«مسمار» السعودية في جنوب اليمن!

> «الأيام» سوث24:

> على عكس تصريحاته التي أطلقها، السبت الماضي، فور وصوله العاصمة عدن، وما سيشهده هذا العام من تدخلات حيوية بدعم "الأشقاء" في التحالف، فاجأ رئيس المجلس الرئاسي د. رشاد العليمي السكان في جنوب اليمن، بتشكيل قوة مسلّحة جديدة تأتمر بأمره وتتلقى دعمها مباشرة من المملكة العربية السعودية، في الوقت الذي لا تزال فيه عشرات القطاعات العسكرية والأمنية الجنوبية، تعيش أسوأ حالات التجويع منذ أشهر تحت نظر التحالف والعليمي والمجلس الانتقالي الجنوبي.

يمكن اعتبار تشكيل قوات جنوبية تحت اسم "درع الوطن" من قبل العليمي، الذي ينتمي لشمال اليمن، بدعم وتمويل سعودي محاولة من الرياض لتأكيد نفوذها في المنطقة الجنوبية الاستراتيجية، ومواجهة نفوذ دولة الإمارات العربية المتحدة، في تحد صريح للمجلس الانتقالي الجنوبي، القوة الأكثر تنظيما وحضورا في الجنوب، لقد سبق هذا القرار حملة منظمة قادها إعلاميون ونشطاء سعوديون، شككوا بها في ولاء المجلس الانتقالي الجنوبي وحرضوا على إشاعة الخلاف المحلي بين القوى المجتمعية والمكونات السياسية داخل الجنوب، خصوصا في حضرموت، على ما يبدو، أنّ المجلس الانتقالي الجنوبي فضّل الصمت، وترك لأنصاره حرية مواجهة الحملة الإعلامية، التي انطلقت من الرياض، دون الإساءة للمملكة وقادتها وشعبها.

من هذا المنظور، قد يؤدي تشكيل هذه القوات، إلى تقويض جهود المجلس الانتقالي الجنوبي لتأسيس القوات المسلحة الجنوبية كمؤسسة رسمية، إذ أنّ وجود مجموعة مسلحة أخرى ذات ولاءات مختلفة قد يخلق تنافسًا وارتباكًا كبيرين، ويقود لمزيد من الفوضى، بغض النظر عن طبيعة وتكوينة العناصر الجنوبية التي تشكّل قوام هذه القوة، وسبق وتفرد مركز سوث24 في تسليط الضوء على طبيعة وولاءات هذه القوة وتوجهات أفرادها.

من أهم المحاذير، التي يجب أخذها بعين الاعتبار، بأنه يمكن أن يكون لتشكيل هذه القوة المسلّحة آثار سلبية على المجتمع المحلي، حيث إنّ إضافة المزيد من الجهات المسلحة إلى منطقة مزقتها النزاعات بالفعل يمكن أن يزيد من احتمالات العنف وإلحاق الأذى بالمدنيين، كما يمكن أن يعقّد الجهود الرامية إلى حل سلمي للصراع من خلال الحوار الجنوبي الجنوبي الذي يتبناه المجلس الانتقالي الجنوبي.

ولأنّ الجنوب يشارك الجهات الفاعلة الإقليمية بما في ذلك المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، الجهود المبذولة لإيجاد حل سلمي للصراع الدائر في اليمن منذ ثماني سنوات، من خلال الحوار، فقد يكون لتشكيل قوات "درع الوطن" في جنوب اليمن تداعيات على عدة مستويات:

المستوى السياسي: قد يؤدي تشكيل هذه القوات إلى زيادة تعقيد المشهد السياسي المعقد بالفعل في الجنوب، ويمنح لخصوم المجلس الانتقالي مظلة عسكرية جديدة، وهذا يزيد عدد الجهات المسلحة ويحتمل أن يخلق تنافسًا بين الجماعات المختلفة داخل المجلس الرئاسي نفسه، لم يتضح بعد ما إذا كان قرار تشكيل هذه القوات تم بموافقة جميع أعضاء المجلس، لكن ما ليس خافيا أنّ العليمي يمثّل مسمار السعودية الأول داخل المجلس الرئاسي الجديد.

من ناحية أخرى، الشعارات السياسية للقوة الجديدة، ترتبط ارتباطا مباشرا بمفهوم "الجمهورية اليمنية"، فمثلا تظهر خريطة اليمن في شعارها الرسمي، وهي المفاهيم التي طالما قوبلت برفض شعبي وسياسي في الجنوب، الذي يطمح لاستعادة دولته الجنوبية، من شأن هذا التصادم في الرؤية الوطنية المحلية داخل الجنوب نفسه، أن يساهم في تحويل هذه الخلافات إلى محطات صراع محتملة، وهو الأمر الذي سبق وحصل بالفعل، مع قوات "الحماية الرئاسية" التي شكّلها الرئيس السابق عبدربه منصور هادي خلال فترة ولايته.

المستوى الأمني: قد يؤدي وجود المزيد من العناصر المسلحة في مناطق جنوب اليمن إلى زيادة احتمالات العنف وإلحاق الأذى بالمدنيين، فضلا عن زيادة صعوبة الحفاظ على الأمن والاستقرار على المستويين المحلي والوطني، وهذا يمكن أن يسببه، إلى جانب عوامل أخرى، غياب التدريب العسكري والمهني، وغياب الخبرة العسكرية والأمنية التعليمية وعدم الإلمام بالقوانين النافذة وقوانين حقوق الإنسان ذات الصلة.

كما أنّ تعدد القيادات ومكاتب العمليات والداعمين للقوى المسلّحة، يؤثر بصورة مباشرة على جهود عملية مكافحة الإرهاب، التي تنفّذها القوات الجنوبية في محافظتي أبين وشبوة، لقد حققت مؤخرا نجاحات كبيرة بطرد عناصر تنظيم القاعدة من أكبر معاقله في شبه الجزيرة العربية.

هناك مخاوف من أن تتسبب هذه التشكيلات بالزج بالشباب الجنوبيين في معارك ضد الحوثيين في عمق شمال اليمن، كما حدث في العديد من الجبهات سابقا ومن بينها جبهات السعودية الحدودية الجنوبية مع اليمن.

المستوى الاقتصادي: قد يبقي الصراع البارد الذي تمولّه الدول الإقليمية حالة الاستقرار على شفا الانهيار أي لحظة، وهو ما سينعكس على الوضع الاقتصادي، المتردي بالأصل، ويهدد مستقبل الاستثمارات وخطط السلطات المحلية للتنمية، ويمكن أن يعطل التجارة، والأنشطة الاقتصادية الأخرى، وكل ذلك بدوره يقود إلى تراجع مستوى معيشة السكان المحليين، الذين يدفعون الثمن الأكبر في نهاية المطاف.

المستوى الاجتماعي: يمكن أن يكون لتشكيل هذه القوات آثار سلبية على المجتمع المحلي، الذي عانى كثيرا من حالة الاستقطاب العسكري والأمني، حيث يمكن أن يؤدي إلى تفاقم التوترات الاجتماعية القائمة، إذا ما تم تشكيل هذه القوات على أساس مناطقي، وخلق توترات جديدة تستغلها الأطراف السياسية والإقليمية لفرض نفوذها وحضورها أو تصفية حساباتها، وهو ما يؤدي إلى مزيد من عدم الاستقرار وتوفير مسببات الصراع.

المستوى الدبلوماسي: قد يكون لمشاركة الجهات الإقليمية الفاعلة مثل المملكة العربية السعودية في دعم وتمويل هذه القوات تداعيات سلبية على العلاقات الدبلوماسية مع المجلس الانتقالي الجنوبي وربما مع دولة الإمارات العربية المتحدة.

من الصعب تحديد الدوافع الدقيقة للمملكة العربية السعودية على وجه اليقين من تشكيل هذه القوة المسلّحة، إذ أن السعودية تؤكد مرارا وتكرارا على حرصها على الاستقرار في اليمن، بما في ذلك جنوب اليمن، وساهمت بفعالية في حل التوترات التي اندلعت خلال الأعوام الماضية في عدن، ورعت اتفاق الرياض بين المجلس الانتقالي والحكومة اليمنية، ومع ذلك فأن الطريقة التي دعمت بها السعودية ومولت تشكيل قوات "درع الوطن" يمكن أن ينظر البعض إليها على أنها مساهمة في عدم الاستقرار في المنطقة.

من خلال دعم جماعة مسلّحة معينة في منطقة شديدة التعقيد والتقلب، تخاطر السعودية والمجلس الرئاسي بخلق تنافسات بين مجموعات مختلفة، مما قد يؤدي في النهاية إلى مزيد من عدم الاستقرار، وكل ذلك قد يضر، بالمحصلة، بالجهود الدولية نحو عملية السلام في اليمن.

في النهاية، ما إذا كان تشكيل قوات "درع الوطن" ودعم السعودية لها، يصب في مصلحة الاستقرار في جنوب اليمن هي مسألة قابلة لأكثر من تفسير ومفتوحة للنقاش، وهي بالمقابل، تحد كبير يواجهه المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي طالما رفع علم المملكة العربية السعودية في جميع فعالياته التنظيمية والسياسية، وهي الخطوة التي لم تشفع له، على ما يبدو، لدى الرياض، المعروفة بتقلبها الشديد في سياساتها تجاه خصومها وحلفائها، خصوصا في ملف اليمن.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى