عام جديد من زوايا افتراضية.. وعام انتظار غامض

> العالم الآن في حضرة العام الجديد 2023 بعد الميلاد وقد قطعت البشرية شوطاً لا يستهان به نحو الاستغناء عن "الكوكب المهد" الذي لم يعد يعنيه ضبط النظم المناخية وسلوك التيارات المحيطية وأنماط الرياح بعد تشوه أغلفته حيث طفق يسرح في مسارات فيها كثير من تنمّر الطبيعة صيفاً وشتاءً.

بينما إخوتنا الوعاظ موقنون بأن تلك الظواهر عقاب سماوي بعد أن تحولت الأرض إلى موئل للشياطين يفهم العالم بأن حاجة الإنسان اللامحدودة لاستهلاك الطاقة قد أفسدت غلاف الأرض ومن عليها، وبصورة أكثر راديكالية يرى البعض أن البشرية أصبحت مهيأة للتفكير حول الخروج التدريجي من هذا الكوكب المتهالك. ليس على طريقة كريستوفر كولمبوس وسفينة بحر الظلمات وإنما على مزاج ايلون ماسك "الزائر الفضائي" وقبيلته المفترضة التي ستضع نهاية تدريجية للتاريخ على كوكب الرسالات السماوية، والخروج هذا لا يحتاج بالطبع إلى فرمان توراتي أو إلى عصا تشق الفضاء ولا يعتبر بأي حال من الشواهد الكبرى للساعة حتى يظهر مسيح فضائي بنسخة مريخية من على هضبة ثارسيس يدعو النازحين الصفوة إلى كوكب ثالث ويمهد لحلقة أخرى لا عبثية من العَود الأبدي.

هجرة بعد هجرة و(exodus) بعد آخر في فضاءات الله حتى يُطوى الكون بما فيه.

هذا نصف مجاز عزيزي القارئ، وأنت تستقبل العام الجديد بفتور لا محدود، والنصف الآخر آت من بواعث الصخب في عالم مدمن على الطاقة غير النظيفة، وغارق في حروب جيوسياسية ويمتصه عالم الحوسبة وتقنيات الذكاء الاصطناعي (AI) وأنظمته والواقع الافتراضي حتى رقمنة العواطف ووضع خوارزميات لتأليف معلقات حديثة من الشعر "فيرس باي فيرس".

ومن ناحية، أخرى ستستمر في العام الجديد المثابرة على بناء وإعداد قارات الميتافيرس والأمم الافاتارية بالألوان المختلفة متجاوزة الملامح البشرية المعروفة من أفريقيا إلى أوروبا ومن شرق آسيا إلى أحفاد المايا، وهو عالم لا يشكو من (خرم) طبقة الأوزون ولا يحتاج إلى شيخ أو زعيم أو مفتي، كما أنه يخلو من عقيدة التمكين ومن جوائز نوبل ومن المجانين والمساطيل والساسة الأغبياء وفيه من الشفافية والمعجزات الرقمية ما يكفي لاستحضار صاحب النظرية النسبية أو مؤلف رواية عوليس. ليس هذا وحسب بل يمكن التحدث إلى أبي العلاء المعري وقد تحرر من محبسيه أو أن يُطلب من حي بن يقظان شرح كيف أن العقل وحده يقود إلى معرفة الخالق، ناهيك عن إمكانية التمعن في مفاتن عشتار البابلية وفينوس الرومانية وكذلك أفروديت الإغريقية وحتى اللات العربية، لكن بالتأكيد يفضل كثيرون من ذوي البشرة الزرقاء الذهاب إلى لقاء (أفاتاراتهم) الكيوتات لإطفاء الشغف الكترونياً حتى على رصيف عام في شرق أو غرب الدنيا الموازية لتلك التي خلقها الله.

لقد خرب الإنسان كوكبه بكل ما أوتي من علم ومعرفة وصلف ديموقراطي وذهب يبني عوالم رقمية موازية ومثالية إلى حين. فبأي حال قدمت يا عام؟ ماذا بعد في العام الجديد؟

بقي الكثير من لزوم ما يلزم، لكن الشيء الأهم هو أن قدوم العام 2023 إلى بلادنا الحزينة لا يشبه ما تبثه الشاشات الخارجية في ولائم إعلامية وأضواء صاخبة، بل يكمل خطى سبعٍ مضت ليبقى أيضاً عام انتظار العالقين في المعاناة للخروج منها.. عام المحاربين الذين لا يلزمهم رأس سنة باعتبارها فائض عمري تستحضره الشاشات بعد رحيلهم.. عام الساسة والقادة في الفنادق والمطارات وفي قصور الضيافة بعد أن تركوا وراءهم شعباً لا يحفل برؤوس السنين ولا برؤوسهم إلا من خلال حرمانه وغضبه. عام المدن التي غادرها الفرح: صنعاء مدينة التاريخ ذهبت ولم تولد ثانية، "لا شفق دامٍ ولا فجر أشقر".. وعدن تاهت وانطفأ الزعفران بين حاجبيها وتفككت جدائلها ونُزع الخلخال من كاحلها.. لا فل في السمر لا بحر "يسرّح اليدين فوقه المساء" بعد أن كانت سيدة المدائن وعاصمة النور.

سلام على البلد الحزين.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى