمواجهة مثل هذه العمليات التي تستهدف تقويض الوعي والذاكرة وضرب الحساسية الفنية والإبداعية ونسف الذائقة والمعيارية وتحطيم القامات الملهمة وتحويلها إلى أدوات في خدمة مشروع الخراب".

وفي السياق أعرب الصحافي سامي غالب عن دعمه الروائي علي المقري، قائلاً إن ما كتبه عن العمل الذي طبع في صنعاء أخيراً ونسب إلى البردوني، جدير بالوقوف والتحقق من جميع محبي البردوني وتلاميذه.

أين الأخطاء؟

بدوره، رفض الكاتب جميل مفرح، وهو أحد أعضاء لجنة المراجعة، حملة التشكيك التي دعت إلى تشكيل لجنة للتحقق من صحة نسب الإصدار إلى البردوني، مشيراً إلى أن ذلك سيفتح الباب أمام ما وصفه "بروز مطالبات لا طائل منها، والتمترس وراء التعصبات الشللية والقبلية التي لا تليق بالمثقفين والأدباء".

وأضاف "لعلم الجميع أصول هذين العملين توجد منها نسخة منذ أكثر من 15 عاماً لدى الأستاذ خالد الرويشان وزير الثقافة الأسبق، وأستغرب كثيراً من عدم تفاعله وتعليقه وإيراد شهادته بعد مقارنة العمل بالأصول".

القول الفصل

وفي مقترح لإيجاد حل لهذا الخلاف الدائر حول ما نسب إلى الشاعر البردوني، قال الأديب والناشط الحقوقي أحمد النبهاني إن القول الفصل في هذا الأمر لدى وزير الثقافة الأسبق خالد الرويشان لأنه يمتلك نسخة من الديوانين.

وأضاف "يمكن أن تكون النسخة التي لدى وزير الثقافة الأسبق خالد الرويشان أساساً للفصل حول صحة القصائد من عدمها وحول ما إذا كانت قد نشرت كاملة أم تم حذف البعض منها".

وأما في ما يتصل بالأخطاء الواردة في الديوانين يقول النبهاني "إن الأمر يتطلب جهداً في تحقيق الديوانين بالعودة إلى الأصل ويحتاج إلى جهد متصل بالشرح والتدقيق والعودة إلى المراجع الأصلية وكذا العودة إلى المراجع الأدبية والتاريخية اللازمة للجهد التحقيقي".

وعبدالله صالح البردوني (1929 - 1999) شاعر وناقد أدبي ومؤرخ تناولت مؤلفاته تاريخ الشعر القديم والحديث في اليمن ومواضيع سياسية متعلقة ببلده أبرزها الصراع بين النظام الجمهوري والملكي، وغلب على قصائده الرومانسية القومية والميل إلى السخرية والرثاء وكان أسلوب ونمطية شعره يميلان إلى الحداثة عكس الشعراء القبليين في اليمن.

أصيب في طفولته بالجدري الذي أفقده بصره وهو في الخامسة من عمره، ولقب على أثره بمعري اليمن.

أصدر 12 ديواناً شعرياً ومؤلفات أخرى خلال الفترة من 1961 - 1994، نال فيها عدة جوائز منها جائزة شوقي للشعر في القاهرة عام 1981، وجائزة السلطان العويس في الإمارات عام 1993، وجائزة أبي تمام في الموصل عام 1971، وجائزة اليونسكو التي أصدرت عملة فضية عليها صورته عام 1982، منها (من أرض بلقيس - في طريق الفجر - مدينة الغد - لعيني أم بلقيس - السفر إلى الأيام الخضر - وجوه دخانية في مرايا الليل - زمان بلا نوعية - ترجمة رملية لأعراس الغبار - كائنات الشوق الآخر - رواغ المصابيح - جواب العصور - رجعة الحكيم بن زائد - مؤلفاته الفكرية - رحلة في الشعر اليمني قديمة وحديثه - قضايا يمنية - فنون الأدب الشعبي في اليمن - اليمن الجمهوري - الثقافة الشعبية تجارب وأقاويل يمنية - الثقافة والثورة - من أول قصيدة إلى آخر طلقة، دراسة في شعر الزبيري وحياته - أشتات).

"اندبندنت عربية"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى