الحرب تعيد الاعتبار للمقاهي الشعبية في اليمن

> أحمد الأغبري

> نادرًا ما يتغيب المحلل الرياضي، سفيان الثور (53 سنة)، عن مقهى مدهش وسط صنعاء على الرغم من أنه لم يألف ارتياد المقهى إلا خلال الحرب، أما قبلها فقد كانت علاقته بالمقهى الشعبي تكاد تكون منعدمة.

ومثل سفيان يمنيون كُثر بصنعاء صاروا زوارًا دائمين لهذه المقاهي، التي شهدت ازدهارًا بصنعاء خلال سنين الحرب، وصارت هناك سلسلة لبعضها، وتحديدًا منذ بدأت الحياة العامة تشهد انحدارًا سياسيًا ارتفعت معها مؤشرات البطالة عقب عام 2011، وربما مع توازي البطالة بالتضييق على حريات الناس أصبح ارتياد المقهى وسيلة للتنفيس.

يقول الكاتب والشاعر، محمد عبدالوهاب الشيباني، (56 سنة) ، وهو من رواد المقاهي: "بعد أن تقلص نشاط الفضاء العام في المدينة خلال سنوات الحرب، وبسبب التضييق السياسي والاجتماعي، صار المقهى الشعبي بأجوائه المحببة وخدماته البسيطة عنوانا للتنفس عند كثيرين، وإن كان بشكل خجول".

فيما يقول سفيان: "تقلصت بالتزامن مع الحرب فرص العمل مما أدى إلى ارتفاع معدل البطالة، وبالتالي ازدهر ارتياد المقاهي الشعبية، حيث أصبح هذا المكان بالنسبة لي وللكثيرين متنفسًا مهمًا وفرصه للقاء بالأصدقاء، وقبل ذلك تقترب كثيرًا من إنسانك الداخلي، وأنت تجد الناس من مختلف الأطياف والمستويات على طاولة واحدة، وربما تجد فيها متنفسًا افتقدته في الحياة العامة وخارجها".

وكانت النظرة الاجتماعية بصنعاء للمقهى سلبية إلى حد ما ، بل كان يُعتبر ارتيادها نقيصة في حق صاحبها فيما مضى.

ويقول محمد الشيباني :"دائمًا ما كان ينظر إلى المقاهي والسماسر (نزل وخانات المسافرين) بازدراء صريح، وتحاك الكثير من القصص الهابطة عنها من قبل نُخب المجتمع المحافظة والمتشددة"، من أبرز المقاهي ذائعة الصيت بصنعاء، والتي لها تاريخ مرتبط بثقافة المكان (مقهى وردة)، والذي صارت له سلسلة من المقاهي تحمل نفس الاسم بدءًا من المقهى الأم في مركز المدينة في "سوق الجنابي".

ويقول الشيباني: "قال لي أحد الاصدقاء، في مقهى وردة بصنعاء القديمة قبل سنوات، بأن والده القاضي والحاكم الشرعي، الذي كان يوصف بالمستنير في الصف الجمهوري جن جنونه حين رآه جالسًا في مقهى قبل نصف قرن، واعتبر ذلك تجاوزًا أخلاقيًا مريعًا، توجب عليه العقاب والحبس والتقييد في المنزل لأسابيع، قبل تدخل عائلي قوي لإطلاقه".

واستطرد: "استقطبت السمسرة (مقهى ردة) خلال العقد والنصف الماضي الكثير من المثقفين والمثقفات، والناشطين والناشطات، وصارت عنوانًا للفضاء العام المتعافي، غير أن إجراءات الفصل والتضييق على النساء قللت من الوصول إليها، ومع ذلك لم تزل مكانًا محببًا عند كثيرين للوصول إليها".

ما زال المقهى مكانًا يتيح للشيباني وسفيان وغيرهما أن يروا اليمن الذي يحبون أن يروه، إذ أتاحت الحرب لهم وما شاب سنواتها من تلوث ثقافي، أن يقتربوا، من خلال المقهى، الناس الذين يمثلون اليمن الحقيقي، بعد أن سلبتهم الحرب كل شيء، بل يجدون فيه فرصة للاقتراب من الذات التي صارت محاصرة بالكثير من الأسوار والقيود خارج المقهى.

"القدس العربي"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى