من قال إن الأمة العربية واحدة؟

> محمد واني

> لا يوجد مجتمع يتطابق بشكل كامل مع مجتمع آخر، لا بد أن تكون ثمة اختلافات وتباينات عديدة سياسية وثقافية تفصل بينهما. وقد يختلف مجتمع عن مجتمع آخر داخل دولة واحدة ذات لغة وثقافة وقومية واحدة كالدولة الهولندية أو الإسبانية مثلا، وهذه الاختلافات تبرز وتظهر أكثر في دول ذات قوميات ومذاهب وثقافات متنوعة مثل العراق وتركيا وإيران وسوريا ولبنان، وقد تكون سببا مباشرا في تفاقم الأوضاع السياسية والإنسانية والاقتصادية في المنطقة.

كذلك يوجد فرق كبير، على سبيل المثال، بين المجتمعات الخليجية والمجتمعات العربية الأخرى التي ارتكزت على العنف والثورة والفكر الراديكالي في برنامجها السياسي، حيث حل في المجتمعات الخليجية الأمن والأمان والرخاء والاستقرار السياسي، بينما سادت في المجتمعات العربية "الثورية" الانقلابات العسكرية والقمع والفقر والمرض والفوضى السياسية.

وفي الوقت الذي كانت فيه البلدان الخليجية تتقدم وتتناغم مع التطور العالمي، وتسعى لإنشاء بنية حضارية معاصرة، وتحوّل الصحراء الجرداء إلى واحة خضراء، وتشارك في النشاطات الإنسانية الرياضية العالمية، وتشيد مدنا وملاعب على أحدث طراز تليق بإقامة أكبر المهرجانات الرياضية العالمية (المونديال) فيها، تنهمك الدول "الثورية" بالتنظيرات الفكرية الأصولية والانقلابات العسكرية، وتسعي لابتكار أحدث وسائل القمع الوحشي.

منذ حدوث أول انقلاب في العراق، والوطن العربي، على يد الفريق الركن بكر صدقي عام 1936 ضد حكومة ياسين الهاشمي، تحولت الانقلابات إلى عادة متبعة لدى جنرالات الجيش للوصول إلى سدة الحكم.

من رحمة الله ونعمه على المجتمعات الخليجية أنه لم يسلط عليها زعيما ثوريا ولا منظِّرا قومجيا، ولم تخضع لسطوة انقلابيين عسكريين وهواة قتل على الهوية، ولم يتركها تحت رحمة الميليشيات الطائفية، وظلت بمنأى عن التقلبات السياسية الطارئة والأفكار العصبية البالية المستمدة من مخلفات العصور الجاهلية، ما قبل الإسلام، ومازالت تعيش في سلام وأمان وتبتكر أنواعا جديدة من نظم الحياة المعاصرة، وتستفيد من خيراتها لصالح مواطنيها، بينما تعيش المجتمعات الثورية في وحل المنازعات الطائفية والقومية المتخلفة، وتبدع في القتل والتهجير وتغوص في الفقر والتخلف.

لا توجد في الدول الخليجية ميليشيات مسلحة، تشكل دولة داخل دولة مثل العراق، ولا مؤسسات تحكمها الأحزاب الفاسدة. كل شيء تحت أنظار ورعاية وإدارة المملكة أو الإمارة الرشيدة، بينما يتحول الجيش في الدول الثورية إلى مطية بيد الثورجيين الهمجيين لقمع مواطنيهم وخنق حرياتهم، وتحويل الوطن إلى سجن كبير، دون اكتراث بالاحتجاجات الشعبية، أو الإدانات الصادرة عن منظمات حقوقية دولية، وتمضي في سياستها الوحشية حتى ولو أدى ذلك إلى تدمير البلاد.

منذ حدوث أول انقلاب في العراق، والوطن العربي، على يد الفريق الركن بكر صدقي عام 1936 ضد حكومة ياسين الهاشمي، تحولت الانقلابات إلى عادة متبعة لدى جنرالات الجيش للوصول إلى سدة الحكم.

ورغم أن انقلاب الزعيم عبدالكريم قاسم الدموي على الملكية عام 1958 جرّ على البلاد ويلات لم تنته إلى حد الآن، إلا أن الشعب استقبله بفرح غامر ومازال يحتفي به كل عام. ولكن لم تمض على تلك الثورة التي سميت بـ "ثورة الشعب" خمس سنوات حتى اندلعت ثورة عسكرية مضادة بقيادة عبدالسلام عارف، وتم فيها تصفية الزعيم قاسم والقادة السابقين بصورة بشعة، وهكذا فعل الجنرال أحمد حسن البكر في انقلابه عام 1968، بدعم من أصدقائه الضباط الذين تحولوا فيما بعد إلى خصوم وأعداء جرى تصفيتهم واحدا بعد آخر، وبدوره قام صدام حسين بتنحية البكر عام 1979 وأخضع البلاد لهيمنته المطلقة.

هكذا يمضي قطار الانقلابات في دول "جبهة المقاومة" أو "محور المقاومة" بنسختها الإيرانية، والضحية التي يدفع ثمن همجية السياسة العربية - الإيرانية - التركية دائما وأبدا هو الشعب الكردي الذي وقع، لسوء حظه، في وسط مهرجانات ثورية طاغية في المنطقة.

*كاتب عراقي - صحيفة العرب

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى