الأزارق وبراط..لا ماء ولا كهرباء ومعاناة وأمهات يمُتن خلال الولادة

> استطلاع/ عسكر صالح ناجي

> تقع منطقة قصابة وبراط غرب مديرية الأزارق في محافظة الضالع وتبعدان عن عاصمة المحافظة حوالي 25 كيلو متر، القريتان المرتبطان اسما وحرمانا وهما أختان توأمتان أُرضعتا من ثدي المعاناة ولم تُفطما بعد.

براط وقصابة هناك حيث الإنسان المكافح والإنسان الصابر الذي ينظر إلى الأرض وإلى السماء كل صباح يراقب السحاب لأنها وبقطراتها ستخفف من معاناته ومن حرمانه.

في براط وقصابه لن تجد كثيرا من الناس نهارا لأن الجميع غادر القرية إلى العمل والسعي وراء الرزق ولأن السعي وراء الرزق مشروع جهادي طويل توارثه الأبناء عن الآباء.


لم تصل أي وسيلة إعلامية إلى منطقه قصابة وبراط في الأزارق الضالع منذ أن وُجدتا باستثناء "صحيفة الأيام" التي تناولت استطلاعًا مصورًا تناولت فيه معاناة الناس ونزولا عند رغبة المواطنين الذين طلبوا منَّا نقل معاناتهم عبر الصحيفة بعد أن شكروها وشكروا كل القائمين عليها والتي وصفوها بالصحيفة الوفية.

وهذه المرَّة لم نقف عند حدود براط وقصابة، بل ذهبنا إلى بعض المناطق التابعة لها التي تقع على سلسة جبلية وذات طرق خطرة وتبعد عن منطقه قصابة وبراط حوالي 8 كيلو متر، وأجرينا هذا الاستطلاع الصحفي المصور عن المنطقة.

ومع أن العالم قد تقدم ويعيش حياة الرفاهية والتكنولوجيا إلا أن الإنسان البراطي مازال يعيش في وضع صعب جدا، ومازال يعتمد على الفحم الحجري ومادة البياض "أحجار تستخرج من الجبل وتستخدم لزينة البيوت وخصوصا البيوت الترابية" ويعمل البراطي على بيع الفحم الأسود وكذلك البياض للحصول على مردود مادي بسيط جدا فلا توجد في قصابة وبراط لا مياه ولا طرقات ولاصحة ولا تعليم، والعالم غائب، بكل ما فيه ولا توجد هناك سوى معاناة الإنسان.

التعليم في منطقه براط وقصابة شبه معدوم

الوضع التعليمي في المنطقة صعب جدا، إذ لا توجد مدرسة في منطقة المقبابة، ومدرسه قصابة بعيدة عن هذه القرى وتبعد حوالي 10 كيلو مترا والأهالي لا يستطيعون إرسال أولادهم للالتحاق بمدرسة قصابة، وخصوصا طلاب الصف الأول لأن أرجلهم غير قادرة على التغلب على مصاعب الطريق كما أن الآباء يخافون أن يصاب أبناؤهم بمكروه لأن الطريق وعرة وجبلية وضيقة ولهذا يضطر بعض الآباء إلى إرسال أبنائهم للالتحاق بإحدى مدارس منطقه لصات التابعة لمديرية الملاح لكون الطريق أقل خطورة لكنها ليست أقل مسافة، وأما طلاب منطقة قصابة وبراط فيقطعون المسافات للوصول إلى منطقه عباب.

المواطن فضل عبدالله حسن عواس
المواطن فضل عبدالله حسن عواس
يتحدث المواطن فضل عبدالله حسن عواس عن المياه قائلا: "يعتمد الأهالي على مياه الأمطار صيفا، وتُخزن في كرفان ترابية ولكنها دائما ما تكون غير نظيفة وقد قام الأهالي بحفر بئر سطحية أسفل الجبل ولكنها دائما تتعرض للدفن نتيجة سقوط الأحجار والأتربة عبر السيل المتدفق من أعلى الجبل ودفنها، ولا توجد مضخة في هذه البئر وإنما يقمن النساء بجلب الماء من أعماقها عن طريق الدلو ويجلبنّ الماء من مسافات بعيدة من أحد السدود الصغيرة في المنطقة، وكلما اشتدت موجه الجفاف ازدادت معاناة الناس حيث يدفع الأهالي في هذه المنطقة ثمنا كبيرا من أجل الحصول على المياه، ففي أيام الجفاف يضطرون إلى جلب الماء عن طريق الحمير من مناطق عباب القريبة من الأزارق، وقد توفيت عدد من الفتيات في بعض السدود الصغيرة والكرفان أثنا البحث عن المياه، وبعضهن أصيبت إصابات خطيرة وكسور متعددة.

وأثناء عودتنا في براط شاهدنا معاناة امرأة تجلب الماء من مسافات بعيدة على ظهور الحمير من أحد السدود التي تقع أسفل الجبل، وتجلب الماء بواسطة صفيحة سعة 20 لتر، وتقوم بحمله على رأسها إلى أن تصل للمكان الذي وضعت فيه الحمار وهو مكان بعيد عن السد وبعيد عن مجرى السيل.

أطفال قصابة براط الأزارق من لم تقتله سوء التغذية قتلته أمراض القلب

أطفال قصابة وبراط ترى المعاناة في وجوههم، اقتربنا منهم وما أن لامسنا يد أحدهم حتى بدا عليه الخوف، وآخر سحب يده من أيدينا بلطف وحاول الانصراف لينظر إلينا نظرة البراءة ويحاكي نفسه هل يستطيع هؤلاء القادمون أن يخففوا من آلامنا، وهل يستطيعون أن يجعلونا نعيش كباقي أطفال العالم.

المرأة في براط تسافر لتضع مولودها

المرأة في براط حكمت عليها الظروف أن تعيش بلا حقوق وبلا مساواة، فهي إنسانة تكدح صباحا ومساء لجلب الحطب و الماء وفي الرعي و لمساعدة الرجل في حرث الأرض والعناية بتربية أطفالها وذلك بشكل يومي.

المرأة ومنذ أول يوم لحملها وشبح الموت يرافقها، فهي مع قرب ولادتها يجب أن تذهب أو تسافر إلى أي منطقه قريبة لتضع مولودها ثم تعود أو تبقى في القرية، وبقائها في القرية يعني أما أن يلطف بها الله وتضع مولودها بسلام وتنجو وينجو مولودها، أو أن تبقى في القرية وتموت ويموت مولودها أو تموت في الطريق وهي على أعناق الرجال وذلك بسبب الطرق الجبلية الصعبة والخطرة، والتي تقدر بحوالي 8 كيلو مترا.

في براط لا صوت يعلو على صوت الموت

في براط لا صوت يعلو على صوت الموت القادم من كل مكان من البيت من الطريق، من الوباء، والموت هناك قد يحصد أقرب الناس إليك، طفلك أو زوجتك، أو أختك، وأنت لا تملك شيء وغير قادر على فعل شيء سوى أن تقول لاحول ولا قوة إلا بالله.

فالوضع الصحي صعب جدا ولا يوجد في المنطقة أي مرفق صحي والمركز الصحي الحقل الواقع غربا وكذلك الوحدة الصحية عباب الواقعة شرقا بعيدتان عن المنطقة وتكلفة الوصول إلى أحدهما لا تقل عن 50,000 ريال وهو ما لا يقدر عليه المواطنين.

الحمار الوسيلة الوحيدة لنقل المعدات والاغذية
الحمار الوسيلة الوحيدة لنقل المعدات والاغذية

فالمنظمات الإغاثية والصحية غائبة عن المنطقة وإن نفذت بعض المشاريع فإنها مشاريع مؤقتة، باستثناء منظمة اليونيسف التي تعمل على مكافحة أمراض سوء التغذية بشكل مستمر.

وأثناء تواجدنا في منطقه براط شاهدنا عربة ميدانية خاصة بمعالجة أمراض سوء التغذية تابعة لليونيسف وتحدث إلينا الطبيب عاصم محمد بن محمد رئيس قائلا: "وصلنا إلى هذه المنطقة النائية وهي منطقة لم تصل إليها أي منظمة من قبل ضمن فريق مكون من ستة عمال نعمل على معالجة أمراض سوء التغذية وأمراض الطفولة بالإضافة إلى العناية بالنساء والأمهات المرضعات والحوامل، فالوضع الصحي في منطقه قصابة وبراط صعب جدا، ونحن بإمكانياتنا البسيطة لم نستطع أن نلبي احتياجات الأهالي، فالفريق كما ترون يحمل معدات العمل والأغذية على الحمير لعدم وجود أي طريق لسيارة ولا حتى للموتور.

ويضيف :"الأوبئة والأمراض منتشرة في المنطقة وخصوصا مرض سوء التغذية الحاد الوخيم مع المضاعفات، خاصة عند الأمهات والحوامل دون استثناء، وقد رصدنا عددا من حالات الوفاة بين الأطفال والأمهات.

شحَّة في المحصول و شجرة تقتل الناس والمواشي!

المواطن عبدالله أحمد ناصر
المواطن عبدالله أحمد ناصر
المواطن عبدالله أحمد ناصر من أهالي منطقة المقبابة التابعة لمنطقة براط تحدث إلينا قائلا: "يعتمد الأهالي في هذه المنطقة على بعض الزراعة البسيطة لأن معظم الأرض تقع بين الجبال في الشعاب وأثناء هطول الأمطار تعمل السيول على جرف الأرض، وجرف تربتها، ولهذا فان  المردود من المحاصيل الزراعية قليلة جدا مقارنة بالمناطق الأخرى.

كما أن هناك شجره سامة تدعى (القبب) تأكلها المواشي أيام انعدام الرعي وقلة الأمطار الأمر الذي يؤدي إلى موتها، وتتواجد بكثرة وتزحف سريعا لتغطي مساحات شاسعة من الأرض والأهالي يناشدون السلطات للتخلص من هذه الشجرة القاتلة. 

وندعو جميع المنظمات والجهات الداعمة إلى التوجه إلى منطقة براط للعمل كلا في مجال اختصاصه وبالذات المنظمات العاملة في مجال الإغاثة وذلك لإنقاذ الناس من الموت.

خاص لـ "الأيام"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى