عجز إسرائيلي فلسطيني يصنع دوامة قتل بلا نهاية

> "الأيام" العرب

> ​قدم شاب فلسطيني هدية ثمينة لإسرائيل لكي تغطي على جريمة جنين التي أودت بحياة 10 فلسطينيين، بمهاجمته مدنيين إسرائيليين عزّل قرب كنيس يهودي في القدس الشرقية ما أدى إلى مقتل سبعة منهم.

ويأتي هذا التصعيد المتبادل ليشير إلى عجز مركّب يعكس حالة من فقدان السيطرة السياسية من الطرفين؛ إسرائيل والفلسطينيين.

وباستثناء حزب الله في لبنان الذي أشاد بالهجوم، فقد أدانته الأمم المتحدة ودول المنطقة والعديد من دول العالم، ونجحت إسرائيل في تجاوز الإدانات ضدها بعد اقتحام قواتها لمخيم جنين، لتحصد بدلا منه تضامنا دوليا واسعا، وتعاطفا مع الضحايا الذين سقطوا في الهجوم.

وتحول الهجوم، الذي بدا وكأنه عمل انتقامي للضحايا في جنين، من الناحية الفعلية إلى عمل انتقامي ضد المساعي الفلسطينية الرامية إلى إدانة الاحتلال، وترك الدعوة لتوفير حماية دولية للفلسطينيين في مهب الريح.

وكان مجلس الأمن الدولي انعقد خلف أبواب مغلقة عشية الهجوم. وهو ما أثار انطباعات بأن الهجوم قصد تدمير الخطاب الذي تقدمت به السلطة الفلسطينية لبحث التصعيد الإسرائيلي ضد الأراضي الفلسطينية.

وكانت الإمارات هي التي تبنت الدعوة لانعقاد الاجتماع وقدمتها نيابة عن الجانب الفلسطيني بوصفها عضوا غير دائم في مجلس الأمن، وحظيت الدعوة بدعم من الصين وفرنسا.

وشددت المذكرة التي حملها المندوب الفلسطيني “على ضرورة أن يتحمّل مجلس الأمن مسؤوليته في هذا الشأن، ويتحمل مسؤوليته بضمان توفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني، بما يتماشى مع القانون الإنساني الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة”.

ولم يعد المرجح، بعد اعتداء القدس، أن تلقى هذه الدعوة استجابة جادة أو أن تخرج بنتيجة إيجابية في الاتجاه الذي كانت تأمل به السلطة الفلسطينية، ليتحول الموضوع إلى إدانة “الإرهاب الفلسطيني”، بدلا من إدانة الهجمات الإسرائيلية المتكررة في الأراضي الفلسطينية المحتلة أو انتقادها.

ولا تستطيع السلطة الفلسطينية التملص من المسؤولية أمام المجتمع الدولي، حتى ولو قامت بإدانة الهجوم أو تبرّأت منه، فهي تظهر في صورة من يساعد على التحريض ضد إسرائيل بعد أن تخلت عن التنسيق الأمني، وفي نفس الوقت فهي تفقد ثقة الفلسطينيين الذين يرون أنها تقف في الصف المقابل، وهي في الواقع تقف على هامش الطرفين.

ولا بد أن المتطرفين في الحكومة الإسرائيلية، الذين ظهروا وكأنهم قد حشروا أنفسهم في الزاوية باقتحام مخيم جنين، قد شعروا بأن الأمور انقلبت لصالحهم بعد هجوم القدس، ففازوا مرتين. الأولى بأن تمت تغطية عملية الاقتحام بكل ما أوقعته من ضحايا. والثانية، بأن انقلبت الإدانة ضدهم إلى إدانة للطرف الفلسطيني، كما حصلوا على تبرير مجاني إضافي للمزيد من أعمال القمع ضد الفلسطينيين.

وتشير دلائل الهجومين، بحسب العديد من المراقبين، إلى عجز مركّب إسرائيلي وفلسطيني، يندفع كل منهما في الاتجاه الخاطئ. فاليمين الإسرائيلي يراهن على العنف لفرض أجندة الاحتلال بالقوة، بكل ما تنطوي عليه من جرائم وإكراهات وقسوة. وينقسم الفلسطينيون بين أجندة رسمية تتخبط في طرق أبواب السلام، وأخرى فصائلية تتخبط في طرق أبواب العنف المسلح.

وعلى الرغم من أن مرتكب الهجوم قد لا يكون مرتبطا بأيّ تنظيم، وأن السلاح الذي حصل عليه قد تم تهريبه له بوسيلة جديرة بإثارة الأسئلة، إلا أن الأرضية الثقافية العامة السائدة في الأراضي الفلسطينية ما تزال تعجز عن تبني خيارات تتوافق مع الآليات المعروفة لكسب التعاطف والتضامن الدولي.

انطلاقا من هذا العجز، نزل العشرات من الفلسطينيّين إلى الشوارع في الضفة الغربية وغزة مبتهجين بالاعتداء وهم يلوّحون بالأعلام الفلسطينية.

والنتيجة التي عكستها المواقف الدولية بعد الهجوم، كانت بمثابة مرآة صافية لانعكاسات هذا العجز. فبعد ساعات فقط من الدعوات الدولية إلى تجنب أعمال العنف ضد المدنيين، ووقف التصعيد، مما كان ينطوي على إشارات ضمنية لوقف الأعمال الإسرائيلية، انتهت هذه المواقف لتصب في غير صالح الفلسطينيين.

وأعرب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عن “إدانته الشديدة” للهجوم على الكنيس. وقال المتحدث باسمه ستيفان دوجاريك “إنه من الشنيع للغاية أن الهجوم استهدف مكان عبادة، وفي اليوم الدولي لإحياء ذكرى ضحايا الهولوكوست”.

وقال البيت الأبيض في بيان إنّ “الرئيس (جو بايدن) قال بوضوح إنّ هذا كان هجومًا على العالم المتحضّر”، و”شدّد أيضًا على التزام الولايات المتحدة الصارم بأمن إسرائيل”.

وأدانت فرنسا “الهجوم الإرهابي المروّع”. وقالت الخارجيّة الفرنسيّة إنّ “هذا الهجوم على مدنيّين في وقت الصلاة وفي اليوم الدولي لإحياء ذكرى ضحايا المحرقة، شنيع جدًّا”.

وأدانت الخارجية الأردنية الاعتداء، ودعت إلى “ضرورة اتخاذ خطوات عاجلة وفاعلة لوقف حالة التصعيد الخطرة والمدانة التي ذهب ضحيتها مدنيون فلسطينيون وإسرائيليون، وتنذر بتفجر دوامات من العنف سيدفع الجميع ثمنها”.

وأدانت وزارة الخارجية الإماراتية “الهجوم الإرهابي”، وأعربت عن “استنكارها الشديد لهذه الأعمال الإجرامية، ورفضها الدائم لجميع أشكال العنف والإرهاب التي تستهدف زعزعة الأمن والاستقرار وتتنافى مع القيم والمبادئ الإنسانية”.

كما أعربت الخارجية المصرية عن “رفضها التام واستنكارها الشديد للهجوم الذي شهدته القدس الشرقية”، مؤكدة “إدانتها لكافة العمليات التي تستهدف المدنيين”.

وإذا كانت هذه الأطراف العربية، كما العديد من الأطراف الأخرى، تدعم الموقف الفلسطيني، فإن اعتداءات قائمة على ثقافة الكراهية تضعها في موقف حرج. وهي غالبا ما تُبقي دوامة العنف تتقلب على المزيد من الضحايا، في مسار يجعله العجز الإسرائيلي والفلسطيني المركّب مفتوحا ويعيد تكرار نفسه. إذ سجلت إحصاءات العام الماضي مقتل ما لا يقل عن 200 فلسطيني و26 إسرائيليا في أنحاء مختلفة من إسرائيل والأراضي الفلسطينية. ومنذ مطلع هذا العام بددت هذه الدوامة حياة العشرات من الطرفين.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى